تعتبر دار الأوبرا من أهم المعالم الثقافية الفنية الموجودة في مصر، ،وكانت تعرف قديما باسم دار الخديوية. وقد افتتحت في 1 نوفمبر 1869م، ولكنها تعرضت للتدمير بسبب حريق كبير في 28 أكتوبر 1971، لكن رغم ذلك تعتبر دار الأوبرا المصرية أول دار أوبرا في أفريقيا والشرق الأوسط، بالرغم من أن هناك لغز لم يحل حتى الآن، وهو ما يتعلق باختفاء النوتة الأصلية لأوبرا عايدة قبل الحريق وعدم العثور عليها حتى الآن. وقرر الخديوي إسماعيل حاكم مصر في نهاية القرن التاسع عشر بناء الأوبرا للاحتفال بافتتاح قناة السويس، وقام المعماريان "بيترو أفوسكاني" من ليفورنو و"روتسيي" بتصميم مبنى الأوبرا، وقد صنعت من الخشب وكانت تسع 850 مقعدا، وكانت تقع بين منطقة الأزبكية وميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير حاليا) في قلب القاهرة. تحفه معمارية كان الخديوي إسماعيل شغوفا بالفنون ونتيجة حبه للفن الرفيع وشغفه به أراد أن تكون دار الأوبرا الخديوية تحفة معمارية لا تقل عن مثيلاتها في العالم، وحيث يعتبر مسرحها واحدا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادا. اختير قصة من صفحات التاريخ المصري القديم تصلح لتكون نواة لمسرحية شعرية، تقدم في حفل الافتتاح فوقع الاختيار على الأوبرا الخالدة "عايدة"، بعد أن قام بنظم شعرها الشاعر الإيطالي "جيالا نزوق"، وكلف الخديوي إسماعيل الموسيقار فيردي بتلحينها. أوبرا عايدة افتتحت الأوبرا الخديوية في الأول من نوفمبر عام 1869م مع احتفالات قناة السويس، ولكن حدثت بعض الظروف أدت إلى تغيير أوبرا عايدة بمعزوفة ريغوليتو لجوزيبي فيردي لكي تكون أول عزف في حفل الافتتاح، وتم تقديم عمل فيردي الأوبرالي عايدة في افتتاح عالمي في دار الأوبرا الخديوية في 21 ديسمبر 1871. احترقت دار الأوبرا المصرية القديمة بالكامل في أكتوبر عام 1971، ولم يتبق منها سوى تمثالي "الرخاء" و"نهضة الفنون"، وهما من عمل الفنان محمد حسن، وظلت القاهرة بدون دار للأوبرا قرابة العقدين من الزمن، إلا أن تم افتتاحها مرة أخرى عام 1988، وقد تم بناء جراج متعدد الطوابق للسيارات مكان الأوبرا القديمة، مما هدم شكل الأوبرا المميز، ولكن ظل الميدان الذي كانت الأوبرا تطل عليه يحتفظ باسمه القديم (ميدان الأوبرا). وبعد إعادة بنائها افتتحت دار الأوبرا الجديدة في أكتوبر 1988 بحضور الرئيس الأسبق حسني مبارك وصاحب السمو الإمبراطوري الأمير توموهيتو أوف ميكاسا، وهو الشقيق الأصغر لإمبراطور اليابان، كما شاركت اليابان لأول مرة في مصر والعالم العربي وأفريقيا في افتتاح هذا الصرح الثقافي بعرض الكابوكي الذي يضم خمسين عضوا، بالإضافة إلى فنانين من أعلى مرتبة في مجالات الموسيقى والأوبرا والباليه، وظهر هذا الصرح الكبير إلى الوجود مرة أخرى لتكون مصر هي أول دولة في المنطقة تقيم دارا للأوبرا مرتين في عقد واحد من الزمان. صالونات ثقافية وتضم الأوبرا الحالية ثلاث مسارح هي: الكبير 1200 مقعد، والصغير500 مقعد، والمكشوف 600 مقعد، ولعبت دورا مهما في إثراء الحركة الفنية في مصر، حيث تضم فرقة باليه أوبرا القاهرة، وأوركسترا القاهرة السيمفوني، والفرقة القومية للموسيقى العربية، وفرقة الرقص المسرحي الحديث. وتقيم الأوبرا صالونات ثقافية ومعارض فن تشكيلي ومهرجانات موسيقية صيفية لفرق الهواة، كما تعرض أعمال كبار الفنانين والفرق العالمية باتجاهاتها المختلفة. وعن كورال دار الأوبرا فقد تأسس كورال أوبرا القاهرة في عام 1956 لتقديم الإنشاد الجماعي خلال الموسم، وكان عدد أعضاء الفرقة في بداية تكوينها ثمانين مغنيا بقيادة أدنوري كوردوني، ثم جاء من بعده نتوريوباربيرني، ثم دوريان وكورس، وحاليا يقوم بتدريب الفرقة الدو مانياتو. يقول جابر البلتاجي، الباريتون الأول المصري الذي حصل على ميدالية فيردي من إيطاليا عام 1975، ونائب مدير دار الأوبرا الأسبق: إن حريق الأوبرا تم بفعل فاعل، وأن أصابع الاتهام أشارت إلى ماس كهربائي، لكن هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة، لأنه قبل حادث الحريق بشهرين كان هناك تجديدا بالكامل لشبكة الكهرباء بالمبنى، والشبكة كلها كانت جديدة، وقد أبلغ البعض عن سرقة محتويات المبنى مثل النجفة الكبيرة وبعض الأثاث. ويضيف قائلا: إنه قبل الحريق بأربعة أيام اختفت نوتة أوبرا عايدة الأصلية، التي كتبها مؤلفها الإيطالي العالمي فيردي بخط يده للمغنين والموسيقيين، وسرقت أيضا ملابس لا تقدر بثمن من تراث الأوبرا كان يرتديها الفنانون العالميون أثناء عرضهم على مسرح الأوبرا. وتابع: شب الحريق في مبنى الأوبرا المصرية التي كان يطلق عليها "الأوبرا الخديوية" في الساعة الرابعة فجرا، وبلغت عن طريق تليفون منزلي بالزمالك في السادسة صباحا، واتصلت على الفور بالمطافئ، وانطلقت فورا من منزلي جريا من الزمالك إلى الأوبرا في عشر دقائق، وحينما شاهدت عيناي النيران مشتعلة في جميع أجزاء المبنى أصبت بصدمة وسقطت على الأرض، وحاول البعض مساعدتي على الوقوف، لكنني أصبت بانهيار. وأشار البلتاجي إلى أن النيران ظلت مشتعلة حوالي ست ساعات، وفي الساعة التاسعة صباحا حضر إلى موقع الحادث حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية، وممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء المصري، واللواء يونس الأنصاري مدير أمن القاهرة في ذلك الوقت، وعدد من المسؤولين الذين أصابهم الذهول لمشهد مبنى الأوبرا العريق وهو يحترق. منارة للفن ومن ناحية أخرى، تؤكد د. إيناس عبدالدايم، رئيسة دار الأوبرا المصرية، هناك أساتذة وضعوا كل جهودهم ودمهم وحياتهم ومجهودهم في العمل داخل حيز الأوبرا لإبقائها منارة مصرية عربية، فمثلا الراحلة رتيبة الحفني كانت تعمل في هذه الدار حتى مماتها، ووقفت لإنجاح مهرجان الموسيقى العربية، وكانت تتحدث إلى كبار المطربين وتكرم كبار الموسيقيين، ولم تكتف بذلك، بل كانت تكتشف المواهب وتشجعهم، وأيضا د. عبدالمنعم كامل رئيس دار الأوبرا الأسبق الذي ضحى بحياته من أجلها، وكان يعمل لآخر لحظه في حياته وهو يعاني من مرض خطير. وعن عزفها على آلة "الفلوت" قالت إيناس: "هذه الآله حياتي، ودائما ما أحضنها طوال الوقت، ودائما ما أتواصل مع جمهوري الذي عرفني"، وأضافت: أن وزارة الثقافة المصرية استطاعت أن تقوم بدور مهم في تدعيم قوه مصر الناعمة، فوزير الثقافة دائما ما يعمل بنشاط من أجل تحقيق المعادلة الصعبة في نشر الوعي والثقافة للمجتمعات الأخرى لنقل صورة حقيقية وواعية وبارزة عن الثقافة المصرية".