كانت أول مرة أذهب لأداء العمرة، وقضيت أياما جميلة في رحاب الحرمين النبوي والمكي، شعرت بمشاعر جميلة وأشياء لم أشعر بها من قبل، قد يكون من الصعب وصف هذه المشاعر والحديث عنها، لكن بعيدا عن المشاعر الروحانية كنت أول مرة أرى هذا العدد الضخم في مكان واحد فقط. وكنت أعتقد – وهو ما أكده لي كثيرون- أن هذا التوقيت في أواخر شهر يناير/كانون الثاني هو الأقل ازدحاما في السنة، فاكتشفت أن هذه الأعداد الغفيرة لا تقارن بأوقات مثل رمضان وفي الحج. وفي صلاة الجمعة شاهدت أعدادا، أكثر ظللت مشدوها من كثرتها، وضحك صديقي الدكتور أحمد صبرة، وقال لي "أنت لم تر الازدحام بعد"، متحدثا عن رمضان والحج. ظللت أراقب من تقع عيني عليه، الكل يجري ويتسابق للحصول على مكان ليصلي فيه، والبعض يحاول مزاحمة آخرين من أجل الجلوس بجانبهم، سباق غير رسمي، لكنه سباق مستمر ومتواصل طوال العام.. سباق من أجل الفوز بالجنة. عندما ذهبت إلى المدينةالمنورة لزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، كنت مهتما أن أزور "الروضة الشريفة" وهو المكان الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم عندما قال "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، وقيل لي إن الروضة دائما مزدحمة فقلت في نفسي أذهب إليها قبل صلاة الفجر بفترة، ولكن يبدو أنني لست فقط من يفكر بهذا المنطق، فقد فوجئت بالأعداد المهولة التي تملأ المكان، ولا يوجد موضع لقدم داخل الروضة الشريفة والمميزة بالسجاد الأخضر عكس باقي المسجد المفروش بالسجاد الأحمر. استطعت بصعوبة الصلاة داخل الروضة بل وصليت الفجر أيضا، وقضيت أقل من ساعة بأعجوبة داخل الروضة، تعرضت خلالها للضرب والخبط، ولكل أنواع الزق تحملتها في صبر. تكرر الأمر معي في الطواف حول الكعبة، فالازدحام كان شديدا ولم أستطع الوصول إلى الحجر الأسود واكتفيت بالإشارة له فقط، وأثناء الطواف أيضا تعرضت لما تعرضت له في الروضة الشريفة، والموضوع ليس مجرد ازدحام وعدد كبير، الأمر أن الجميع يتسابق ويتعارك من أجل أن يصل لهدف ومستعد أن يبذل كل جهده ليصل لهدفه مهما كانت الخسائر حتى لو بشرية، وهو ما يتنافى مع الدين الإسلامي وتعاليمه. تأملت كثيرا، على ماذا يتسابق الناس؟ لم يكن أمامي إلا إجابة واحدة، وهي أنهم يتسابقون على الجنة، يعتقد الناس أنهم بصراعهم للحصول على مكان في الروضة الشريفة، وبصراعهم للوصول إلى الحجر الأسود، أنهم وصلوا للجنة، فهي غاية تحتاج أن نبذل من أجلها أي شيء في وجهة نظر البعض ومفهومهم. لم يعبأ معظم الناس بهيبة المكان وجلاله، لأن الهدف هو الجنة، تأملت الناس على اختلاف أنواعهم وأجناسهم فالسباق على أشده، الكل لديه العديد من المشاكل، الصراعات، والهموم يأتي ليهرب إلى الجنة ويلجأ إلى الله عز وجل، عسى أن يقضي الله له حاجاته. والغريب أن الصراع للوصول أو الهروب إلى الجنة، يطبقونه بمنطق الغاية تبرر الوسيلة، فضحكت في نفسي إذا كان هذا يحدث في الدنيا لمجرد أننا أمام الكعبة، فما بالنا بيوم الحساب وكيف سيكون الازدحام والتدافع.