جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    فيديو.. شعبة الذهب: الحرب بين إيران وإسرائيل تسببت في ارتفاع الأسعار    "عبدالغفار" يستقبل وفد الأمم المتحدة لبحث خطط "الصحة والغذاء والمناخ"    نائبة التنسيقية: انتشار حفر الآبار العشوائي يهدد التربة والمحاصيل وثروات الدولة    وسائل إعلام إيرانية تنفي مقتل أحمدي نجاد    كأس العالم للأندية.. كيفو يحذر لاعبي الإنتر من التراخي أمام مونتيري المكسيكي    تشكيل ريفر بليت لمواجهة اوراوا في كأس العالم للأندية    مبروك للشطار...رسميًا أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2025 في جنوب سيناء "صور"    مغامرة وماضي إجرامي.. أحداث برومو فيلم «أحمد وأحمد»    غدًا.. أحمد فتحي ضيف فضفضت أوي على WATCH IT مع معتز التوني    وزير الصحة يعقد اجتماعا لمتابعة الموقف التنفيذي لميكنة منظومة التأمين الشامل    براءة الفنان محمد غنيم بعد التصالح مع طليقته    واشنطن تحشد طائرات التزود بالوقود جوًا في الشرق الأوسط استعدادًا لتصعيد محتمل    هل تشتعل «حرب» عالمية ؟    القوات المسلحة الإيرانية: سيتم تنفيذ العملية العقابية قريبًا    "قصر العيني" يستقبل سفير الكونغو لتعزيز التعاون الأكاديمي في إطار تدشين البرنامج الفرنسي    بعد المطالبة بترحيلها.. طارق الشناوي يدعم هند صبري: محاولة ساذجة لاغتيالها معنويًا    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    مبابي مهدد بالغياب عن مباراة ريال مدريد ضد الهلال.. تقرير يكشف السبب    مجلس النواب يوافق علي خمسة مشروعات قوانين للتنقيب عن البترول    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    مصرع شاب في حادث دراجة بخارية بالمنيا    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    "أكبر من حجمها".. محمد شريف يعلق على أزمة عدم مشاركة بنشرقي أمام إنتر ميامي    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    "موقف السعيد وشيكابالا".. الغندور يكشف تقرير الرمادي لنادي الزمالك    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    5 فواكه يساعد تناولها على تنظيف الأمعاء.. احرص عليها    محافظ أسيوط يستقبل السفير الهندي لبحث سبل التعاون - صور    الخميس.. جمعية محبي الشيخ إمام للفنون والآداب تحتفل بالذكرى ال30 لرحيله    بلمسة مختلفة.. حسام حبيب يجدد أغنية "سيبتك" بتوزيع جديد    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    راموس عن ماستانتونو: لم أتابعه.. لكنها صفقة واعدة لريال مدريد    في أقل من شهر.. «المشروع X» يفرض نفسه في شباك التذاكر    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    درة تحتفل بتكريمها من كلية إعلام الشروق    ماذا يحدث لجسمك عند التعرض لأشعة الشمس وقت الذروة؟    التعليم العالي: جهود مستمرة لمواجهة التصحر والجفاف بمناسبة اليوم العالمي    مهرجان الإسكندرية الدولي للفيلم القصير يواصل تألقه بعرض خاص في القاهرة    تأجيل محاكمة متهمين بإجبار مواطن على توقيع إيصالات أمانة بعابدين    شملت افتتاح نافورة ميدان بيرتي.. جولة ميدانية لمحافظ القاهرة لمتابعة أعمال تطوير حى السلام أول    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 16 ألف طالب وتدمير 111 مدرسة منذ بداية العدوان    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    إيران ترحب ببيان الاجتماع الاستثنائى لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    ضبط 18 متهمًا بحوزتهم أسلحة و22 كيلو مواد مخدرة في حملة أمنية بالقاهرة    الجيش الإسرائيلى يعلن مقتل رئيس الأركان الجديد فى إيران على شادمانى    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    بعد تلقيه عرضًا من الدوري الأمريكي.. وسام أبوعلى يتخذ قرارًا مفاجئًا بشأن رحيله عن الأهلي    الغردقة.. وجهة مفضلة للعرب المهاجرين في أوروبا لقضاء إجازاتهم    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتاب الأحمر.. اعترافات كارل يونغ الخطيرة
نشر في نقطة ضوء يوم 11 - 12 - 2015

في سمينار العام 1939 ناقش يونغ التحول التاريخي لشخصية الشيطان قائلا: «عندما يظهر الشيطان أحمر اللون، يكون نارياً، ما يعني طبيعة شغوفة تسبب الفسق والكراهية أو الحب الجامح».
أخيراً رأى النور: «الكتاب الأحمر». بعد ست عشرة سنة من عمل كارل غوستاف يونغ على هذا الكتاب، وبعد ما يقارب خمسين عاماً على وفاته، وفي العام 2009، ظهرت النسخة الكاملة «طبق الأصل»، من هذا الكتاب على شكل مجلد مكتوب بخط فني ومجلد بغلاف أحمر أنيق، مزودا باللوحات والمخطوطات التي كان يونغ قد رسمها بما يتلاءم مع أخيولاته. وفي العالم 2012 ظهرت «نسخة القارئ»، باللغتين الالمانية والانكليزية، وهي تحتوي على النص الكامل للكتاب الاصلي بعد إزالة الرسومات والمخطوطات. ومؤخرا صدر بنسخته العربية عن دار الحوار، دمشق. قام بترجمته متيّم الضايع، ورنا بشور.
ليس الكتاب الأحمر كتاباً عادياً يشبه بقية الكتب الأدبية أو النفسية، كما أنه لا يشبه أياً من كتب يونغ نفسها، إنه عمل في علم النفس ضمن إطار أدبي.
منذ بداية الحرب العالمية الأولى، وفي ذروة تطوّر البشرية نحو التقدم العلمي والصناعي وما تلاها من حروب واستبداد وتملك وسيطرة، وفي ذروة توجه الإنسانية نحو الحياة الاستهلاكية والصراعات الطبقية، وتوجه الإنسان نحو الخارج ومحاولته إلقاء اللوم على الآخر، أدرك يونغ أن المشكلة تبدأ في داخل الإنسان وتنتهي فيه، وأن اللاوعي ليس مادة خاملة، بل هناك من يعيش في تلك الأعماق، وهكذا، تحول إلى أعماقه باحثاً عن تشخيص مقنع لما أصبح الانسان عليه.
إن ما يجعل هذا الكتاب مختلفاً عن غيره، هو أنه لم يطرح مشكلة أو حلا لمشكلة، ولم يقدم محاضرة ولا عِظة يمكن للقارئ أن يتبناها أو يعمل عليها لحل مشكلته، بل قام بدراسة معمقة على نفسه واعتبرها طريقاً خاصاً به، لم يتبع عبرها شخصاً آخر، ولا ينصح أحدا بأن يتبعه عبرها، بل يمكن للمرء من خلالها أن يراقب ويرى ويخلق طريقه الخاص بنفسه ولنفسه. لكن ما انتهى إليه في نهاية المطاف، هو أن الحياة تقوم على المتناقضات، وأن فيها الأبيض والأسود، والعيش والموت، والخير والشر، وأن الإنسان مخلوق على هذا الاساس وليس عليه أن يقبل أن السواد والشر والموت أمور موجودة فيه فقط، بل أن يحبها ويتعامل معها كما يتعامل مع نقيضها.
في أحد أيام عام 1957 كتب يونغ في أحد يومياته: «كانت تلك السنوات التي حدثتكم عنها، حيث كنت أتعقب الصور الداخلية، أهم وقت في حياتي. يمكن اشتقاق كل شيء منها. بدأ الأمر في ذلك الوقت، ولم تعد التفاصيل اللاحقة تهمّ كثيراً. تتألف حياتي كلها من إسهاب ما، انفجر من اللاوعي، وغمرني كجدول غامض، وهدد بتحطيمي. كانت تلك المواد تكفي لأكثر من عمر واحد. كل ما حدث لاحقاً، كان مجرد تصنيف خارجي وإسهاب علمي، ودمج بها في الحياة. لكن البداية الخارقة للطبيعة التي احتوت كل شي، كانت حينها».
العام الذي قصده يونغ هو عام 1913 الذي كان محورياً في حياته. بدأ اختباراته على نفسه، بما أصبح معروفا ب «مواجهاته مع اللاوعي» ودام ذلك حتى عام 1930. خلال هذه التجربة طور تقنية «لفهم عملياته الداخلية»، «لترجمة العواطف إلى صور». وقد أطلق لاحقاً على هذا المنهج مصطلح «التخيل الفعّال».
في هذا الكتاب الفريد، والاستثنائي، نقف على الجهة الاخرى من الانقسام بين علم النفس والأدب، فيونغ شرع بكتابة «الكتاب الأحمر». نسخ بأمانة معظم الأخيولات من الكتب السوداء، وأضاف إلى كل منها مقطعاً يشرح فيه معنى كل حادثة، إضافة إلى إسهاب شعري.
مع الصفحات الاولى للكتاب الأحمر نلاحظ تأثر يونغ بكتاب نيتشه الشهير: «هكذا تكلم زرادشت». وقد اعترف حول ذلك بقوله: «فجأة أمسك الروح بي وحملني إلى بلاد صحراوية، قرأت فيها زرادشت». ايضا يبدو واضحاً تأثره بمؤلف «الكوميديا الالهية» لدانتي، إلى حدّ انه ساعد في تشكيل بنية العمل. يصف «الكتاب الأحمر» هبوط يونغ إلى الجحيم. لكن بينما استطاع دانتي استخدام علم أكوان راسخ، كان «الكتاب الاحمر» محاولة لتشكيل علم أكوان فردي. إن دور فيلمون في عمل يونغ، يشبه دور زرادشت في عمل نيتشه، وفرجيل في عمل دانتي.
شخصية «فيلمون» ظهرت لأول مرة في الكتب السوداء في 27 كانون الثاني من عام 1914، بالنسبة ليونغ، فيلمون مثّل بصيرة سامية، وكان أشبه بمعلم له. كان يُجري محادثات معه في الحديقة. لقد ذكر ذات مرة أن فيلمون تطور من شخصية إيليا، الذي ظهر سابقاً في أخيولاته: « كان فيلمون وثنياً وأحضر معه جوّاً مصرياً - هلينياً مع ألوان غنوصية.. هو من علمني الموضوعية الروحية، واقع الوساطة الروحية. من خلال محادثات مع فيلمون، أصبح الفرق بيني وبين موضوع أفكاري واضحاً.. نفسياً، كان فيلمون يمثل بصيرة سامية».
حول العمق الروحاني يمكن اعتبار كل ما كتبه أو باح به يونغ في هذا الكتاب الذي لم يكن لينشره خلال حياته، فالكتاب نشره الورثة بقرار لربما يخالف رغبة كاتبه، لكن الكتاب نُشر، ويمكن اعتماده كوثيقة أصيلة لباحث ومفكر وأديب جريء الخيالات، لكل ما يمكن أن يتخيله الانسان المفكر والمثقف فلسفيا وميثولوجيا ولاهوتيا ونفسيا كما كارل يونغ.
«لقد اقتربت اشياء عجيبة أكثر. استدعيت روحي وطلبتُ منها الغوص في الفيضانات التي كنتُ أستطيع سماع زمجرتها البعيدة. اندفعتُ إلى الظلمة كالسهم، ومن الأعماق صرخت: هل ستقبل ما أحضره؟».
أنا: «سأقبل ما تمنحينه. ليس لدي الحق بالحكم أو بالرفض».
الروح: «اسمع إذاً. يوجد درع قديم ومعدات صدئة لآبائنا هنا، وزخارف جلدية وحشية، وقصبات رماح أكلتها الديدان، ورؤوس رماح ملوية، وأسهم مكسورة، ودروع عفنة، وجماجم وعظام إنسان وجواد، ومدافع قديمة ومقاليع، ومعدات هجوم محطمة، ورؤوس رماح حجرية..».
كأن كارل يونغ هذا جمع كل كنوز الحضارات القديمة الميثولوجية: صوراً مذهلة للآلهة، ومعابد فسيحة، ولفافات البردي، وأوراق برشمان عليها أحرف لغات منسية، وكتباً مليئة بالحكمة الضائعة، وترانيم الكهنة القدماء وأناشيدهم، وقصصاً تم تناقلها عبر العصور لآلاف الأجيال، بحيث يحار القارئ باستيعاب ثروة معرفية بهذا الحجم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.