رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك فى احتفال «أحد السعف» بأسيوط.. صور    وزير العمل يُحدد أيام إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية    «التموين» تعلن انتهاء أزمة السكر في الأسواق.. و«سوء التوزيع» سبب المشكلة    الدفع بأتوبيسات نقل جماعي للقضاء على التزاحم وقت الذروة في مواقف بني سويف    للمرة الثانية.. «السياحة» توفد لجان لمعاينة سكن الحجاج بالسعودية    ماكرون يعرب عن استعداده لمناقشة الدفاع النووي في أوروبا    روسيا تسقط 5 صواريخ أتاكمس و64 مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل    رئيس مجلس الشوري البحريني يشيد بموقف القيادة السياسية المصرية في دعم غزة    البدري: أنا أفضل من فايلر وكولر.. وشيكابالا كان على أعتاب الأهلي    الشيبي يغادر مقر لجنة الانضباط بعد انتهاء التحقيق معه    شيرار: استبعاد صلاح من تشكيل ليفربول سر أزمته مع كلوب    «أزهرية الشرقية»: لا شكاوى من امتحانات صفوف النقل بالثانوية اليوم    تكثيف الحملات على محال بيع الأسماك المملحة خلال شم النسيم بالغربية    مدير تعليم الدقهلية يناقش استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    تنويه خاص لفيلم «البحر الأحمر يبكي» بمهرجان مالمو للسينما العربية في السويد    فيلم «أسود ملون» ل بيومي فؤاد يحقق المركز الرابع في شباك التذاكر    «الصحة» تكشف تفاصيل «معا لبر الأمان»: نخطط للوصول إلى 140 ألف مريض كبد    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    احتفال الآلاف من الأقباط بأحد الشعانين بمطرانيتي طنطا والمحلة.. صور    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    محافظ بني سويف يُشيد بالطلاب ذوي الهمم بعد فوزهم في بطولة شمال الصعيد    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة ملاكي على الطريق الصحراوي بقنا    قبل تطبيق اللائحة التنفيذية.. تعرف على شروط التصالح في مخالفات البناء    الرئيس الفلسطيني: اجتياح الاحتلال لرفح سيؤدي لأكبر كارثة في تاريخ الفلسطينيين    سفير روسيا بالقاهرة: موسكو تقف بجوار الفلسطينيين على مدار التاريخ    المصري الديمقراطي الاجتماعي يشارك في منتدى العالم العربي بعمان    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    4 برامج ب«آداب القاهرة» تحصل على الاعتماد البرامجي من هيئة الجودة والاعتماد    طلاب حلوان يشاركون في ورشة عمل بأكاديمية الشرطة    البنية الأساسية والاهتمام بالتكنولوجيا.. أبرز رسائل الرئيس السيسي اليوم    "مع كل راجل ليلتين".. ميار الببلاوي ترد على اتهامات داعية شهير وتتعرض للإغماء على الهواء    أحمد مراد: الخيال يحتاج إلى إمكانيات جبارة لتحويله إلى عمل سينمائي    قصور الثقافة تختتم ملتقى "أهل مصر" للفتيات بعد فعاليات حافلة    أول تعليق من مها الصغير على أنباء طلاقها من أحمد السقا    أقباط دمياط يحتفلون بأحد الشعانين    تشكيل إنتر ميلان الرسمي ضد تورينو    إدارة الأهلي تتعجل الحصول على تكاليف إصابة محمد الشناوي وإمام عاشور من «فيفا»    "اتصال" و"رجال الأعمال المصريين" يطلقان شراكة جديدة مع مؤسسات هندية لتعزيز التعاون في تكنولوجيا المعلومات    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن لمن تخطوا سن ال65 عاما    جامعة بني سويف: انطلاق فعاليات البرنامج التدريبي للتطعيمات والأمصال للقيادات التمريضية بمستشفيات المحافظة    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    بنك QNB الأهلي وصناع الخير يقدمان منح دراسية للمتفوقين بالجامعات التكنولوجية    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمل مكارم قاومت الحرب اللبنانيّة ب«اليوميات»
نشر في نقطة ضوء يوم 13 - 02 - 2016

تنتهي الحروب في كتب التاريخ، لكنّها لا تنتهي يوماً في أفئدة الذين عاشوها، الذين استمرّوا من بعدها، الذين رأوا فظائعها وما انفكّوا يحاولون الزحف بعيداً عنها. ليس تاريخ نهاية حربٍ تاريخَ نهايةٍ فعليّة صارمة وكاملة. فللحرب ظلّها الذي يبقى معشّشًا في النفوس والذاكرة حتّى بعد انتهائها، تبقى المرارة والصدمة والدهشة أمام قدرة الإنسان الصارخة على الوحشيّة. وتنضوي الحرب الأهليّة اللبنانيّة (1975-1990) تحت هذا المبدأ، فما زالت النفوس تعاني آلام الفقد، وما زالت الذاكرة تحمل آثار المشاهد الدمويّة ولحظات الرعب.
ولا يتمّ الشفاء سوى بالنظر إلى الخلف والتصالح مع تاريخ قاسٍ لم يرحم الأرض وأهلها. لا يتمّ الخروج من الحرب سوى بمواجهتها، محاسبتها، كتابة جرائمها على الجدران البيضاء وتأمّلها والتعلّم منها. وهذا بالتحديد ما أدركته الكاتبة والصحافيّة اللبنانيّة أمل مكارم، أدركت أنّ القدرة على السير إلى الأمام لن تكتمل إلّا بالنظر إلى الخلف، بمراجعة الماضي للتمكّن من المضي قدماً. فأصدرت مكارم يوميّاتها في الحرب اللبنانيّة بعنوان Le Paradis Infernal (الفردوس الجهنّميّ) عن L'Orient des Livres، يوميّات تقتصر على ثلاث سنوات مفصليّة هي 1975 و1976 (أولى سني الحرب اللبنانيّة)، و1989 (آخر سنواتها)، وتقول مكارم في توطئة اليوميّات: «صفحات هذا الكتاب هي صفحات تمكّنت من النجاة. حالها كحالنا نحن الذين كنّا في عشرينيّات عمرنا عندما اندلعت الحرب،
نحن العالقين اليوم في ذاكرة تقف مذهولة أمام العنف الذي تعرّضنا له. [...] في البداية كتبتُ لأتمكّن من التنفّس. لأستوعب ما لا يُصدَّق، لأحاول ترقيع التمزّق الذي حصل. كتبتُ لأقاوم. ثمّ تابعتُ الكتابة لأصمد. وذات يومٍ، حصل ما لم يعد متوقّعًا: انتهت المعارك على حين غفلة. انتهت المعارك وعادت الحياة إلى سيرها وكأنّ شيئاً لم يكن. أخذ اللبنانيّون ينسون الحرب من دون أن ينسوها فعليّاً، التقوا لكنّهم لم يتصالحوا.»
من التفاؤل الى العبثية
يوميّات أمل مكارم هي يوميّات كلّ شاب لبنانيّ كان في عشرينيّات عمره عندما اندلعت الحرب اللبنانيّة العام 1975، هي يوميّات كلّ مواطن لبنانيّ لم يفهم ماذا حصل، كيف تحوّل البشر إلى وحوش كاسرة تقف على الحواجز، تقتل لأتفه الأسباب، تحاسب على الهويّة. ويحتار قارئ اليوميّات إلى جانب مكارم، يخاف كما تخاف، يتساءل كما تتساءل، ويحاول أن يتأمّل بأنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام، كما تتأمّل هي الراوية الشابّة المتهالكة على السياسة والتاريخ والتعقيدات الحزبيّة. لكنّ شيئاً لا يكون على ما يُرام، فالحرب التي اندلعت العام 1975 وأكملت خمسة عشر عاماً من بعدها، قتلت الأمل الأوّل بأن تكون مجرّد عقبة موقّتة في تاريخ البلاد، قتلت الأمل بأن تعود بيروت لتكون مهد الطوائف والتجارة والسياحة كما كانت، قتلت الأمل بأنّ الإنسان سيعود إلى إنسانيّته قريباً: «هناك قنّاص، من دون أن يعلم، قتل شقيقه. نعم، لقد بدأت الحرب بكلّ واقعيّتها. لقد انتهى زمن الغبطة اللبنانيّة
وتنتقل مكارم في يوميّاتها من التفاؤل الخجول نحو العبثيّة، فالرغبة في المساعدة ففقدان الأمل فعدم التصديق بأنّ الحرب قد تنتهي يوماً. تتحوّل بين العامين 1975 و1989 من إنسانة تصدّق أوّل إشاعة بانتهاء الحرب إلى امرأة شهدت المروّع من الأمور ولا تصدّق بأنّ وحشيّة دامية دامت أربعة عشر عاماً قد تنتهي بهذه البساطة. فتنتقل مكارم من طالبة تاريخ في فرنسا إلى شابّة لبنانيّة تريد البقاء في بلادها بينما الجميع يغادر، تريد الوقوف إلى جانب المقهورين والضحايا وأهالي المخطوفين فيما المجتمع العربيّ والدوليّ يصفّي حساباته على قطعة أرضٍ صغيرة كانت تضيق بمصائبها أصلاً.
وتجسّد مكارم في يوميّاتها الفوضى والتزعزع اللذين ولدا في نيسان 1975، فهي الشابّة الدرزيّة الدين، اليساريّة النزعة، كتبت بصدق وعفويّة ما تناقلته الأجواء الدرزيّة في تلك الفترة، نقلت أوامر «الزعيم كمال جنبلاط»، نقلت تهوّر الشباب من ناحية وتروّي المشايخ من جهة ثانية، نقلت الحزازيّات في الجبل بين الدروز والمسيحيّين، نقلت العلاقة بالفلسطينيّين، بالسوريّين، بالإسرائيليّين. نقلت أفكار شابّةٍ عادت إلى لبنان وكتبت تارةً من بيروت وطوراً من رأس المتن (جبل لبنان)، ووصفت انقطاع الماء والكهرباء وانعدام الاتّصالات بباقي المناطق اللبنانيّة، انعدام العلاقة بالقسم «الآخر» من بيروت، خطورة التنقّل، وغيرها من المشاكل اليوميّة الحياتيّة.
لقد ذكّرت مكارم في يوميّاتها بشرّ الانقسام الأسود الذي تعرّض له لبنان، بوحشيّة الحواجز الطيّارة، بالاجتياح السوريّ، معارك المخيّمات الفلسطينيّة، الرغبة في إبادة الآخر، القنص البارد، الخطف المقنّع، السيّارات المفخّخة، القصف الاعتباطيّ. وصفت الوحشيّة وإلى جانبها شيئاً ممّا يخفّف قسوة الكلمات، فذكرت والدها المحامي فوزي مكارم، وكلمات جدّتها التي لا تكفّ تدعو الله «يا أبو ابراهيم»، ذكرت النكات التي شاعت في ذلك الزمن، وطريف الحوادث وغريبها، حوادث تفرضها الظروف السوداويّة المظلمة، ذكرت حالات الخطف التي أخطأت الهدف، حالات الرعب والتوتّر على الحواجز وما تولّده من مواقف مضحكة، وغيرها من مشاهد الفكاهة السوداء.
الفوضى اللبنانيّة
وحدها التعليقات الممعنة في السخرية والألم والسوداويّة هي التي تنقل حالة الراوية النفسيّة فتقول عن الحالة واصفة لبنان وبيروت في مواضع متفرّقة: «باتت بيروت فردوس المجانين»، «أهلاً بكم إلى الجحيم»، «بيروت لعنة»، «كم أرغب في الصراخ، لكنّ جاري يعزف موسيقى موزار. يا للوحشيّة!».
يوميّات أمل مكارم في كتابها الذي يشكّل جزءاً من سيرتها الذاتيّة تقترب من أن تكون ذاكرة تؤرّخ الحرب الأهليّة أو ما يُعرف بالحوادث اللبنانيّة لكنّها ليست كذلك فعلاً. فقد أتى الوصف بسيطاً، بعيداً بعض البعد، فلم يُمعن في الأدبيّة من جهة، كما لم يغُص في المشادّات السياسيّة من جهة ثانية، لكون السنوات الثلاث المختارة أطّرت القتال ولم تتناوله. فلم تبالغ مكارم في الكتابة بلغة فرنسيّة متأنّقة بل ظلت قريبة من لغة الواقع، كما لم تنقل قسوة الحرب وتفاصيلها، بل اكتفت بملامسة الوحشيّة من بعيد. بالإضافة إلى ذلك، لم تغرق مكارم في متاهات الحرب ويوميّاتها القاتلة، وكأنّها تصفها من فوق، من بعيد، من مكان لا تطاولها فيه النيران والعواصف والمعارك.
ويبدو من أسلوب الكتابة وطريقة توضيح الحواشي أنّ مكارم لا تكتب لمن عاش الحرب، بل للجيل الفرنكوفوني الجديد الذي يحتاج إلى توضيحات في اسفل الصفحة. اختارت مكارم الابتعاد عن متاهات السياسة اللبنانيّة فبقيت على الأطراف ولم تجرؤ على أن تتطرّق إلى سنوات القتال الصعبة، ولم يكن هذا هدفها في الأصل. لم تهدف إلى تأريخ قسوة الحرب بل إلى محاولة استعادة ترسّباتها في الذاكرة للتطهر من آثارها السلبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.