مجموعة الشاعر السعودي علي الدميني الجديدة لوحات مشحونة بتمجيد الحياة من خلال احتفائها بمفرداتها الأهم التي تقف الطبيعة في مكان بارز فيها. علي الدميني يذهب نحو أقنومين يتكاملان ويتنوعان، الحب وما يستدعيه من مشاهد الحياة اليومية التي تحيط بنا ويشكل حضورها صور أيامنا الراهنة ورصيد ذاكرتنا وهو يرسم خطوط الهواجس والرغبات كما الأمنيات والأحزان العابرة والعميقة على السواء. في مجموعته الجديدة «خرز الوقت» (منشورات نادي الباحة الأدبي ودار الانتشار - بيروت - 2016) يكتب علي الدميني من تلك البقعة التي تلتقي فيها الطبيعة برؤى الحب فيختار قصيدة الإيقاع بانحيازها إلى مناخات تواكب غنائيته الخاصة. هي قصائد وجد مختلف تستقصي غنائية فردية تقارب الهتافات الخافتة مرة وأناشيد اللوعة والشغف مرات أخرى كأنها ترسم اللوعة وتحاكي مشهدية الشغف: «هل كان الكلامُ يجيد وصف الماء، حين يفر من معناه، عريانا، نحيلا، دونما صفة، ولا لغة ، ولا أسماء؟» يذهب الكلامُ الى «وصف الماء»، أو إلى وصف الطبيعة ان شئنا، والقصيدة في هذه الحالة تحاول الإحاطة لا بالمعنى وحسب، ولكن أيضاً بصورة تلك الطبيعة في الروح. سنلحظ هنا أن الغنائية التي يكتب بها علي الدميني تقترح أيضاً شكلها وبنائيتها وصياغاتها. الشكل الذي يختاره الشاعر لتلك المشهديات الشعرية نراه يذهب نحو كلاسيكية جديدة تصطبغ بمزيج من الإيقاع والوزن والقافية، وبسياق يحتفظ للغنائية برنينها الخاص. هي تجربة تنتحي جانباً، بعيداً عن سياقات أخرى تذهب نحوها القصيدة السعودية الجديدة التي تنتعش فيها قصيدة النثر. لا مكان هنا للمفاضلة فالمسألة تقع في التوصيف لا التفضيل، وعلى هذا نقول إننا مع قصائد «خرز الوقت» لعلي الدميني ننحاز للجماليات الفنية، الإبداعية والمشحونة بلغة كثيفة من المشاعر والأحاسيس. قصائد الدميني الجديدة لوحات مشغولة بأناقة، وهي بهذا المعنى تقارب الأناشيد الخافتة، أناشيد العاطفة القلقة والمحتشدة بأسى غير مباشر. هنا بالذات تزدهر الصورة الشعرية باعتبارها حجر أساس بنائية القصيدة، وهي كما نراها صورة تتأسس من عمارة الرؤية البصرية المباشرة مغمَسة برؤى المخيلة الشعرية: «للوقت رائحة القطار ورعشةُ المرآة لامرأة تزين صدرها بسحابة عطشى، وأغصان من الولع المعذَب بالغناء، وبالثواني» ننتبه كثيراً في قراءة قصائد «خرز الوقت» الى تلك القصائد التي حملت عنوان «تغريدات». في هذه القصائد جموح فني جميل نحو استحضار الهواجس والأحلام كما قراءات ورؤى المخيلة الى مقام الشعر. الدميني هنا يميل إلى كتابة تكثّف الكلام وتختصره في بنائيات شعرية فيها الكثير من الومضات الحسية حيث يمكن القارىء استعادتها على نحو سلس وجميل: «وأنا الذي أنسى كلامي في الوداعِ وفي عشيات التهاني ألهو عن الأخطاء في صمتي، وفي عجز اللسان عن ابتكار قرينة أخرى تشير إلى افتتاني» لغة قصائد علي الدميني في مجموعته الشعرية «خرز الوقت» لا تفتعل خصوصياتها، لكنها مع ذلك لغة تنتقي مفرداتها من قاموس صورها ومشاهدها. فالمشهد الشعري وما فيه من صور يفرض تلك المفردات ويحرِّض على اختيارها بالذات، والشاعر في ذلك يستجيب ضرورات القصيدة بما يشبه التلقائية البسيطة والمفعمة بروح الفن. علي الدميني في «خرز الوقت» راوية ينثر سرداً عاطفياً دافئاً في سياقات شعرية تتجاوز تقليديات قصيدة التفعيلة التي نعرفها، فيحقق خصوصية لها جمالياتها مثلما لها فرادتها في ساحة شعرية باتت اليوم أقرب إلى قصيدة النثر.