برغم الكتابات العديدة التي تناولت موهبته في تجسيد السينما الواقعية، إلا أن المجال لا يزال متاحًا لنظرة استقصائية حول قصة حياة المبدع الذي أثري السينما العربية بالعديد من الأفلام السينمائية الخالدة، إنه المخرج والمؤلف صلاح أبو سيف الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده.. ولد "أبو سيف" عام 1915 في حي بولاق بمحافظة القاهرة، وكانت أصوله تنحدر من قرية "الحومة" بمركز "الواسطى" في محافظة بني سويف، حصل على دبلوم المحاسبة وعمل في شركة النسيج بالمحلة الكبرى. وكان يعشق فن التمثيل، بالإضافة إلى تعلقه بالثقافة الفنية المتنوعة، أستطاع أن يجد سبيلًا للدخول في عالم السينما والفن عندما التقى بالمخرج نيازي مصطفى عام 1936، وذلك حينما ورد "نيازي" إلى الشركة التي كان يعمل بها "أبو سيف"، ليحقق فيلمًا تسجيليًا عن صناعة الغزل والنسيج، وفي ذلك التوقيت أوضح "أبو سيف" للمخرج نيازي مصطفى شدة تعلقه وغرامه بالسينما ومتابعته لها، ومن هنا كانت البداية لصلاح أبو سيف في عالم الفن، حيث سعى نيازي مصطفى لدى "استوديو مصر" فتم تعيين "أبو سيف" مساعدًا بقسم "المونتاج"، وهكذا وضع صلاح أبو سيف قدمه في عالم السينما، حيث عمل في العديد من الأفلام حتى سنحت الفرصة الحقيقية له عام 1939، حينما كان يعمل كمساعد مخرج من خلال تجربته مع فيلم "العزيمة" لكمال سليم، والذي يعتبر أول أفلام الواقعية في السينما المصرية. سافر "أبو سيف" إلى فرنسا لدراسة فن المونتاج والإخراج، وذلك عندما أُوفد في بعثة من خلال أستوديو مصر، حيث أمدته البعثة بالذخيرة الثقافية المطلوبة لتحقيق حلمه في عالم الإخراج والسينما، ليعود من باريس في أجواء الحرب العالمية الثانية ويقوم بإخراج أول أعماله السينمائية عام 1946 وهو فيلم "دايمًا في قلبي" بطولة عماد حمدي وعقيلة راتب ودولت أبيض. توالت أعمال المخرج صلاح أبو سيف ليظهر بوضوح كأحد أهم المخرجين في عالم السينما المصرية، وكان أبوسيف متأثرًا بتيار السينما الواقعية وقد زاد تأثره بهذا الجانب عقب عودته من إيطاليا عام 1950، حيث كان يُخرج النسخة العربية من فيلم "الصقر" بطولة سامية جمال، وعماد حمدي، وفريد شوقي، ومن هنا كانت البداية لصلاح أبو سيف في عالم السينما الواقعية لتتوالى أعماله السينمائية الناجحة. شهد عام 1957 قدوم أول أعمال صلاح أبو سيف المأخوذة عن مصدر أدبي عربي كبير وتمثل ذلك في فيلم "الوسادة الخالية" ثم فيلم "أنا حرة"، وتبع ذلك أحد أهم الأفلام الكوميدية في السينما المصرية وهو فيلم "بين السماء والأرض" الذي دارت فكرته حول قصة مصعد يتعطل بركابه بين طوابق بناية عالية، لتدور أحداثه من خلال البحث في شخصيات العمل السينمائي. كما شهدت بداية فترة الستينيات استمراره في تناول الأعمال الأدبية فكان منها "بداية ونهاية"، ولا تطفىء الشمس"، و"رسالة من امرأة مجهولة". في عام 1963 أخرج فيلم "لا وقت للحب" ثم توقف لمدة ثلاث سنوات قبل أن يعود إلى السينما بفيلم جديد رُشح للفوز بجائزة الأوسكار وهو فيلم "القاهرة 30" الذي تناوله عن رواية الأديب نجيب محفوظ، وعقب فيلم "الزوجة الثانية" عام 1967 عاد "أبو سيف" إلى الأفلام السياسية من خلال فيلم "القضية 68" ثم أتبعه بفيلم شيء من العذاب عام 1969، كما قدم في عام 1970 فيلم "فجر الإسلام" ثم أتبعه في عام 1973 أحد أهم أفلامه السينمائية وهو "حمام الملاطيلي"، ثم فيلم الغضب عام 1975، وبعده قدم رواية إحسان عبد القدوس من خلال فيلم "وسقطت في بحر العسل". أخرج صلاح أبو سيف للسينما العراقية فيلم "القادسية" عام 1982، والذي أشترك فيه عدد كبير من نجوم التمثيل في العالم العربي مثل شذى سالم، سعاد حسني، قائد النعماني، بهجت الجبوري، عزت العلايلي، عواطف نعيم، هالة شوكت، طعمة التميمي، محمد حسن الجندي، سعدية الزيدي. أشترك صلاح أبو سيف في كتابة السيناريو لمعظم أفلامه، حيث كان يعتبر أن مرحلة كتابة السيناريو من أهم مراحل إعداد الفيلم. وقد شغل "أبو سيف" العديد من المناصب الفنية حيث ترأس مجلس إدارة الشركة العامة للإنتاج السينمائي، كما قام بتدريس مادة الإخراج في المعهد العالي للسينما، وشغل عضوية لجنة السينما بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، كما كان عضوًا بلجنة الفنون بالمجالس القومية المتخصصة، بالإضافة إلى عضويته بمجلس إدارة غرفة صناعة السينما. قدم صلاح أبو سيف للسينما المصرية عدد كبير من الأفلام السينمائية الناجحة من أشهرها: "المنتقم" عام 1947، "مغامرات عنتر وعبلة" عام 1948، "الصقر" عام 1950، "لك يوم يا ظالم" عام 1951، "الأسطى حسن" عام 1952، "ريا وسكينة" عام 1953، "شباب امرأة" عام 1956، "الوسادة الخالية" عام 1957، "الطريق المسدود" عام 1958، "بين السماء والأرض" عام 1959، "البنات والصيف" عام 1960، "بداية ونهاية" عام 1960، "لا تطفىء الشمس" عام 1961، "القاهرة 30" عام 1966، "الزوجة الثانية" عام 1967، "شىء من العذاب" عام 1969، "فجر الإسلام" عام 1971، "حمام الملاطيلي" عام 1973، "سقطت في بحر العسل" عام 1977، "السقا مات" عام 1977، "القادسية" عام 1986، "المواطن مصري" عام 1991، "السيد كاف" عام 1994. قام المخرج صلاح أبو سيف بتمثيل مصر في العديد من المؤتمرات الدولية وتم تكريمه في مهرجانات متنوعة مثل مهرجانات باريس، فيينا، ميونخ، جنيف، ورتردام، لوزان، بوادبست، طولون، نانت. كما حصل على العديد من الميداليات في عدد كبير من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى ميدالية الريادة من وزارة الإعلام المصرية، ووسام الفنون عام 1963، وجائزة أفضل مخرج من الدولة عن أفلام "شباب امرأة"، "بداية ونهاية"، "هذا هو الحب"، حمام الملاطيلي"، فضلًا عن حصوله على جائزة أفضل مخرج من الجامعة العربية عن فيلم "القاهرة 30". وتوفي المخرج صلاح أبوسيف في الثاني والعشرين من يونيو عام 1996، عن عمر ناهز 81 عامًا ليغادر دنيانا تاركًا إرثًا فنيًا كبيرًا.