اختتم مؤتمر «الشعر المصري الأول» والذي حمل عنوان «تحولات الشعر المصري الراهن» فعالياته أمس الثلاثاء ويأتي هذا المؤتمر الذي تعقده لجنة الشعر برئاسة الشاعر ماجد يوسف كأول مؤتمر تقيمه اللجنة في تشكيلها الجديد، وقد رأسه الناقد الكبير د. عبدالمنعم تليمة الذي أكد في كلمته في الجلسة الافتتاحية علي أهمية الشعر في صنع الثقافة علي اعتبار أن الشعر هو ديوان العرب الأول، وعلي مدي التاريخ كان محفزا علي الثورة. ورغم أن المؤتمر شابه القصور في عدد من الجوانب أولها عدم التمثيل الأمثل للشعراء المختارين فقد كانت الأمسيات الشعرية المصاحبة له أشبه بأمسيات مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم، فقد غاب عدد كبير من الشعراء المؤثرين علي الساحة في حين تم تمثيل عدد كبير من الذين لم يقدموا تجارب شعرية مؤثرة أو توقف بعضهم عن الكتابة، والبعض الآخر مازال في البدايات الشعرية، ولا أدري سببا لهذا التخبط الذي شاب اختيارات أعضاء الأمانة في اختيار الشعراء المشاركين رغم أن أمناء المؤتمر الثلاثة الشعراء عبدالعزيز موافي وشريف رزق وأحمد طه من أكثر العارفين بالحركة الشعرية. فمن ينظر إلي الأسماء المشاركة لا يجد فرقا كبيرا عما كان يحدث في لجنة أحمد عبدالمعطي حجازي قبل الثورة. الأمر الآخر الذي يؤخذ علي المؤتمر هو عدم الدعاية الكافية له مما تسبب في قلة عدد الحضور الجماهيري، وكان حريا بالمجلس الأعلي للثقافة أن يحرك ماكينته الإعلامية لخدمة هذا المؤتمر الذي يعد من أوائل الفعاليات الحقيقية بعد الثورة. وباستثناء هاتين الملاحظتين المهمتين، فإن الدراسات التي قدمت للمؤتمر معظمها دراسات جادة وتتميز بالتنوع – رغم قلة الإمكانيات المادية التي صرفت علي المؤتمر – وقد تضمن المؤتمر عدة جلسات، فجاءت الجلسة تحت عنوان «أبعاد التحديث في شعر التفعيلة» رأس الجلسة د. سيد البحراوي وشارك فيها د. حسين حمودة ببحث تحت عنوان «أطوار الفراشة حول رحلة محمود درويش الشعرية» كشف من خلاله كيف أن درويش طور إلي آخر تباينت قسمات شعره، وتنوعت صياغاته، كما اختلفت تصورات درويش عن ذاته، وعن جماعته، وعن الشعر نفسه، وطبعا تعددت زوايا تناوله لقضية وطنه المحتل، وذلك خلال التوقف عن المرحلة الأولي في دواوينه «عصافير بلا أجنحة» و«أوراق الزيتون» و«عاشق من فلسطين» و«آخر الليل» وانتهاء بدواوينه الأخيرة «كزهر اللوز أو أبعد» و«أثر الفراشة». كما قدم د. حافظ المغربي قراءة نقدية في قصيدة «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» لأمل دنقل تحت عنوان «جدلية الذات والآخر في الشعر المعاصر»، وقدم د. هيثم الحاج علي ورقة بحثية تحت عنوان «الرؤية السردية في شعر أمل دنقل». وجاءت الجلسة الثانية تحت عنوان «قراءات تطبيقية في شعر الحداثة» رأس الجلسة د. جمال التلاوي، وشارك فيها د. يوسف نوفل ببحث تحت عنوان «الشعر المكتنز والمعني الشعري»، ود. عبدالناصر حسن ببحث تحت عنوان «صلاح عبدالصبور والمفارقة الشعرية» مؤكدا أن بنية شعر عبدالصبور تكاد تستوعب كثيرا من أنماط المفارقة، نظرا لما تمتع به عبدالصبور من وعي فني عميق بأن المفارقة هي بعد أصيل من أبعاد هذا الكون تغدو في طبيعته كما تغدو في طبيعته كما تبدو تماما عبر ألوان من الإبداع والفن. وعلي الرغم من كون روافد المفارقة واحدة عند كثير من الشعراء، إلا أنه يظل عبدالصبور صاحب فلسفة مميزة في رؤيته للحياة والكون من حوله وصاحب فهم خاص لطبيعة الإنسان. أما الجلسة البحثية الثالثة فجاءت تحت عنوان «الحداثة الشعرية المصرية.. سمات وظواهر» رأسها د. محمد فتوح أحمد وشارك فيها منيرة مصباح ببحث تحت عنوان «مركزية الحداثة الشعرية في مصر.. تطورها كجزء من الحداثة العربية» مشيرة إلي أن قصيدة الحداثة الأولي كانت تستجيب لما هو خارجي، لما هو تراثي وتاريخي وأسطوري، بمعني أن الزمن كان هو الضاغط الفاعل، وأفسح النقد مجالا واسعا لهذه القصيدة، كما لو كانت شواهد علي مرحلة ما، أو علي تاريخ ما، وكان المتلقي لهذه القصيدة يقف بعيدا عنها، يستقبلها بكل حواسه من دون إعادة صياغة لها، حيث إن الشعر قد جعله متلقيا فقط، أما الإيقاع في قصيدة الحداثة الأولي فقد كان سلطة قامعة. الحداثة الشعرية وفي مقابل هذا الاتجاه نجد الاتجاه الآخر وهو الأكثر تبلورا ووضوحا في حركة الشعر الحديث والذي يمثله أدونيس والدكتور كمال أبوديب، علي الرغم من بعض الخلاف بينهما، فأدونيس يري أن الاحتفاظ بالتراث ينبغي أن ينصب علي العناصر القادرة علي إضاءة الحاضر والمستقبل. وتحدث أحمد طه عن «قصائد النهايات.. رثاء النفس في الشعر العربي المعاصر» مستشهدا بتجارب بدر شاكر السياب وجبرا إبراهيم جبرا وأمل دنقل وحسنية صالح، وتحدث محمد السيد إسماعيل عن «الحداثة الشعرية في مصر». المأثور الشعبي ومن أهم جلسات المؤتمر الجلسة التي جاءت تحت عنوان «المأثور الشعبي وشعرية الأطراف» فتحدث محمد حسن عبدالحافظ عن «حكاية الشعر وشعر الحكاية»، وتحدث الشاعر محمد بغدادي عن «صلاح جاهين ومفهوم الريادة في شعر العامية المصرية» مشيرا إلي أن اجتهاد جاهين في تجديد وتحديث الكلمة المنظومة بالعامية في وقت مبكر، حيث كانت قصيدة العامية لم تتبلور ملامحها بعد، وقد بلغت أزجال بيرم التونسي ذروتها آنذاك، وقدم التحديث عند جاهين بمراحل متعددة، بدأت بالدافع الأول للكتابة، ثم البحث عن الجديد، ثم الخروج عن المألوف وعن تلك المرحلة يقول جاهين عن نفسه: «عندما قرأت لفؤاد حداد هذه الكلمات قررت أن أكون شاعرا عاميا»، وكان ذلك سنة 1951.. وكانت تلك الكلمات تقول: في سجن مبني من حجر في سجن مبني من قلوب السجانين قضبان بتمنع عنك النور والشجر زي العبيد مترصصين ويقول جاهين عن تلك الأبيات: «بحثت مبهورا عن صاحب هذه الكلمات حتي عثرت عليه.. وكنت قد بدأت أنا الآخر بضعة محاولات بالعامية، أغلبها جاء متأثرا بالأستاذ الكبير بيرم التونسي، ولذلك هالني أن أقرأ نظما بالعامية يسير في طريقه الخاص، ويستمد منطقه من نفسه».