في الحديث عن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، الذي غيبه الموت ، عن عمر يناهز 93 عاما، في الحديث عن هذه القامة الصحفية الكبيرة، ربما يغيب أحد العناصر، الذي ربما يندثر تحت وهج الأهمية الصحفية والسياسية لهيكل، وهو العنصر الأدبي. ربما لا يعرف الكثيرون أن هيكل بدأ حياته مهتما بالشعر، يقرأ الشعر ويتذوقه، ويحفظ آلاف الأبيات، بل وله بعض الأبيات التي كتبها، وأعلن فيما بعد أنه لم يطلع عليها سوى قلة من المقربين منه. هذا الحس الأدبي بدا واضحا للغاية في كتابات هيكل، سواء في مقالاته، أو كتبه المتعددة، أو حتى في الخطابات التي كتبها للرئيس الراحل أنور السادات، وتلك التي تنسب له من الخطابات التي ألقاها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. عندما سئل الأديب العالمي نجيب محفوظ عن محمد حسنين هيكل قال محفوظ، على مرأى ومسمع من عدد من تلاميذه ومتابعيه، من بينهم د.نصار عبد الله الذي روى الواقعة، قال "لو كان هيكل روائيا لما كان لنا عيش في هذا البلد". هذه الجملة التي قالها محفوظ، القامة العربية الكبرى في مجال الأدب، وإن كانت تحوي مبالغة، فإنها تستند إلى شيء كبير من الحقيقة، يمكن قراءتها من خلال أعمال هيكل، وما أكثرها. تعد فترة حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر فترة ذهبية لهيكل، حيث لمع فيها نجمه في الصحافة بل ودخل من خلالها عالم السياسة من أوسع أبوابه، وخلال هذه الفترة يظهر كتاب "فلسفة الثورة"، الذي يحوي أفكار وتصورات عبد الناصر حول الثورة، وحول كيفية امتلاك الثورة لزمام الأمور. وما لا يعرفه الكثيرون أن "فلسفة الثورة" من تحرير هيكل، حيث اكتفى عبد الناصر بإملاء أفكاره على هيكل، ليصوغها بأسلوب أدبي بدا واضحا، للدرجة التي دفعت البعض لوصفه بأنه عمل أدبي، وليس كتابا سياسية يحمل منهجا، كتلك الكتب التي يكتبها الزعماء المعروفون. وتتوالى بعدها كتابات هيكل التي لم تتوقف عند كونها كتابات سياسية أو تاريخية فحسب، إنما يعدها الكثير من القراء والنقاد عملا أدبيا. ثمة أسلوب واضح اتبعه هيكل في تلك الكتابات، لم يسبقه إليه أحد ممن كتبوا في السياسة، هذا المجال الجاف الذي تبدو صياغته بشكل أدبي أقرب للمستحيل، ولكن هيكل، بدأ من المقدمة، يطرح أسلوبا أدبيا فريدا، يتجلى في مقدمة طويلة على غير المعتاد، تشبه تلك المقدمات التي كان يستهل بها عميد الأدب العربي د.طه حسين كتبه الأدبية والفكرية، تحمل تقديمها لما يسعى إليه الكاتب، وتمهيدًا نفسيا لقارئه. وبين صفحات الكتاب، بجانب اللغة الأدبية السلسة، والصور البلاغية، بل والاعتماد في كثير من الأحيان على أسلوب السجع، الذي امتازت به كتابات أدباء الفترة بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كالمنفلوطي وغيره، فبجانب هذه اللغة يأتي وصف هيكل للأماكن، الذي يبدو غريبا على الكتابات السياسية والتاريخية، حيث يصف الأماكن وصفا أدبيا مطولا، يتجاوز أهمية وصف المكان بالنسبة للحدث السياسي، إلى ولع بالأدب. ولم ينس هيكل ولعه بالشعر في كتاباته، أو في حواراته الصحفية، ليستشهد بما تيسر من أبيات الشعر، حسبما تقتضي الحالة التي يعالجها، بطريقة لم تكن معتادة في كتابات سياسية اعتاد قراؤها أن تكون جافة.