نجيب محفوظ ليس قليلاً حتى ينسى. لكن ماذا تعني الذكرى الرابعة لرحيله؟ هل نحتفل ونكتب ونقيم مهرجانات وندوات أم نترك المناسبة تمر بهدوء كأن شيئاً لم يكن؟ لا تخص هذه المسألة نجيب محفوظ بالذات، بل تخص كل واحد من كبارنا. فدائماً نقرأ ونسمع احتجاجات عندما تحين مناسبة رحيل أو ذكرى ولادة أديب عربي أو فنان أو حتى سياسي. كثيرون يهتمون بأن يتذكروا المناسبة، كل لغرض في نفسه بالطبع، وكلٌّ يرى ضرورة أن نتذكر كبارنا كي نكبر بهم؟ لا تفرض الضرورة علينا نحن اللبنانيين تذكر كبارنا وحسب، بل تذكر كبار العرب أيضاً، ولا بأس بتذكر كبار العالم، وعلى الأقل الاهتمام بمناسبات يوبيلات من أسسوا الثقافة في العالم، أي من تحوّلوا إلى أسماء لا بد منها حتى تقف الثقافة على أساس متين أو قدمين ثابتتين. قد لا تكون الذكرى يوبيلاً بل مئوية لا فرق، المهم أننا نتحدث عن مبدأ التذكر، حتى لا نُتّهم بالنسيان، وبأننا خلعنا كبارنا ودفناهم بالكتب، أو أننا نعم على فراغ أو عدمنا كل أصول ثقافتنا كي نبدأ طفولة ثقافية جديدة. إن فتح الذاكرة على مصراعيها، في كل الأحوال، مسألة مهمة، ودرس مفيد، خصوصاً إذا كان المذكِّر أستاذا مهما، وصاحب باع طويلة في معرفة الشخصية الموضوعة في صفحة جريدة أو على شاشة تلفاز أو كومبيوتر. ليست المشكلة في استعادة تاريخ الشخصيات، لا سيما صانعي الفكر والتيارات والتكنولوجيا، ومؤسسي الفنون على أنواعها. المشكلة في موازنة التذكر، في كيفية التذكر. هل نقيم سنوية لكل كبير رحل في قرون ماضية، أو في أزمنة حديثة؟ هل نحتفل بكل هؤلاء؟ هل نستطيع الاهتمام بالكبار كلهم بسوية واحدة؟ أم لكل من الاهتمام ما يستحق؟ ثم من يقرر أن نجيب محفوظ مثلاً أهم من جبران أو ميخائيل نعيمة أو أحمد شوقي؟ هل نحتاج في هذا المجال إلى قاعدة أم قواعد؟ ميزان أو موازين؟ من يمتلك أن يكون عادلاً في هذه الحال؟ من يدلنا كم بات عدد الذين يستحقون الاهتمام بيوم رحيلهم ويوم ميلادهم ويوم يبعثون أحياء؟ المشكلة بالفعل ليست أخلاقية. فلو أردنا أن نضع روزنامة لكل تلك المواعيد، كم من الأسماء تجتمع في اليوم الواحد؟ أقصد الكبار بالطبع، كبارنا وكبار العالم. هل يمكن القول إن هذا الأسلوب في التذكر، أو في الاحتفال الإعلامي، بات أصعب فأصعب، مع كل ولادة كبير جديد أو ولادة سنة جديدة؟ أليس الأجدى أن نبحث عن أسلوب مختلف في التذكر، أو احتفال بالكبار أكثر جدوى؟ وإذا فعلنا فلا نكون أعدمنا ذاكرتنا. ----- عن السفير