يصنف كثير من نقاد العالم الموسيقي، رائعة المؤلف الفرنسي كميل سان سان (كرنفال الحيوانات): «Carnival of The Animals»، كعمل موسيقي متكامل فريد من نوعه لامتلاكه آلية أخاذة تضع عناصر أو شخصيات العمل في سياق موسيقي يحقق ألفة مع جمهور الأطفال والكبار. وذلك من خلال تصوير شخصيات العمل عبر آلات الأوركسترا المختلفة خالقاً بذلك تفاعلاً خلاقاً.. خصوصاً عند الأطفال. فأصبح النقاد وعلماء النظريات الموسيقية يضعون هذه المتتالية ضمن الأدب الموسيقي الموجه نحو الأطفال، الذي يساعد على تنمية الخيال عند الأطفال ويضعهم أمام عوالم جديدة. ولد كميل سان -سان في باريس عام 1835. وتوفي في الجزائر سنة 1921، اشتهر كمؤلف موسيقي وعازف أرغن وبيانو. أظهر موهبة موسيقية خارقة ذكرت بطفولة العبقري. اتصفت أعماله بسهولة وسلاسة شديدتين وبنية في غاية الوضوح، وعقلانية مفرطة في تقدم اللحن وتطوره باعتماد الحد الأدنى من الإمكانات الأوركسترالية. كما أنه تطرق إلى مختلف مجالات الإبداع الموسيقي. إذ إنه أنتج أعمالاً كثيرة مختلفة الصيغ الموسيقية، أشهرها: السمفونية الثالثة، أوبرا شمشون ودليلة، الكونشرتو الثالث للكمان، الكونشرتو الأول للتشيلو، كرنفال الحيوانات. ظهر عمل «كرنفال الحيوانات»، للمرة الأولى، كمتتالية لآلتي بيانو فقط. قدمه المؤلف في حفل خاص في باريس في مارس عام 1886 فنال استحساناً كبيراً من النقاد الحضور. وهكذا قرر المؤلف بعد اطمئنانه لنجاح العمل، إعادة كتابته لآلتي بيانو مع اوركسترا سيمفوني.. وجعل الآلات الوترية في مركز الصدارة. قدم سان سانس من خلال الحركات الأربع عشرة، التي تتكون منها المتتالية - باستثناء الحركة الحادية عشرة، أصوات وحركات عدد من الحيوانات والطيور والأسماك. ومنذ ذلك الحين، باتت هذه المتتالية الموسيقية أحد الأعمال الموسيقية الأكثر شعبية عند جمهور الموسيقى. من الألم إلى النبوغ كان هذا العمل بمثابة ربيع جديد أعاد لكميل سان - سان مزاجه الطبيعي، بعد أن كان مسحوقاً حين بدأ تأليفه. إذ تخيل أنه انتهى كمؤلف. بعد أن كان قد صفّر له جمهور برلين مستهجناً . .على أرضية الكتاب الذي كتبه وحمل بين طياته هجوماً عنيفاً على فاغنر. فغادر برلين إلى بلدة صغيرة ساحرة قرب فيينا، حيث اكتشف في البلدة حديقة حيوان راح يزورها، يومياً، للطفها وجمالها، وشرع يجلس ساعات مراقباً حياة الحيوانات وإيقاعها وتصرفاتها. فبدأ يكتب ألحاناً وإيقاعات، وهكذا اكتملت عناصر العمل التي ترصد الانطباعات التي كونها المؤلف لكل حيوان. وقسم سان - سانس ظهور الحيوانات من خلال حركات المتتالية وفقاً لعناوين محددة، ذات دلالة مباشرة. وبذا أراد بث صور موسيقية تخيلية لها بعض الإسقاطات التي سنتحدث عنها: 1-مقدمة والمارش الملكي للأسد: «Introduction et marche royale du lion»: تشترك في المقدمة كل آلات الأوركسترا وآلتا بيانو. فتبدو نهاية ا على شكل كونشرتو يمهد لبداية مهرجان الحيوانات. ثم يبدأ المارش الملكي للأسد. فَيُصَوِّرُ البيانو المشية الواثقة لملك الحيوانات.. فيما تعبر الآلات الوترية عن أحاسيس ملك الغابة في مسيرته. ثم نسمع صوت زئير الأسد، من خلال تبادل عزف سلالم كروماتيكية من آلتي البيانو، ترد عليها الآلات الوترية العريضة الصوت (التشيلو والكونترباص). فتنتهي الحركة بتصاعد صوتي تؤديه الآلات كافة. 2-الدجاج والديوك: «Poules et coqs»: وفي هذه المقطوعة يحاكي المؤلف صوت صياح الدجاج بالبيانو والوتريات (دون التشيلو والكونترباص).. وصوت نقر الدجاج للحبوب. بينما يقلد صوت الديوك بآلة الكلارينيت. 3-الحيوانات المتسارعة: «Hémiones»: يجسد المؤلف في هذا المقطع الحركة العشوائية السريعة للحمير البرية أو البغال، هنا وهناك، ويعتقد علماء النظريات الموسيقية أن سان سانس أراد هنا السخرية من بعض عازفي البيانو الذين يعتمدون على مهاراتهم التكنيكية، أكثر من اعتمادهم على الجوانب الموسيقية التعبيرية. فنسمع آلتي بيانو تصور، بكل وضوح، ركض هذه الحيوانات في ما يشبه الحركة الدائرية، وحركة المطاردة في الوقت نفسه. 4-السلاحف: «Tortues»: يرى كثر أن هذه الموسيقى من أجمل حركات المتتالية، فهي تجعلنا نسمع ذلك المرح الساخر بكل قوة، لا سيما قبل نهاية الحركة بقليل. إذ تبدو الآلات الوترية وكأنها تحاكي إيقاع رقصة الكانكان الخفيفة المقتبس من أوبيريت (اورفيوس في العالم السفلي) للمؤلف الموسيقي أوفنباخ. 5-الفيل: «Léléphant»: كان من المنطقي أن يلجأ سان سانس الى استخدام سانس آلة الكونترباص: أضخم الآلات الوترية حجماً وأعرضها صوتاً، لأن الفيل أضخم الحيوانات. ومن الطبيعي أن تنقل بدقة حركة الفيل المهيبة التي وضعها المؤلف. فأخذت طابع المرح والكاريكاتير. واستخدم سان - سان لحنا من (لعنة فاوست) للمؤلف الفرنسي هيكتور برليوز. 6-الكنغر:«Kangourous»: استخدم سان - سانس في هذه الحركة آلتي بيانو فقط، تقلدان بوضوح إيقاعي جميل، قفزات هذا الحيوان القوية معتمداً على ذيله. 7- حوض الأسماك: «Aquarium»: نسمع ونرى سان - سانس، في هذه الحركة (التي أراها شخصياً من أغنى الحركات موسيقياً)، يقف متأملاً حوض الأسماك.. ثم يترجم ذلك التأمل بموسيقى شفافة ناعمة، تؤديها الآلات الوترية مكتومة الرنين، من دون وجود للكونترباص مع آلة البيانو التي تعزف تآلفات انزلاقية تعبر عن الماء. وتضاف إليها بعض الألوان الصوتية من آلتي فلوت وكلارينيت، بينما تُعبر آلة السيليستا عن الأسماك المندفعة في الماء. وكثيراً ما استخدمت موسيقى هذه الحركة كلازمة في مجموعة من الدعايات والأفلام البحرية. 8- أشخاص ذوو آذان طويلة: «Personnages à longues oreilles»: في هذا القسم من المتتالية تظهر آلات الكمان محاكية صوت نهيق الحمير. ونتبين أنها نجحت في ذلك إلى حد بعيد، ولأن الآذان الطويلة ترتبط عادة بشيء من الغباء والعناد، كان من الطبيعي أن يقدم المؤلف قطعة قصيرة هي أقصر حركات المتتالية كلها، هذه الموسيقى تعطينا إيحائاً بأننا أمام موسيقى لفاصل مضحك، تتدافع فيها الإيقاعات ويعتقد بعض النقاد الموسيقيون أنها تصوير للنقاد الموسيقيين الجهلة. 9-طائر الوقواق في الغابات: «Le coucou au fond des bois»: يسند المؤلف في هذه الحركة، مهمة تقليد صوت طائر الوقواق لآلة الكلارينيت، قريبا تارة.. وتارة أخرى في عمق الغابة فنسمع آلتي البيانو تعزفان ألحاناً تعبر عن أشجار الغابات، بينما تتولى آلة الكلارينيت أداء ما يشبه صوت الوقواق متقطعاً. 10-فسحة للطيران: «Volière»: ينقلنا المؤلف هنا إلى فسحة مضيئة داخل الغابة ومجموعة كبيرة من الطيور. فنسمع الموسيقى بواسطة مجموعة من الآلات، تساعدنا على تصور احتفال صاخب للطيور بقدوم الربيع. فيصور تغريد الطيور بآلة الفلوت. أما رفرفة أجنحتها المستمرة، فتصورها الآلات الوترية تساندها آلتا بيانو. وتنتهي هذه الحركة مع سلم تنازلي يعزفه الفلوت ويختفي بالتدريج. 11-عازفو البيانو: «Pianistes»: نفهم من اسم الحركة غاية المؤلف في مساعدة المستمع كيف يتعامل عازفو هذه الآلة الموسيقية الجليلة، مع الموسيقى التي يريدون عزفها. فنراه يطلب من العازف تقليد طريقة عزف طلاب البيانو المبتدئين. ويذهب بعض النقاد إلى أن سان - سان أراد التهكم على بعض تمارين البيانو للمؤلف النمساوي كارل تشيرني. 12-الأحفورات: «Fossiles»: تقدم آلتا البيانو والوتريات والأكسيلوفون، محاكاة لعمل سابق لسان - هو(رقصة المقابر). ثم نجد المؤلف يُسمعنا قسماً من أغاني الأطفال.. ثم لحناً من أوبرا (حلاق إشبيليا) للمؤلف الإيطالي لروسيني. وأغلب الظن أن المؤلف أراد باستعادته لهذه الألحان، أن يصورها كأحافير موسيقية. 13-البجعة «Le cygne»: يرى كثير من محبي الموسيقى أن هذه الحركة في حد ذاتها من أشهر مؤلفات سان - سان وأكثرها شعبية، فهي الحركة الوحيدة من المتتالية التي سمح سان سان بنشرها وعزفها في حياته. وتؤديها آلة تشيللو بمصاحبة آلتي بيانو. وسمح المؤلف بعزفها خلال حياته. وقدمت راقصة البالية الروسية الشهيرة آنَّا بافلوفا (Anna Pavlova)، رقصة بمصاحبة موسيقى هذه الحركة في العام (1905).. وذلك من تصميم لراقص الباليه ميشيل فوكين (Michel Fokine). فلاقت الرقصة نجاحاً جماهيرياً كبيراً عند تقديمها. ومن ثم أصبحت شهيرة باسم (موت البجعة). 14-الحركة الختامية «final»: يعيد المؤلف إلى أسماعنا في هذه الحركة الختامية، لمحات من كل الألحان التي مرت في حركات المتتالية. وتؤدي الأوركسترا كاملة هذا القسم، حيث تنهي المتتالية بحيوية صاخبة تترك المستمع إحساساً بتملك الموسيقى لكيانه بالكامل. فيجد نفسه أمام حركة كثيفة لكل الحيوانات معاً تختتم معها المتتالية.