في حفل توقيع رواية «متاهة السرداب أو تحت الذبح» للأردني غازي الذيبة، تساءل جمال الشلبي عن إهداء الذيبة روايته إلى «روح محمد بوعزيزي» لترتفع مشتعلة إلى فوق كثيراً «ثلاث مرات»؟ ما يشير إلى تأييد كاتبنا ما يسمى «الربيع العربي»، ربما، ولكن ليس بصورته وصيغته التي انعكست على طبيعة المدن التي أصبحت مليئة «بصرخات القتلى، والمغتصبين، والباحثين عن توق الخلاص» كما يقول. الحفل الذي استضافته مكتبة عبدالحميد شومان في العاصمة الأردنية عمان، شهد حضورا قويا من جانب المثقفين والكتاب والمهتمين، وغاب عنه المتحدث الثاني عن الرواية، الناقد حسين نشوان. بينما قدم الشلبي تحليلا وافيا للعمل عبر ثلاثة أبواب، تتعلق بالمكان وإشكالية الهوية للإنسان، إلى جانب التاريخ كمتهم أول وواحد من المتاهات، وأخيراً، المثقف ودوره في مواجهة المتاهات المطروحة. "السرداب" بحسب الشلبي «كتابات» الماضي وتاريخه، وهنا تبدأ متاهة الذيبة في دخول هذا السرداب الذي عرف حريقاً التهم كل المخطوطات، باستثناء بعض الأوراق والمخطوطات القليلة التي سعى الذيبة للحصول عليها ومعرفة حقيقتها». فيما يخص المكان وإشكالية الهوية للإنسان، يرى الشلبي أن روح الفكرة الروائية تتمثل في المكان، الذي لا يحدده الكاتب بدقة، وإن كان يشير إليه بسمات وخصائص لا يستطيع «القارئ العادي أن يعرف موقعها إلا ذاك الباحث عن «طوق النجاة» للخروج منه إلى مكان آخر عبر خيال الكلمات والأفكار. وأضاف: «بهذا المنطق يجب أن نبحث عن الراوي وأبطاله في «المدينة المثقلة»، أو «المدينة المفقودة»، أو ربما «المدينة المبهمة»، أو حتى «مدينة الملح»؛ إذن نحن أمام إشكالية ليست مادية تتعلق بالمكان المادي من شوارع، وبنايات، وحجر وشجر، بل نحن أمام إشكالية الإنسان «كل الإنسان»، وإن كان يبدو أن المقصود هنا هو «الإنسان العربي» مع «هويته وانتمائه» للمكان الذي لا يحقق له إنسانيته، وشعوره الإنساني، و»شرطه الإنساني» كما يقول المفكر الفرنسي الشهير أندريه مالرو. ويرى الشلبي أن البحث عن الحرية هي كل الحكاية والرواية والبداية، إنها الكلمات، وهي كل الانفعالات والتأملات، إنها الإنسان بمطلقه ودقائقه. الحرية تبدو بعيدة المنال في ظل مدن أو هكذا تعتقد نفسها لا تحتاج إلا «لرواية الصمت» كما يقول الذيبة. إنها مدن تعيش في الماضي ولا تهضم الحاضر، ولا تتعايش مع الحداثة. وعلى صعيد التاريخ المتهم الأول والمتاهة الأولى، اختار الشلبي مقولة للراوي الذيبة قائلاً: «أنا الرحالة التائه، أبحث عن ضلالة الضلالة»، إلى أن يقول: «أنا التائه الضليل الملتبس. المخطوطي والرحالة ومكتشف المخطوط معاً. أنا اللحظة التي تتبدد تحت لسعات سياط الزمن». وعلق قائلاً: «فهل الماضي وتراثه ورجاله، وأبطاله، هم سبب المتاهة التي تعيشها المدينة (العالم العربي وإنسانه) التي يبحث عنها؟ ربما، لأن فكرة المخطوطي والرحالة لم تعد ضمن مفردات الباحث الحالي، بل هي من ضمن كلمات العلم الماضية. ومن هنا نجد أن الذيبة «يحاكم» مؤرخي العرب والمسلمين أو على الأقل «يستنطق» شهادتهم إزاء المدينة الجوفاء أو المدن الخرقاء التي يعيش فيها العربي اليوم. وفي الباب الثالث والأخير، حول المثقف في مواجهة المتطرفين الجدد، تابع الشلبي «البحث عن الماضي والتاريخ يحتاج رسول فكر وثقافة، والذيبة لا يدعي بأنه ذاك «الرسول» بقدر ما تنتابه رغبة جامحة في وصف ملامح هذا «المنقذ» للمدينة وتاريخها؛ وبالنتيجة إنسانها. نعم إن الكاتب والراوي والشاعر والمؤلف والعالم يتورطون بالحقيقة، بحيث يدمنون على البحث». وحول الأسلوب الذي انتهجه الراوي قال: «وكعادته، الدائمة والمستمرة، في ثنايا الرواية، يدفعنا الذيبة للتساؤل أكثر مما يعطينا إجابات، وهي طريقة جيدة للابتعاد عن «فخاخ النقد» وتحمل المسؤولية لعبثية الكلمات ومعانيها. والسؤال الأكبر والأهم، أين دور السلطة الحاكمة في مواجهة هذا الضياع والأقنعة الموبوءة؟ ألا يوجد دور للسلطة ليس فقط للحفاظ على الفقراء، والطبقة الوسطى، بل للحفاظ على السلطة ذاتها ومدينتها؟ من جهته قال الراوي غازي الذيبة: «أود أن أثمن عالياً نخبة المثقفين الأردنيين الحاضرين توقيع الكتاب، ولقد سعدت أن يتم توقيع الكتاب وسط مكتبة عبدالحميد شومان، وهو تقليد مدهش أتمنى أن يدوم وأن تستمر مؤسسة شومان في تمكين الكتاب الأردنيين من الاحتفاء بمنتجاتهم، في ظل غياب اهتمام المؤسسة الرسمية بالمبدعين، وقد كان يوماً حافلاً بمن حضر وأشعرني بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، حيث أضفى جمال الشلبي مزيداً من التألق بما قدمه عن كتابي مما قرب الرواية من المتلقي». وأوضح الذيبة أن الرواية تتحدث عن حرية الإنسان العربي ويطرح أسئلة فيما يخص الحرية والاستبداد، وهي عبارة عن نص مفتوح كتب خلال أيام وجيزة وترك لعدة سنوات ولم أجد دار نشر عربية تحتفي به إلا دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع التي نشرته على حسابها». كما تتحدث الرواية عن منطقة ما زالت دور النشر تخشى الاقتراب منها وهي الحرية التي يتشوق لها كل عربي، فأي عربي سيجد نفسه في الرواية.