تقوم فكرة كتاب "دراسات نقدية في أعمال: السيّاب، حاوي، دنقل، جبرا"، لمجموعة مؤلفين، على إعادة النظر في طبيعة إسهام عدد من الشعراء، من الذين يتمتعون بمكانة رائدة في حركة تحديث القصيدة العربية. واختير هؤلاء الشعراء، بحيث يمثلون رؤى وتصورات وتنويعات مختلفة في تيار تحديث القصيدة العربية المعاصرة، بدءاً من السيّاب وانتهاءً بجبرا إبراهيم جبرا. وما يجمع هذه الأبحاث المتنوّعة، إضافة إلى الرغبة في إعادة النظر، استذكار ما أنجزه هؤلاء الحالمون الكبار. وما تركوه لأجيال تالية لهم، ما كان لها أن تنجز ما أنجزته، من دون البناء على ما خلّفه ذلك الجيل من تراث شعري وثقافي. يوضح فخري صالح في بحثه عن "صورة السيّاب في النقد العربي"، ضمن الكتاب، انه من الظلم اختزال السيّاب في قصيدتين أو أربع قصائد، وهي تلك التي تضم العناصر التي تعد بتطوير القصيدة العربية. فهناك عدد آخر من قصائده، ينطوي على تجربة إنسانية عميقة. ويقدم سعيد الغانمي، في بحثه "أجراس الموت والميلاد"، قراءة في قصيدة "النهر والموت" للسيّاب أيضاً. كذلك يلفت الدكتور خالد سليمان، تحت عنوان "خليل حاوي بين الإبداع والإتباع"، إلى أن قصائد الشاعر ظلت بسيطة التركيب أو البناء. كما يدرس خليل الشيخ ظاهرة الانتحار عند الشعراء العرب المعاصرين، فيتخذ من خليل حاوي أنموذجاً، حيث شكل انتحار الشاعر تعبيراً عن رغبة دفينة عميقة الغور في نفسه، يتعانق فيها الشخصي والفلسفي. ويبين محمد جمال باروت، في دراسته عن خليل حاوي، أنه كان شخصية عصابية محضة، حوّل كل شيء لديه، إلى عصاب. ولكن إلى عصاب مبدع ترك تأثيرات حاسمة، وداخل هذه الشخصية العصابية نفهم خليل حاوي واستعداده بوجودية عصره واستيعابه إياها. وبموته صبيحة ذلك اليوم من شهر يونيو 1982، المثقل بالهوان والانتكاس. الأسلوب السينمائي في شعر "أمل دنقل"، موضوع بحث صلاح فضل في الكتاب. إذ اعتبر فيه، أن الشخوص تتحاور أمامنا وتتحرك بشكل تمثيلي، ويتلاشى الظل بها تدريجياً. فلا نستبين ملامحها، وهي في حركتها تمضي لتحضير أشياء تكون في صلب المعنى، ولكنها أشياء متعينة يمكن أن نمسكها بقبضتنا مثل حبة الرمل وقطعة الثلج وومضة الحقيقة التي نوشك أن نلمسها. فلعبة الإضاءة التي يوظفها الشاعر لا تكشف عن الأشياء المادية فحسب، بل تغمر بظلالها المرهفة، منطقة الحلم والشهوة لتجسّد المشروع الإنساني العميق بصوت القصيدة، رؤيته للوجود. كما يناقش الدكتور سيد البحراوي موضوعة "الحداثة العربية" في شعر أمل دنقل، موضحاً أن الشاعر، سواء كان متمرداً أم ثائراً، ينبغي لتمرّده أو ثورته، أن ينطلق أساساً من الوعي بتناقضات الواقع، وألا يفرض عليه هذا التمرد أو الثورة من الخارج، لذلك يعتبر الدكتور البحراوي أن القيم النبيلة التي حن إليها أمل، وهي قيم تعيش بيننا، ويمكن أن يلجأ إليها الشاعر لتحقيق وظيفة الشعر لإيقاظ وعي متلقيه وإحساسه بالنبل والجمال، أما الحداثة العربية فإنها تتجلّى ساطعة في شعر أمل دنقل، وتبرز استمراره شاعراً كبيراً . وفي بحثه "جبرا إبراهيم جبرا شاعراً"، يقول الدكتور محمد عصفور: "إنّ شعر جبرا لم ينل ما يستحقه من عناية النقاد، رغم أنه من أهم ما كتب من شعر في النصف الثاني من القرن العشرين، ولذا فلا غرابة إنْ ندّت عن جبرا صيحةُ ضيق وتبرم لما لحق بهذا الشعر من إهمال". "صورة البطل في روايات جبرا إبراهيم جبرا"، عنوان ورقة بحث الدكتور إبراهيم السعافين في لكتبا، إذ اتخذ فيها من رواية "البحث عن وليد مسعود" أنموذجاً. ويقدّم الدكتور عبدالواحد لؤلؤة، شهادة حول قدرة جبرا على الترجمة، مؤكداً انه تشهد على ذلك الجوائز التي منحته إياه المؤسسات الثقافية غير العربية. المؤلف في سطور : فخري صالح. كاتب وباحث أردني. ولد في جنين عام 1957، حصل على بكالوريوس الأدب الإنجليزي وكذا الفلسفة، من الجامعة الأردنية عام 1989. رئِس جمعية النقاد الأردنيين. وشغل مسؤوليات كثيرة. من مؤلفاته: في الرواية الفلسطينية،النقد والمجتمع.