تعد شخصية المأذون من أكثر الشخصيات وقارا واحتراما في الحياة ، لما لشخص المأذون من مكانة محببة للقلوب ، فيكفي أنه همزة الوصل بين المحبين والعاشقين ، إلا أن شخصية المأذون الوقورة ، تحولت في السينما إلي شخصية هزلية كاريكاترية ، فنجده يلقي النكات ويرقص ويغني ، خلال هذا التحقيق نحاول فضح بعض ما ألصقته الدراما السينمائية بشخصية المأذون ، زورا وتجنيا علي الواقع وتلاعبا برمز من رموز المجتمع الإسلامي . ونبدأ مع فيلم " في الهوا سوا " الذي قدم خلاله إسماعيل ياسين شخصية المأذون بأسلوب هزلي كاريكاتيري ، وفيه حاول إسماعيل ياسين جاهدا تأخير حفل زفاف ، وتقمص شخصية المأذون حتي يعطل إتمام الزفاف ، وبعد أن ارتدي بدلة هزلية ولحية بلاستك ظل يقفز ويلقي بالنكات ، ويرقص ويغني مجسدا صورة قمة في الهزلية لشخص المأذون . كما جسد الفنان سيد زيان شخصية المأذون في فيلم " 42 ساعة زواج " ولكن علي الطريقة السينمائية ، فقدم مأذونا حريصا علي مطاردة النساء ويحاول من آن لآخر الفوز بهن ، كما جاءت شخصية المأذون في هذا العمل الفني شرها في تناول الطعام ليرسخ مدي هزلية تناول السينما للمأذون .. وفي فيلم " صعيدي في الجامعة الأمريكية " جاءت شخصية المأذون كعهدها في الأفلام السابقة بعد أن ظهر المأذون الشره في تناول الطعام والجشع في طلب المال ، والأبله الذي يتشدق بالتحدث باللغة العربية في أسلوب هزلي يثير التقزز ويحط من هيبة الشخصية الحقيقية. مأذون للحرام وفي فيلم " الزوجة الثانية " حملت شخصية المأذون بعدا خطيرا ؛ إذ جاء في هيئة شخص يتحايل علي شرع الله ، ليحل الحرام ويحرم الحلال ، من أجل إرضاء صاحب النفوذ " صلاح منصور " عمدة البلدة ، وقدم مبدأه الخاص القائل بأن إرضاء العمدة من إرضاء الله حتي ولو كان في الحرام مستدلا بقول الله : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وهكذا جاء المأذون في شخصية جديدة سينمائيا عليه متحايلا علي شرع الله . أما في فيلم " البعض يذهب للمأذون مرتين " فقد جاءت شخصية المأذون أكثر هزلية ؛ إذ ظهر يركب الدراجات ويطارد الشبان والبنات " أبطال الفيلم " من أجل أن يعقد قرانهم ، في صورة هزلية سخيفة من حلقات التجني علي شخصية المأذون في الواقع .. وجاء المأذون في فيلم " آه من حواء " شخصية مهزوزة لا رأي لها أقرب إلي السفه وقلة الحيلة ، فيقال له بأسلوب ساخر : زوج يا شيخ مأذون فيفعل ويقال له : طلق يا شيخ مأذون . فيفعل ، وهذه الصورة لا وجود لها في الواقع ، ومخالفة تماما للحقيقة والدور الذي يناط به المأذون .. وبعد هذه النماذج من المعالجات السينمائية الهزلية لشخصية المأذون نتعرض لآراء البعض حول شخصية المأذون في السينما . إكسسوار ويبدأ محمد عبد اللطيف أحمد - تاجر - حديثه قائلا : إن مشاهد عقد القران في أفلام السينما تقدم المأذون بشكل مهزوز مهلهل الثياب ، يتشدق بنطق الكلمات بعربية فصحي فجة ، بينما لا تركز السينما علي الدور البارز لشخصية المأذون الحقيقي ، وعمدت إلي إضفاء أكبر قدر من السذاجة علي شخصية المأذون ؛ فأصبحت شخصيته مجرد ديكور يهدف لتصوير مشاهد الرقص والغناء ، وعقد القران الهزلي . وتضيف هويدا عبد العزيز - طالبة بجامعة القاهرة - : إن السينما قدمت شخصية المأذون كما لو كان مهرجا يرقص ويغني وله لحية متحركة يجذبها ويلصقها كما يريد ، وكما جاء بفيلم " في الهوا سوا " قدم إسماعيل ياسين شخصية مبتكرة للمأذون أبعد ما تكون عن الواقع ، فالمأذون الحقيقي رجل وقور محترم يحرص علي توفيق وجهات النظر بينما قدمته في صورة درامية كوميدية ، وهي القيمة التي التصقت بالمأذون في السينما . ويلفت سيد أبو عبلة- المحامي - النظر إلي نقطة هامة تمكنت بها السينما من تشويه شخصية المأذون ، فيقول : يجب أن ننتبه إلي أن الصورة المشوهة التي تقدم بها السينما صورة المأذون تؤثر علي واقعه وتشوه شخصيته الحقيقية ؛ ومن ثم فإن هذا تشويه لعملية الزواج ككل ، وأيضا لعملية التوثيق التي سنها القانون لضمان حقوق الأسرة . الأصل يتكلم وإذا كنا قد تحدثنا عن مأذوني السينما فلندع الفرصة للمأذون الحقيقي كي يتحدث عن رأيه في صورته السينمائية فيقول علي عبد الرحيم - مأذون بالقاهرة - إن السينما تجسد شخصية المأذون في إطار كوميدي يثير الضحك وإن كان في هذا نسبة ضئيلة من الحقيقة إلا أن مخرجي الأفلام السينمائية يتمادون في إظهار المأذون كما لو كان مهرجا يثير السخرية ، فيظهر المأذون وهو يفتعل التشدق باللغة العربية الفصحي ؛ من حيث تغليظ الحروف ، والضغط علي الكلمات ، في حين أن صورته الحقيقية تدل علي أنه إنسان عادي مهذب كأستاذ الجامعة أو الطبيب مثلا ،فثيابه نظيفة مهندمة وأسلوب تعامله راق ومحترم بعكس ما تقدمه السينما . ويضيف المأذون علي عبد الرحيم : إن ظروف المأذون الاجتماعية والمادية جيدة ، لا تجعله يقترف تلك الحماقات التي نراها في أفلام السينما ، بعد أن أقبل كثير من أساتذة الجامعات وعلماء الأزهر والمحامين علي العمل في مهنة المأذون ، بالتأكيد فإن كل هذه الفئات تحظي بفكر ووعي بارز في المجتمع . ويختتم المأذون علي عبد الرحيم كلامه قائلا : إن المأذون هو أقرب شخص يعرف شخصية الزوجين بل إنه يعتبر طبيب المشاكل الأسرية . الإساءة للرمز رأي آخر يطرحه د.محمود فهمي أستاذ علم الاجتماع فيقول : الدراما السينمائية أسقطت هيبة المأذون وأظهرته بهيئة تثير الاستهزاء والسخرية ؛ وهذا يرجع لتعمد بعض كتاب الدراما السخرية من كل ما يتعلق بالدين لخدمة أيديولوجياتهم أو من أجل ارضاء فهم المنتجين في تقديم نماذج تثير الضحك لجلب الربح المادي . اختلاف المخرجين رحمة ! رأيان مختلفان يحملهما مخرجان سينمائيان حول شكل المأذون في عالم السينما ، فيري المخرج سمير سيف أن صورة المأذون في الدراما السينمائية تقدم بطريقة موضوعية جدا ، مطابقة للواقع ، وتختلف معه المخرجة إنعام محمد علي فتقول : إن الدراما السينمائية تقف جامدة أحيانا في معالجة الواقع ، وتتخلي عن مصداقيتها التي هي أهم عوامل نجاحها كما أن لتجدد تناول السينما للشخصيات أثرا كبيرا في نجاحها أما أن يظل المأذون في السينما يتخذ نمطا شكليا ثابتا ، لا يواكب التغيرات الاجتماعية ، فهذه صورة تجافي الواقع وتتجني علي الشخصية الحقيقية للمأذون .