عاد الكاتب الدرامي محفوظ عبد الرحمن إلى الشاشة الرمضانية هذا العام في مسلسل "أهل الهوى".. هذا العمل الذي تم تأجيله أكثر من مرة قدم من خلاله حياة الفنان سيد درويش، في معالجة فنية ودرامية راقية من بطولة إيمان البحر درويش؛ وفاروق الفيشاوي الذي قام بدور بيرم التونسي، ومن إخراج عمر عبد العزيز وعُرض حصريا على شاشة نايل دراما والفضائية المصرية.لكن المفارقة أن الكاتب غير راض عن طريقة عرض العمل، ويرى أن عرضه على القنوات المصرية فقط قد ساهم في منع انتشاره، وعدم تحقيق مشاهدة كافية له.هذا على الرغم أن "أهل الهوى" رصد التفاصيل الدقيقة في حياة الموسيقار العبقري، ودخوله عالم الفن وانطلاقته ليكون من أهم الموسيقيين العرب على الإطلاق، كما أن معالجته الدرامية، والإخراج الفني مقدمة بشكل رائع ويليق بقامة كبيرة مثل سيد درويش، كما أن المسلسل حفل بالعديد من التفاصيل، فقصة بيرم التونسي تحتوي على اكثر من مرحلة مثل مرحلة بيرم في القاهرة، وبيرم في الاسكندرية ومع ثورة 1919. وكذلك في فرنسا وتونس وسوريا وعند عودته للقاهرة، كما يتناول التغييرات التي حدثت في المجتمع في فترة الستينيات وما بعدها. تنوعت أعمال محفوظ عبد الرحمن خلال رحلته الفنية الأدبية ؛ حيث يمزح فيها بين السخرية والشجن، والتاريخ الماضي بالحاضر، كتب للمسرح والسينما والدراما التلفزيونية والإذاعية، كما تركت أفلامه علامة لدى الجمهور، منها "ناصر 56" و"حليم" والذي قام ببطولتهما الراحل أحمد زكي، ودخل البيوت من خلال مسلسلاته البارزة مثل "بوابة الحلواني" و"أم كلثوم"، ومن أبرز أعماله في المسرح "حفله مع الخازوق" و"عريس لبنت السلطان". وتتعدد محطاته الفنية ليست فقط على مستوي مصر ؛ وإنما أيضاً عربياً حيث قدم عدد من الروايات التي جسدت علي المسرح الكويتي .. التقينا "محفوظ عبدالرحمن" وكان لنا معه هذا الحوار. - لماذا أنت غاضب على مسلسل "أهل الهوى"، مع أن ردود فعل من شاهده من الجمهور كانت ايجابية جدا؟ أنا بحالة سيئة بسبب المسلسل، وكنت أتمنى أن يلقى اهتمام الجهة المنتجة أكثر من ذلك، إلا أنهم لم ينفقوا جيداً على العمل، ولم يوفروا له الإعلانات الجيدة ولم يقوموا بتسويقه، ما جعل المشاهدين ينفرون منه، وأنا نفسي لم أتابع إلا 4 حلقات فقط منه، العمل كان جيداً على الورق لكن بعد تنفيذه تم تشويهه، وهذا ما يجعلني أرفضه بهذا الشكل. لقد كتبت حلقات أهل الهوى بشكل يليق باسم الراحل سيد درويش وصديق عمره بيرم التونسى مستغرقا وقتا طويلا فى تقديم عمل متميز. - وما هي المشكلة التي واجهت تسويق العمل؟ أصرّت الجهة المنتجة للعمل (قطاع الانتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري )، على عرضه حصرياً على قناة (النيل للدراما) ورفض بيعه رغم وجود عروض مغرية، ورفض عرضه على القنوات المصرية مثل القناتين الأولى والثانية. - وهل ترى أن عرض المسلسل في رمضان ساهم من هذه المشكلة؟ بكل تأكيد،لأن عرض المسلسل خلال شهر رمضان لا يضمن له نسبة مشاهدة عالية ؛ خاصة وسط هذا الكم الهائل من الاعمال الدرامية المقدمة. أزمة الدراما - في ظل الواقع الذي نعيشه .. ما هي الصعوبات التي تواجه الكاتب الدرامي ؟ بالتأكيد هناك العديد من الصعوبات التي يواجهها الكتاب، أبرزها: إعلاء شأن النجم "بطل العمل" الذي ينتجه التليفزيون، وبالتالي أصبح النجم هو من يسيطر على العمل بمنطق القوة، وتساعده على ذلك شركة الاعلانات التي اختارته، وبالتالي فلن يختار النجم عملاً لكاتب بعينه، وإنما سيختار من سيكتب له ما يريده ؛ وينتهي منه خلال شهرين، ومن الممكن أن يقوم النجم بإختيار المخرج، وكذلك باقي النجوم المشاركة في العمل بعد ان كان هذا من اختصاص المخرج، كما اصبح النجم هو يدير العمل بدون خلفية فنية أو إدارية تتيح له ذلك. - كيف ترى حال الدراما المصرية في هذه المرحلة؟ وسط كم هائل من المسلسلات الضعيفة نجاح ثلاثة أو أربعة أعمال ليست مقياسا على الإطلاق ، فمصر تنتج قرابة أربعين مسلسلا، ونجاح ثلاثة منها أو أربعة لا يعتد به مقياساً لصعود الأسهم ؛ ولكن هذه الأعمال نجحت لأن وراءها كتاباً متميزين، ولكن للأسف نحن نعاني من تناقص حاد في صفوف الكتاب على الرغم من أن السوق الدرامي اتسع، والضغوط التي تمارسها الجهات المنتجة وتدخل الإعلانات وسيطرة النجم تصيب كثير من الكتاب بحالة من الخلل، فأحيانا نسمع عن جهة تطالب المؤلف بكتابة 3 مسلسلات في العام الواحد. وهذه كارثة لأنها تحوله من مبدع إلى آلة. _ وكيف تخرج الدراما من أزمتها؟ لابد من العمل بفكر جديد، لأننا نعمل بهذا الفكر منذ الستينيات، على الجهات المتخصصة أن تضع ضوابط للانتاج وتضع في اعتبارها أن المسلسل سلعة ثقافة يتشكل من خلاله وجدان المجتمع، ولا تترك الساحة لمن يعبثون بهذا التاريخ الدرامي العريق. - في رأيك .. إلى أي مدى أصبح النجم لا يضع في اعتباره الناحية الإبداعية والفنية في الأعمال المقدمة؟ من وجهة نظري، أرى أن هذا النجم يرى أنه ملهم الكاتب، وبعض الكتاب الصغار يتفاخرون بأنهم يكتبون ما يريده النجم، إلا أن الواقع أثبت لي العكس ففي إحدي المرات قابلت كاتباً مبتدئاً وأخبرني بأنه يذهب لنجمة بطلة العمل الذي يقوم بكتابته ليقوم بتعديل النص كما تريده، فللأسف الأوضاع معكوسة عندنا، فعند تصوير أحد المسلسلات اعترض مخرج شاب على تدخل النجم في عمله، وكانت النتيجة هي اعتذار المخرج عن العمل، رغم حاجته له في مسيرته الإبداعية سيف صلاح الدين والثورة - وماذا عن مسرحيتك "سيف صلاح" التي أعلنت انك ستعود بها للمسرح بعد هذا الغياب الطويل؟ المسرحية تدور حول رجل يتردد على زيارة المتحف القومي بانتظام ويسأل عن سيف صلاح الدين، فتبدأ المخابرات الامريكية والعربية بالتحقيق معه، وتسأله لماذا يبحث عن سيف صلاح الدين؟ فقال لهم أنني ذهبت الى دار الكتب لأسأل عن أصل عائلتي فاكتشفت أنني من أحفاد هذا البطل العربي القائد، فقالوا له: ولماذا تريد السيف؟ فقال: أنا أريد أي شئ له صلة بصلاح الدين، ولو أخذت القلعة فلن أستطيع القيام بتنظيمها، ولذلك أنا أريد السيف .. وينتهي العمل بأن وصل به المطاف بعد نهاية التحقيقات الى الجنون، ولكن لم يقبل أي مسرح هذا العمل لذلك قررت أن أنشرها في كتاب. - يصفك كثيرون بأنك تمتلك قدرة إبداعية للوصول إلى الناس .. ما ردك؟ ساعدتني تجربتي الطويلة بمجال الكتابة علي الوصول الكافة شرائح المجتمع وخاصة، لطلبة المدارس ومن خلال الوضوح والحب والفهم للعمل الابداعي وجدتني بين الناس وقد كنت أعتقد أن كتاباتي ليست جماهيرية وتجد فيها أفكاراً وقضايا ربما لا تصل بشكل مباشر للناس منذ خضت هذه التجربة والاعمال المقدمة في متناول الجميع شعرت بسعادة غامرة. - كيف تختار أعمالك الإبداعية؟ لا أقوم باختيار الموضوعات، ولكن هي التي تختارني، وغالبا ما أقوم بكتابة الأعمال التاريخية ونادراً ما أخرج عن هذا الإطار، واختياري لهذا النمط مبني علي الموهبة، وأقوم باختيار العمل الذي يلقى صدى ورد فعل جماهيري. - ما هي رؤيتك لآثار الثورات على تاريخ مصر؟ لقد مررنا في تاريخنا الحديث بالعديد من الثورات من عرابي إلى مصطفي كامل، ثم ثورة 1919 التي مهدت لحدث لم يكتمل عام 1935، ثم قامت ثورة 1952، والآن عملنا ثورتين بينهما عامين، وخرج هذا المجتمع متظاهرا، وهو حدث نجد من يبالغ كثيرا في النتائج المترتبة عليه من جهة، أو من يهون من آثارها من جهة أخرى، لكن الحقيقة أننا ما نزال في خضم لحظة تشكل متغيرات جديدة لا نعرف مداها بعد.ومما لا شك فيه أن ثورة الشعب المصري خلقت حراكا سياسيا عالميا، لأن الشعوب فى الثورات تكون فى حالة من الفوران مما يجعل التنبؤ بالنتائج أمرًا صعبا، وما يحدث في مصر تنعكس آثاره عالميا في تغيير كبير في خريطة القوى العالمية، وأرى أن ثورة يونيو كانت سببا في مواجهة المخططات الأمريكية في منطقتنا.