في بداية القرن الماضي كان المصلحون الأوائل، وهم قلة قليلة في كل قطر عربي لا يتجاوز عددهم في أحسن الأحوال أصابع اليدين، يتمنون امتلاك مطبوعة واحدة لكي يغيروا بها ومن خلالها أوضاع التخلف السائد آنذاك، وليجعلوا منها مدرسة للحرية والديمقراطية ومقارعة الفساد والاستبداد بكل أشكاله ومسمياته، والذي كان عنوان المرحلة كلها والسمة البارزة في حياة العرب أجمعين دون استثناء. ولم تكن تصورات المصلحين الأوائل قائمة على الأوهام أو الخيالات التي يصنعها الشعر أو أحلام اليقظة، بل كانت تستند إلى الواقع، والبرهان على ذلك أنه عندما تحقق لبعضهم ذلك الهدف فقد نجحوا في أن يحركوا الأوضاع الراكدة وأن يوجدوا حالة من الاستنارة لاتزال آثارها تشع في وجدان الكثيرين حتى عصر الفضائيات والانترنت. لقد تكاثرت وسائل الإعلام العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، وظهرت وسائل أخرى غير الصحف، كالاذاعات ثم التلفزيونات، ووصلت الطفرة الإعلامية في الآونة الأخيرة إلى درجة يغدو من الصعب تصور أبعادها، وآخرها “الانترنت” هذا الوافد المقتحم الأكثر حضوراً في حياة العالم الآن والذي يرافق أشعة الشمس والنجوم، ولا تستطيع قوة ما في هذا الكون أن تحتجز كلمة واحدة من رسائله المتلاحقة التي تتواصل على مدار الساعة. لكن هذه الوسائل العديدة، بكل ما أوتيت من امكانات ومن قدرات على الإيصال السريع، تبدو عاجزة أشد ما يكون العجز عن مواجهة واقع التخلف الجديد وهو تخلف فكري واجتماعي سياسي وثقافي لا يعاني منه الأميون وحدهم، وإنما تبدو آثاره الأقسى والأوجع والأشد لدى جمهور من المتعلمين، والأمثلة أكثر من أن تحصى على فشل هذا الكم الهائل من الوسائل والوسائط الاعلامية في منع تصدع المجتمعات العربية، والوقوف في وجه هؤلاء الذين لا يكتفون بالتخلي عن هويتهم الوطنية والقومية وحسب، بل لا يترددون في بيع نفوسهم وبلادهم بالمجان أو بأثمان زهيدة. وثمن النفوس كثمن الأوطان تبقى زهيدة مهما كان المقابل المدفوع. والسؤال هو كيف يستطيع هذا الكم من الكلام المهدد على الأرض والفضاء أن يقيم جسوراً بين التيارات المتصارعة، كما هو حال الإعلام في (الدول المتقدمة) التي أجادت استخدام هذه الأدوات فكرياً قبل أن يجيد استخدامها إعلامياً؟