تفاصيل.. مؤتمر الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة في نسخته الرابعة    رئيس شركة شمال القاهرة للكهرباء يفصل موظفين لاستغلال الوظيفة والتلاعب بالبيانات    «الاتصالات» تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025    انقطاع مفاجئ للكهرباء في عدة مناطق بطرابلس    أديب عن انقطاع الكهرباء مع ارتفاع الحرارة: "تخفيف أحمال" أم "حوادث متفرقة"؟    الدولار ب50.45 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 13-5-2025    فخ أنهى حياة رجل الظل، ماذا حدث في طرابلس وسر الاجتماع الدموي بمقر "اللواء 444"    بعد استلام ألكسندر.. هل تواصل إسرائيل خططها لتصعيد هجومها في غزة؟    ترامب: نصدق كلام الحوثيين بشأن التوقف عن استهدافنا    محمود بسيوني حكما لمباراة سيراميكا كليوباترا والأهلي.. مثل الدور الأول    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    حبس لص الدراجات النارية بالبساتين    وفاة الفنان شريف ليلة.. ونجله يطالب جمهوره بالدعاء له    ما هي أهداف زيارة ترامب إلى الرياض ودول الخليج؟    رعب أمام المدارس في الفيوم.. شاب يهدد الطالبات بصاعق كهربائي.. والأهالي يطالبون بتدخل عاجل    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جولة تفقدية لمدير التأمين الصحي بالقليوبية على المنشآت الصحية ببهتيم    إطلاق مبادرة «دمتم سند» لتوصيل الدواء والكشف المنزلي بالإسماعيلية    بعد مقتله.. من هو غنيوة الككلي؟    بعد اطمئنان السيسي.. من هو صنع الله إبراهيم؟    قناة السويس تجهز مفاجأة لشركات الشحن العالمية (تفاصيل)    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة المنيا للفصل الدراسي الثاني 2025    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الثلاثاء 13 مايو 2025 (بداية التعاملات)    ملف يلا كورة.. عقد ريفيرو.. منتخب الشباب في كأس العالم.. ويد الأهلي تطيح بالزمالك    ميمي عبدالرازق: الأهلي يحتاج لمدرب أجنبي قوي.. وهناك مجاملات للأحمر!    محافظ سوهاج: تشكيل لجنة لفحص أعمال وتعاقدات نادي المحليات    سعر السمك البلطي والجمبري بالأسواق اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    حريق هائل يلتهم 4 طوابق بعقار في المريوطية    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    إيقاف الدراسة بجامعة طرابلس الليبية لحين إشعار أخر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    الخارجية الأمريكية: جهود كبيرة لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة    كيف ردت سوريا على تصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات؟    الكشف على 490 مواطناً وتوزيع 308 نظارات طبية خلال قافلة طبية بدمنهور    بعت اللي وراي واللي قدامي، صبحي خليل يتحدث عن معاناة ابنته مع مرض السرطان (فيديو)    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    كشف لغز العثور على جثة بالأراضي الزراعية بالغربية    تحت شعار «اكتشاف المشهد».. «أسبوع القاهرة للصورة» يواصل فعاليات دورته الرابعة بدعم غزة (صور)    5 أبراج «لو قالوا حاجة بتحصل».. عرّافون بالفطرة ويتنبؤون بالمخاطر    محامية بوسى شلبى تعلن مقاضاة كل من يخوض بعرضها أو ينكر علاقتها الزوجية    جدول امتحانات المواد غير المضافة للمجموع للصف الثاني الثانوي ببورسعيد(متى تبدأ؟)    افتتاح أول مركز للقيادات الطلابية بجامعه المنوفية    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    إيمان العاصي في "الجيم" ونانسي عجرم بفستان أنيق.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    قبل عرضه على "MBC".. صلاح عبدالله ينشر صورة من كواليس مسلسل "حرب الجبالي"    نانسى عجرم تنشر صورا من حفلها الأخير المخصص للنساء فقط فى هولندا    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟| الإفتاء تجيب    سقوط طفل من مرتفع " بيارة " بنادي المنتزه بالإسماعيلية    انتحار شقيقي الشاب ضحية بئر الآثار في بسيون بالغربية    اليوم| محاكمة تشكيل عصابي بتهمة الشروع في قتل شاب ببولاق الدكرور    آس: بعد أول مباراتين ل البرازيل.. نجل أنشيلوتي سيتولى تدريب رينجرز    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حقيقة" يوسف إدريس تحرج شرف مجتمع "الحرام"
نشر في نقطة ضوء يوم 18 - 06 - 2020

هناك أعمال إبداعية من الزخم والقوة والأهمية إلى درجة تُنسي معها المتلقّين، بل عموم الناس أيضاً، أن لها مؤلفاً. وهناك من التصنيفات الإبداعية ما يُنسي الناس – مثلاً - أن كاتباً كبيراً للقصة القصيرة وربما للمسرح أيضاً، يمكن أن يكون كاتباً روائياً كبيراً أيضاً. ولعل خير مثال عربي على الحالتين الكاتب المصري الراحل يوسف إدريس في ارتباطه بفيلم "الحرام"، الذي حين يتحدّث عنه الناس بحنين كبير وإعجاب أكبر، غالباً ما يتذكرون أنه "فيلم لفاتن حمامة"، وفي أحوال أخرى "فيلم من إخراج هنري بركات"، الذي يعتبر "الحرام" واحداً من أفضل ما حقّق في حياته. لكن قلة فقط من الناس تتذكر أن الرواية هي في الأصل ليوسف إدريس. بل إن هناك من يفتح عينيه مندهشاً، ويقول: وهل كتب إدريس روايات هو المعروف أصلاً بكونه من أكبر كُتّاب القصة القصيرة العرب؟ أجل. كتب إدريس روايات كبيرة وعديدة بعضها له مكانة رفيعة جداً في تاريخ الأدب العربي. وحسبنا أن نذكر "قصة حب" و"البيضاء" و"العيب"، إلى جانب "الحرام" التي قد يصحّ اعتبارها واحدة من أعظم عشر روايات كتبت في اللغة العربية، كما اعتبر النقاد والسينمائيون الفيلم – "فيلم فاتن حمامة" – الذي اقتبس عنها واحداً من أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
خطايا الأغراب المغفورة
"الحرام" رواية فلاحيّة، أي أنها تدور في أوساط الفلاحين في الريف المصري. وحين نقول "فلاحين" في مصر تقفز إلى أنظارنا صورة البؤس المطلق والجوع والظلم والناس الذين يعيشون على هامش الهامش. وتلكم هي على أية حال، الصورة التي تصوّرها لنا الرواية، ولم يقصّر الفيلم في نقلها إلينا بدوره. ولكن من خلال "عزيزة"، تلك الفلاحة البائسة التي تنتمي إلى فئة يقال لها "عمال التراحيل"، وهم يعيشون في أسفل السلم الاجتماعي بائسين يرتحلون من مكان إلى آخر تبعاً لفرص العمل المتوفّرة وتتابع المواسم ومزاج المقاولين وما إلى ذلك. و"عزيزة" مثلها مثل الملايين من المصريين، ولا سيما في الريف، تعيش تحت خط الفقر ولا همّ لها سوى البقاء ومساندة زوجها المريض وإعالة طفليها ضمن ما هو أدنى من الحدود الدنيا. ولكن في يوم من الأيام، يحدث لها ما قد يحدث لأي امرأة من طبقتها: يلتقطها ابن صاحب أرض كانت تعمل فيها ليغتصبها تاركاً إياها حاملاً بطفل تجهد في كل لحظة كي تخفي تناميه داخل بطنها، هي التي يعرف المحيطون بها أنها لا يمكن أن تكون حاملاً من زوجها المتهالك بفعل المرض.
والرواية تبدأ على أية حال بعد ذلك، من اكتشاف خفير المنطقة للقيط ميتاً مخنوقاً في حفرة بجانب الطريق. وتكاد هذه الحادثة تمرّ من دون أن يتوقف عندها أحد، بالنظر إلى أن ما يشبهها يحدث غالباً في مجتمع لا ضابط له ولا حسيب. ولكن المجتمع يكون متربصاً ويقرّر منذ البداية أن "الخاطئة لا بد أن تكون من فلاحي التراحيل"، غير أن شكوكاً أخرى تبدأ بمسّ النساء القرويات أنفسهن ما يُضطر السلطات إلى التنقيب "صوناً لشرف" الحرائر وللتيقّن من هوية الخاطئة للتأكيد على أنها "غرباوية" وليست من أهل البلد، وهكذا يوصلهم خيط التحقيق بالفعل إلى "عزيزة"، فيتنفسون الصعداء وقد اطمأنت نفوسهم، ويتوجهون بتعاطفهم إلى "تلك الغريبة المسكينة" التي سرعان ما تعترف بأنها قتلت وليدها خنقاً دون أن تدرك أنها تفعل ذلك، هي التي اغتُصبت وحملت به في سبيل حبّة البطاطا التي كانت قد سرقتها لإطعام زوجها. ولاحقاً، حين تموت "عزيزة" بحمى النفاس سيبكيها بعض الأفراد حزناً وشفقة، لكنهم جميعاً سيحسّون براحة داخلية بالنظر إلى أن شرفهم هم لا يزال مصاناً! ولعل هذا هو العنصر الاجتماعي الذي لا يخفي قدرة هائلة على السخرية اللئيمة بقلم كاتب كان معروفاً بأنه لا يكتب لمجرد الكتابة، بل كفعل احتجاج اجتماعيّ صارخ.
أحجية اسمها يوسف إدريس
ونعرف أن يوسف إدريس كان في كتاباته كما في حياته، مشاكساً بكل معنى الكلمة، إلى درجة أن تصرفاته كانت تبدو غريبة ومبهمة تحفل بألف معنى ومعنى وتثير سوء الفهم من حوله وبينه وبين المحيطين به. ومن هنا كان ثمة، على الدوام، في الحياة الأدبية المصرية أحجية اسمها يوسف إدريس.
ويوسف إدريس، الذي رحل عن عالمنا عام 1991، كان إنساناً مليئاً بالقلق والتوتر، على عكس سلفه الكبير نجيب محفوظ الذي كان هادئاً عذباً كماء النيل، عميق الأغوار مثله، في المرحلة نفسها التي كان يوسف إدريس يرى أنها تستدعي المجابهة بكل التوتر الممكن. ولقد انعكس توتر إدريس وقلقه في رواياته وقصصه القصيرة، مما جعل لأدبه نكهة استثنائية، وجعله في مجال القصة القصيرة والكتابة المسرحية، في الأقل، واحداً من أبرز الوجوه التي عرفها الأدب العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وعلى الرغم من أن يوسف إدريس كتب من الروايات ما أثار الزوابع النقدية، وأحياناً السياسية، وأن إحدى أهم رواياته، "الحرام"، في الأقل، حقّقت شهرة عالمية، عبر ترجمتها إلى العديد من اللغات، وشهرة محلية استثنائية عبر اقتباسها في ذلك الفيلم الذي اعتبر على الدوام واحداً من أفضل الأفلام العربية. على الرغم من هذا، فإن يوسف إدريس يعتبر، في المقام الأول وكما أشرنا أعلاه، كاتب قصة قصيرة، ومجموعاته التي قرئت في طول العالم العربي وعرضه، على نطاق واسع، تعتبر مدرسة قائمة في ذاتها، وقصصه لا تُضاهى، سواء من ناحية النبض والإيقاع اللذين تحملهما، أم من ناحية جرأته الاستثنائية في تحميلها بالمعاني عبر موضوعات كانت غالباً ما تبدو جديدة على العالم الأدبي، وتتسم بجرأة قصوى، في تعاطيها مع محرّمين، في الأقل، من محرّمات الثقافة العربية: الجنس والسياسة.
والغريب في أمر يوسف إدريس، أننا نكتشف اليوم، بعد أربعة عقود على رحيله المفاجئ والمؤلم، أنه كان من أقل أبناء جيله إثارة لاهتمام النقاد والباحثين. فإذا استثنينا الناقد غالي شكري الذي كثيراً ما كتب عنه ومنذ وقت مبكر، ثم وضع كتاباً مهماً يضمّ حوارات معه، ندر أن نجد بين النقاد الكبار والجديين من أولى اهتماماً حقيقياً بأدب يوسف إدريس. ولربما صحّ أن نقول إن أدب الرجل نفسه، وشخصيته القلقة وانعكاس ملامح تلك الشخصية في الأدب، ردعت النقاد عن تناول أدبه.
أدب صعب رغم بساطته
وأدب إدريس ليس من اليسير تناوله، على أي حال. فمن مجموعة "أرخص ليالي" التي كانت من أول ما أطلّ به على القراء أوائل الخمسينيات، إلى كتاباته الأخيرة، في كتب مثل "أهمية أن نتثقف يا ناس"، و"فقر الفكر"، ومجموعات مثل "بيت من لحم" (1971) و"آخر الدنيا" (1961) و"حادثة شرف" (1957)، مروراً بأعمال مثل "جمهورية فرحات" (1956)، وخصوصاً روايتي "الحرام" و"البيضاء"، عرف يوسف إدريس كيف يكون استفزازياً وتحريضياً وكيف يحرق المراحل، ويضيّع على مقتفي أثره معالم الدروب. وعلى هذا النحو، مثلاً، منذ هوجمت روايته "البيضاء" أواخر سنوات الستينيات من النقد اليساري، اعتبرت كتاباً ملعوناً واستنكف النقاد عن قراءتها وولوج عالمها، بحيث إن الأمر احتاج لانتظار عشرين عاماً قبل أن تُقرأ الرواية نفسها قراءة جديدة فنكتشف فيها عوالم أخرى، وتبدو للنقاد وكأنها رواية جلد للذات، أكثر مما هي رواية تحاول أن تنقد "اليسار أو تدمره"، كما رأى البعض متسرعاً عند صدورها.
في المسرح أيضاً خاض يوسف إدريس عدداً كبيراً من المعارك، بدءاً بمعركة هدفها الوصول إلى شكل وأفق جديدين للمسرح العربي (كما في «الفرافير») وصولاً إلى المعارك السياسية وصولات الدفاع عن الحرية، تلك الحرية التي افتقد إليها يوسف إدريس مرات عديدة خلال مساره الطويل، ومنها أن أودع السجن ذات مرة خلال سنوات الخمسينيات. لقد كان يوسف إدريس مبتكراً على الدوام واستفزازياً على الدوام وكأنه، كان دائماً، واحداً من شخصيات مجموعته القصصية الأجمل "لغة الآي آي" الحافلة بالقلق والتوتر والرغبة في تحطيم كل شيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.