وسط دعوات صادقة من قلوب المثقفين المصريين والعرب بكامل وعاجل الشفاء للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل تتجلى الأبعاد الثقافية الأصيلة في المسيرة المهنية المديدة للصحفي الكبير الذي يقترب الآن من استكمال عامه الثاني والتسعين. وتمنى الكاتب الصحفي عبد الله السناوي أن يقف الأستاذ محمد حسنين هيكل على قدميه من جديد بعد العملية الجراحية التي أجراها في لندن "يمشي حيث شاء ويتحدث فيما يريد، يعلم ويلهم الأجيال الجديدة" فيما قال الكاتب الصحفي رجب البنا: إن هيكل "صاحب فكر متجدد، يدرك التغيرات من حوله ويعلم مالا يعلمه كثيرون، يسأل كثيرا ويقرأ ويفهم مايقرأ ويتفاعل مع كل جديد". وحول علاقة المثقف بالسلطة قال الكاتب الصحفي عبد الله السناوي والمعروف بعلاقته الوثيقة بالأستاذ محمد حسنين هيكل: إن علاقة هيكل بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر "موضوع سجال طويل عن المثقف والسلطة". واستعاد السناوي رأيا للمفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد فحواه أن "المثقف يكف عن أن يكون مثقفا إذا اقترب من السلطة" فيما لم يكن الأستاذ محمد حسنين هيكل مقتنعا بهذه القطعية في تعريف العلاقة بين المثقف والسلطة. ونقل الكاتب عبد الله السناوي عن هيكل قوله في هذا السياق " إن علاقتي بعبد الناصر مسألة أفكار ورؤى وأحلام أمة في لحظة تحديات كبرى وتحولات عاصفة وواجبي الوطني قبل أي شيء آخر حتم أن أساعد بقدر مااستطيع". وفي حوار بين هيكل وإدوارد سعيد كما يقول السناوى أبدى سعيد تفهما لتعقيدات التعريف ومزالق التعسف فيه فيما كان المفكر المصري السيد يسين قد أعاد للأذهان أن محمد حسنين هيكل هو صاحب الفضل في تأسيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في عام 1968 وهو المركز الذي وصفه "برائد المراكز الاستراتيجية في الوطن العربي". ويوضح عبد الله السناوي في جريدة الشروق القاهرية أن هيكل لم يكن في بداية الأمر أقرب الصحفيين إلى "رجل يوليو القوى جمال عبد الناصر" معتبرا أن العلاقة لم تأخذ مدىها الحقيقي الا في مارس 1953 عندما صاغ محمد حسنين هيكل رؤية القائد الشاب لأفق التغيير على صفحات مجلة آخر ساعة التي كان رئيسا لتحريرها حينئذ "وكانت هذه فلسفة الثورة أول وثائق" ثورة 23 يوليو يوليو. وإذا كان "هناك فرق يعرفه العقلاء بين النقد والهجوم" كما يقول رجب البنا فان عبد الله السناوي يرى أنه "في رحلة مهنية وسياسية امتدت لأكثر من سبعة عقود فإنه من الطبيعي أن تتناقض القراءات والمواقف غير أن هذا شييء والتشويه المتعمد شيء آخر تماما" مؤكدا على أنه لايمكن قراءة التاريخ المصري المعاصر بدون توقف جدي أمام أدوار وإسهامات محمد حسنين هيكل. وقد يستدعي انضباط الأستاذ محمد حسنين هيكل نوعا من المقارنة والبحث عن أوجه تشابه بينه وسيد الرواية المصرية والعربية الأديب النوبلي الراحل نجيب محفوظ الذي عرف أيضا بانضباطه الشديد، فهيكل كما يقول عبد الله السناوي "عبقريته في أسلوب عمله ونظام حياته، فكل شيء يخضع لنظام دقيق، لكل دقيقة أهميتها ولكل ورقة أرشيفها". وكان الكاتب والروائي يوسف القعيد قد سرد مؤخرا في جريدة الأهرام طرفا من وقائع تتعلق بحادث وقوع محمد حسنين هيكل وتعرضه لكسر في الفخذ ثم توجهه للعاصمة البريطانية لندن لإجراء جراحة مشيرا إلى أنه قرر استكمال علاجه الطبيعي في مصر. كما تحدث مثقف مصري آخر هو الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أسامة الغزالي حرب عن عودة الأستاذ محمد حسنين هيكل منذ نحو أسبوع إلى القاهرة قادما من لندن بعد رحلة علاج استغرقت مايقرب من ثلاثة أسابيع. وفيما يبذل مثقفون مصريون جهدا ملحوظا لتوصيف وتعريف حقيقة ماحدث في يناير 2011 بعد أن تجدد الجدل بقراءات مختلفة كان الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل قد آثار تساؤلات ثقافية بالغة الأهمية حول قضية الثورة فيما ميز بين "الثورة" و"حالة الثورة" ليقدم هذا الصحفي الفذ إسهاما عميقا في جدل مستمر ومتصاعد بين مثقفين كبار حول حقيقة ماجرى ويجري في مصر منذ 25 يناير 2011. وجاء هذا الاسهام فيما تثير اللحظة المصرية الراهنة تساؤلات ثقافية متعددة حول مسارات ومآلات الثورات في العالم جنبا إلى جنب مع هموم الوطن وضرورات المستقبل وقال محمد حسنين هيكل لمحمد عبد الهادي رئيس تحرير جريدة الأهرام "وجهة نظري مركبة بعض الشيء ولعلي اتمكن من شرحها، لعلك لاحظت منذ 25 يناير 2011 إنني اقتصدت فيما كتبته أو تحدثت به في استعمال كلمة الثورة وآثرت أن استعمل حالة ثورة". وأوضح أن " الثورة" دورة كاملة لها بداية وذروة و"حالة الثورة" نفس النوع ولكنها فصيلة مستجدة جاءت بها تطورات العصور فهى "رفض وتمرد على وضع قائم وغير قابل للاستمرار وحركة متدافعة وسلطة قديمة تسقط ولكن برغم الحركة الجارفة للجماهير وهديرها فإنها ليست هناك فكرة جامعة تحشد للمستقبل وليست هناك قيادة معترف بها تقود الحشد وتوجهه وإنما هناك فراغ يمنع الدائرة من أن تكتمل". وفيما تجلت مجددا الجوانب الثقافية في تكوينه الصحفي الراسخ كواحد من المع الصحفيين على مستوى العالم قاطبة مضى الأستاذ هيكل في هذا الحوار موضحا:" في ظرف الثورة هناك سؤال وهناك جواب وفي ظرف حالة الثورة هناك اسئلة وليست هناك اجابات وهناك حركة ولكن هدفها يتعثر وهو حتى الآن لايحقق وعده". وشرح الأستاذ محمد حسنين هيكل تصوره "لحالة الثورة" والفارق بينها و"الثورة" من منظور ثقافي قائلا:المسألة ذاتها جرت بنفس مستجدات العصور في الأدب والفن كما في قضايا السياسة وضمنها قضية الثورة..نهايات تظل عالقة لبعض الوقت وأعمال ادبية وفنية بغير نهايات تقليدية تترك الدوائر مفتوحة ولاتقفل الدائرة عليها. ومضى هيكل في هذه الاستعارات الثقافية الدالة معيدا للأذهان مسرحية "في انتظار جودو" لصمويل بيكيت وكيف انها بلا بداية ولاذروة أو نهاية "فهي ليست مسرحية ولا قصة على النحو الذي كنا نعرفه من فلوبير إلى تشيكوف ومن هيكل باشا إلى نجيب محفوظ". فعند هؤلاء جميعا- كما يقول الأستاذ هيكل-كانت القصة خطا متصلا وسياق له بداية وله ذروة أو عقدة أو حبكة وله نهاية أو خاتمة أو لحظة نزول ستار والآن اختلف الوضع فيما استشهد بمسرحيتين شاهدهما في الموسم المسرحي الأخير بلندن هما مسرحية "الملكة" ومسرحية "تشيميركا"وتعبران معا عن المتغيرات الجديدة في الأدب والفن حيث اختلفت القصة والمسرحية بشدة عن المعنى المتعارف عليه تقليديا. وكذلك فإن حالة الثورة كما يراها الأستاذ محمد حسنين هيكل "تواصل حركتها بالقلق والعصبية وتكاد تقارب الفوضى أو تتحول بالفعل إلى فوضى لأنها تدفق تلقائي ليس لديه مسار معلوم وليس في اخره مصب معين" مضيفا "هناك معضلة تتصل بعلم الثورة في حد ذاته وقد اصبح بالفعل علما مستقلا ضمن منظومة العلوم السياسية وهناك متغيرات كبرى لحقت بقضية الثورة في حد ذاتها". وأشار إلى أن "قضية الثورة في حد ذاتها لم تعد تلك التصورات المعروفة والمحددة في الأدبيات الشائعة وانما هناك مستجدات أتت بها أحوال جديدة مازالت تفور وتتفاعل وتغلي في الدنيا كلها" منوها بأن "حالة الثورة" لها ايجابياتها ومن بينها انها اظهرت في مصر مثلا أن "قوى الجماهير عنصر أساسي في المعادلة الوطنية وفعلها مؤثر وتجاهله خطر". وقال هيكل:" حل يوم 25 يناير وتوالت مشاهده الرائعة ثم تكشف ماتكشف من غياب الفكرة وغياب القيادة وغياب الجسر أو الجسور إلى المستقبل ثم ظهرت اعراض حالة الثورة دون تشخيص لطبيعتها" معتبرا أن الممكن الآن "تفهم حالة الثورة وساحتها الواسعة وطبيعتها المختلفة وتحديد مجالات ومسارات وملفات على رقعتها وتتبع كل مجال ومسار وملف والتصرف حياله". وعقب ثورة 30 يونيو 2013 واحداث العنف التي انخرطت فيها العناصر المعادية لهذه الثورة اثارت واقعة حرق الكتب التي يحتفظ بها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في بيته الريفي تساؤلات محزنة بقدر ماشكلت الواقعة عدوانا على ثقافة التنوير وقيم ثورة العقل والمعرفة من أجل الحرية والتقدم وكسر التبعية. وفي سياق استنكار العديد من المثقفين لهذا الاعتداء قال الكاتب الصحفي صلاح منتصر بشأن الجماعة المتهمة بارتكاب الحادث:"لقد أضافوا لسجلهم الأسود حرق منزل بسيط في قرية اسمها برقاش تعود أن يذهب اليها الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل ليقرأ الكتب التي تضم آخر إنتاج دور النشر وترد اليه من كل الدنيا". وأضاف منتصر:"وقد تصوروا المبنى قصرا مليئا بالتحف ولما فوجئوا ببساطته سرقوا لمبات الاضاءة فيه واحرقوا آلاف الكتب التي تملأ ارففه" فيما افادت تقارير صحفية أن بعض الوثائق النادرة قد احرقت أيضا. وتعد البيوت الريفية لكبار الكتاب والمبدعين في العالم بمثابة مزارات ثقافية شاهدة على تاريخ الأفكار والكتابات التي انتجت في هذه البيوت فيما تتحول بعضها لمتاحف كما حدث على سبيل المثال في البيت الريفي للكاتب الروسي العظيم انطون تشيكوف في ناحية "ماليخوفو". ومثلما كان تشيكوف يستقبل بعض ضيوفه الأعزاء في منزله الريفي بماليخوفو ويبدع في هذا المكان الهاديء ويقرأ ويتأمل بعيدا عن صخب المدينة فان محمد حسنين هيكل استقبل في بيته الريفي ببرقاش اسماء لامعة في السياسة والثقافة والفن يعبر عن عصر بأكمله في الحياة المصرية والعربية يعد هيكل ذاته من نجومه الكبار. ووسط مساحة خضراء تتخللها الزهور يقع البيت الريفي لمحمد حسنين هيكل في برقاش وهو في الواقع لايزيد عن مبنى صغير انيق مكون من طابقين غير أن الكاتب الكبير أشار في مقابلات صحفية إلى أن هذا المكان شهد زيارات لزعماء وشخصيات تاريخية في مقدمتها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل انور السادات وكوكب الغناء العربي أم كلثوم. فالمكان اذن ليس مجرد مبنى صغير وسط مساحة خضراء وإنما شاهد بامتياز على عصر بأكمله وحوارات وأحداث وربما قرارات خطيرة فيما يقول بعض من ذهبوا لهذا المكان الذي يبعد بمسافة نحو 50 كيلومترا من ترعة المنصورية إنه يمكن وصفه من الداخل "بالسهل الممتنع ويعكس سلامة في الذوق بعيدا عن البذخ المبالغ فيه" كما يضم المكان ملعبا مصغرا للجولف يمارس فيه هيكل رياضته المفضلة. وسكان قرية برقاش الذين يقدر عددهم بنحو 30 ألف شخص يشعرون بالفخر كونهم جيرانا "للأستاذ" الذي اختار أن يقيم "عالمه الخاص" في هذه القرية وسط الخضرة والزهور التي تشكل لوحة فنية بديعة مع أشجار ضخمة ودالة على عراقة المكان. ولاجدال أن الحادث أزعج حينئذ الكثير من المثقفين المصريين والعرب الذين ينظرون لمحمد حسنين هيكل ككاتب يضيء دروبا ويشعل بروقا في لحظات فارقة ويسعى دوما للاجابة على تساؤلات تبدو محيرة مثل السؤال الكبير:مصر والمصريون إلى اين؟!. وظل محمد حسنين هيكل يحلق بين الصحافة والسياسة بزاد ثقافى أصيل فيما أسهم بدور كبير في المرحلة التأسيسية لمجلة "وجهات نظر" الثقافية المصرية وكان قرائه ينتظرون الإصدار الشهرى لهذه المجلة من أجل متعة قراءة هيكل وهو "يتمشى ويتجول" في اروقة الماضى والحاضر ويبحر كعادته بين الصحافة والسياسة بقدرات ثقافية فذة. ويؤكد هيكل دوما على أن الثقافة عنصر مهم من عناصر الإستراتيجية المصرية وهو صاحب مقولة " لاسياسة بلا ثقافة ولاظهير للسياسة الا الثقافة" بقدر ماجاءت رحلته بين الصحافة والسياسة مرتكزة على الثقافة وهو المعبر عن قيم ثقافية وإنسانية وإيجابية أصيلة مثل قيمة العمل وتجاوز اللافعل. ولعل أهمية عامل التكوين الثقافى للصحفى تتجلى بكل الوضوح في نهج الأستاذ محمد حسنين هيكل حيث "المعالجة بالعمق والحفر المعرفى عند الجذور والتحليق بأجنحة المعرفة نحو افاق المستقبل" فيما استعاد في سياق حوار صحفي مرحلة اعداده في بدايات مسيرته الصحفية المديدة. ويقول محمد حسنين هيكل:"هذا الاعداد كان بالأساس ثقافيا..وثقافيا هنا تعنى المشاهدة والتفكير والاطلاع والمعايشة" مؤكدا أيضا على عامل التنشئة في بيت "يحمل استعدادا ثقافيا كبيرا". وأضاف:"الكتب جزء مهم في كل بيت اذهب اليه..في الإسكندرية..في الغردقة..في المنزل الريفى في برقاش" فيما يرى أن الثقافة هي "حصيلة كل المعارف التي تتوافر للإنسان من خلال معايشة الحياة والتاريخ والزمن..ولذلك فمن الخطأ أن نتصور أن الثقافة هي الفن فقط أو الرسم فقط أو الأدب فقط". واذا كان المفكر الاستراتيجي الراحل جمال حمدان لم يعرف عنه أدنى نفاق أو شبهة مجاملة لأحد على حساب الحقيقة فان لرأيه كل الأهمية عندما وصف محمد حسنين هيكل بأنه أحد اعظم الصحفيين المعاصرين في العالم أن لم يكن اعظمهم على الإطلاق. اما المفكر والكاتب المغربى عبد الاله بلقزيز فيقول:"في امكانك وانت تقرأ للأستاذ محمد حسنين هيكل أو تستمع اليه متحدثا أن تحسبه أكبر من صحفى وأكثر: مؤرخ..باحث إستراتيجي..رجل دولة مرموق في موقع القرار..باحث في علم السياسة..مفكر..الخ". ويضيف بلقزيز:"ولن تكون متزيدا حين تفترضه على هذا النحو وتحمل عليه هذه الصفات جميعا فقد نجح في أن ينتج نصا صحفيا عصيا على التعيين الحصرى من شدة مااكتنزه من ادوات وموارد ليست مما يعتاد حسبانه من عدة الصحافة وعتادها". ومن ثم فان محمد حسنين هيكل-كمل ينوه عبدالاله بلقزيز-هو "في جملة عدد جد قليل من الصحفيين في العالم المعاصر تقرأ كتبه ويحتفظ بها في المكتبات الشخصية ويرجع اليها عند الحاجة" معيدا للأذهان أن عشرات الكتب التي أصدرها هيكل "باتت مراجع معتمدة للمؤرخين وعلماء السياسة والباحثين في مجالات الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية والتاريخ السياسي العربى المعاصر". ومع تعدد أبعاد الكتابة عند هيكل فإنها يصر على تعريف نفسه بأنه "صحفى" وهو مايفسره عبد الإله بلقزيز بأنه ليس من باب التواضع وإنما تعبير عن مفهوم يتبناه محمد حسنين هيكل للصحافة باعتبارها " نمط من المعرفة والكتابة والتفكير قوامه الجمع المنظومى بين مجالات معرفية شتى" مضيفا:" وفى هذا التعيين لمعنى الصحافة انتقال استراتيجي للمفهوم بل وإعادة تأسيس جديد لمعنى الصحافة". ومحمد حسنين هيكل صاحب الكتاب الشهير عن " أزمة المثقفين" في خمسينيات القرن العشرين يحفظ عن ظهر قلب مئات أن لم يكن آلاف الأبيات من عيون الشعر العربى وهو الذي ارتبط بصداقة وثيقة للغاية مع الكاتب الراحل توفيق الحكيم الذي كان يكتب في جريدة الأهرام ضمن "العقول الكبيرة من كبار المثقفين مثل نجيب محفوظ ويوسف ادريس ولويس عوض" كما استطاع في اشد الأوقات قتامة بالنسبة لحرية التعبير أن يدفع شرور الأجهزة الأمنية القمعية عن بعض هؤلاء المثقفين الكبار كالحكيم ومحفوظ. وأعاد هيكل للأذهان أن الكثير من مشاهير الصحافة والأدب في العالم عملوا في الصحافة المصرية الصادرة بلغات أجنبية أو كمراسلين لكبريات الصحف العالمية في مصر أثناء الحرب العالمية الثانية ومنهم على سبيل المثال جورح اورويل وقد تعلم الكثير من بعضهم. لم يترك محمد حسنين هيكل أي فن صحفى لشأنه وإنما استخدم كل فنون الصحافة ومزج بينها مزجا إبداعيا ليحولها أحيانا إلى فن واحد فكان بحق في تفرده مجمع الصحافة وأيقونتها غير أنه أوضح قاعدة مهنية هامة بقوله:"أن الصحفيين ليسوا أدباء أو مفكرين أو فلاسفة يتحدثون عن معنى الوجود وصيرورة الكون لكنهم يتحدثون عن الحياة اليومية ومتابعة اخبارها ولذلك فمن المهم شرح وتحليل الخبر طبقا لقاعدة:لارأى الا على قاعدة خبر". وهيكل الذي يشدد على أهمية "التواصل مع الآخر والانفتاح والاحتكاك بكل ثقافات العالم الآخرى من خلال التواصل مع كل المدارس الأدبية والفكرية" هو الصحفى المثقف المهموم بحرية الصحافة في وقت تبدو فيه هذه القضية موضع جدل عالمى حتى في اعرق الديمقراطيات مثل بريطانيا والولايات المتحدة. واذا كان الصحفيون والمثقفون المصريون والعرب يفخرون بتسابق صحف عالمية على النشر للأستاذ محمد حسنين هيكل فضلا عن كتبه التي صدرت اصلا بالانجليزية عن كبريات دور النشر الدولية فان المفكر والكاتب المغربى عبدالاله بلقزيز يبدو مفتونا بطريقة "الأستاذ" في الكتابة. ويقول بلقزيز أن طريقة محمد حسنين هيكل في الكتابة هي مزيج من العرض والمقارنة والتحليل بنفس سردى مذهل يحرر الرواية السياسية للوقائع والأحداث من رتابتها لتصبح سلسة مع عناية شديدة بجماليات التعبير دون تكلف الأمر الذي يصنع لنصوصه قدرا هائلا من الجاذبية والاغراء للقراء غير أن مكمنها الأهم في مادتها ومنهجها. اما المادة فهى الوثيقة التي لايكاد يكتب شيئا وهو عنها بمعزل ثم يضيف هيكل إلى حجية الوثيقة حيوية من واقع معاينته لمعظم مايكتب عنه وبما سمح له موقعه كصحفى مرموق يملك أن يقترب أكثر من صناع القرار في بلاده والعالم..وهكذا تستضاء الوثيقة بالشهادة وتكتمل بها. وفيما تنحو الرواية الحديثة منحى معرفيا مع نزعة وثائقية في حالات عديدة فان هيكل المتميز بأسلوبه الروائى والمعجب بالروائى الروسى الراحل وصاحب نوبل الكسندر سولنجستين كان وسيبقى في قلب رواية الصحافة المصرية والعربية أن لم يكن أهم من كتبوا قصتها. واذا كانت بعض العناصر المحسوبة على "نظام فئوي" اسقطته الملايين يوم الثلاثين من يونيو 2013 قد اقدمت على اقتحام "العالم الخاص للأستاذ" في برقاش فانها اخطأت كالعادة باعتداء غاشم على طرف رئيس في قصة التنوير. انها القصة التي دخلت منعطفا حاسما ضد الثقافة المضادة للتنوير مع انتفاضة الملايين لإسقاط النظام الفئوي المخاصم للنهضة الحقة..جماهير تشارف عصر التنوير تحت رايات ثورة العقل التي يحض عليها الإسلام لتكتب قصتها الجديدة التي كان محمد حسنين هيكل من المبشرين بها. واذ يبتهل للمولى عز وجل أن "يحفظ لهذا البلد اسطورته الحية" يقول الكاتب الصحفي عبد الله السناوي عن الأستاذ محمد حسنين هيكل: " لاتوجد امة تحترم نفسها تسأل مواهبها الاستثنائية عندما يتقدم بها العمر أن تصمت وهي تستطيع أن تتكلم" مستشهدا في هذا السياق ببيت شعر شهير للمسرحي الانجليزي الأعظم ويليام شكسبير:" إذا لم اتكلم انا فمن يتكلم"؟!. نعم فليتكلم الأستاذ ويخيب ظن العدم !..ليتكلم عن المستقبل وقمحنا ونيلنا وجرحنا واملنا..ليتكلم وكلنا آذان صاغية فان لم يتكلم هو فمن حقا الذي يتكلم ؟!!.