في اواخر عام 2004 واوائل عام 2005 فوجيء المجتمع العلمي المصري وعلي رأسه الجامعات بصدور اول تصنيف وترتيب للجامعات في العالم بأسره وهو التقرير الشهير الذي اعده وعكف علي اصداره احد المعاهد العلمية المتخصصة في مدينة شنغهاي بالصين.. وفي التقرير القنبلة في ذلك الوقت اكتشفنا جميعا عدم وجود اسم لاي جامعة مصرية في هذا التصنيف في الاماكن الاولي ل 500 جامعة علي مستوي العالم. وبقدر صدمة التقرير عن خروج جامعاتنا المصرية خالية الوفاض من هذا الترتيب العالمي الا انه في نفس الوقت اظهر لنا ان العالم حولنا يسير في اتجاه محدد وان هناك اشياء يجب الالتفاف اليها وان نعيرها الاهمية.. وانه عاجلا ام اجلا سوف يصيبنا رزاز ما يحدث حولنا في التعليم العالي والبحث العلمي وانه لا يمكن ان نغفل عنه او نغلق الابواب دون ما يحصل. واذكر انني توجهت منزعجة للدكتور عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالي في ذلك الوقت واطلعت بالتفصيل علي التقرير الذي كان ينشر لاول مرة واشهد انه كان ايضا منزعجا من التقرير وجلست بعد ذلك الي د. علي عبدالرحمن رئيس جامعة القاهرة السابق وهو عالم جليل في تخصصه، وعندما ذهبت اليه ايضا قال بهدوء شديد وتحليل علمي نعم اكبر واقدم جامعة في منطقة الشرق الاوسط لم تظهر في التصنيف ولانه شخص علمي ومتفائل قال ولكنني درست القضية والمؤشرات وسوف اخاطب الجامعة الصينية واعدكم بان تكون جامعة القاهرة داخل التصنيف في السنوات القادمة.. وهو ما تحقق بالفعل في عهد د. علي عبدالرحمن وظهرت جامعة القاهرة في قائمة افضل 500 جامعة علي مستوي العالم.. ولكن ما لبثت ان خرجت منه بعد ذلك بسنوات ولم تعد اليه حتي الان وان ظهرت في المقياس الثاني الذي طبقته انجلترا. مناسبة هذا الحديث والمقدمة الطويلة هو ما ذكره د. هاني هلال وزير التعليم العالي مؤخرا في لقائه مع جمعية مصر الخير التي يرأسها د. علي جمعة مفتي الديار المصرية والتي اصبح لها مؤخرا اهتمام كبير مشكور بالدعم المالي للابحاث العلمية والباحثين المصريين.. فقد ذكر الوزير ان التصنيف العالمي اتجاه جديد في العالم ونحن لابد ان نقبله ونقبل هذا التحدي.. وحتي اذا كان هذا الاتجاه "موضة" فهي موضة محمودة لانها سوف تساعد علي نهضة الجامعات المصرية من سباتها العميق خاصة في قضية النشر العلمي وهي القضية المنسية في جامعاتنا والرئيسية في جميع الجامعات العالمية. وللحقيقة ان قضية النشر العلمي العالمي قضية علي درجة مهمة.. فهي الفيصل والمؤشر انه يوجد لدينا بحث علمي حقيقي ام لا؟ لانه مهما كان يوجد لدينا بحث علمي في مصر وهو غير منشور عالميا فانه يصبح ذا تأثير محدود هنا وغالبا ما يلبث ان يتلاشي ويختفي بفعل عدم التواصل مع العالم، لان العلم الان لا وطن له والبحث العلمي ليس جزرا منعزلة نفرض عليها القيود والقواعد والاجراءات بحجة حماية المجتمع المصري خاصة في المجالات العلمية في الطب والهندسة والعلوم الاساسية الي غيره من القضايا وبالتالي فقضية النشر العلمي تحتل نصيبا كبيرا في اي تصنيف للجامعات في العالم اليوم وتكاد تتربع هذه القضية بمفردها علي نسبة ما بين 20% الي 25% من مؤشرات التقييم لاي مؤسسة علمية في العالم. والتمني، الذي قاله الوزير.. هو كيف نعبر بابحاثنا الي آفاق النشر العالمي وكيف نخوض هذا التحدي؟ لان هشاء البعض ام أبي فنحن بالفعل لدينا بحث علمي ونشر علمي ولكنه علي رغم ضعف اوضاعه يحتاج الي دعم والي من ينقذه من الغرق، لذلك اتخذت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مؤخرا عدة خطوات مهمة لدعم هذا الاتجاه كان اولها هو عمل مبادرة للوزارة لتدويل الدوريات العلمية المصرية، بمعني ربط الدوريات العلمية المصرية والتي ينشر فيها اكثر من 80% من الباحثين المصريين، بالناشرين الدوليين، اي ان توضع الابحاث العلمية المصرية "التي تستحق ووفق المعايير العلمية العالمية" علي طريق النشر العالمي لذلك تم الاتفاق بين الوزارة والناشر العالمي المسئول عن اكبر الدوريات العلمية في الخارج علي ان تقوم الهيئة الاجنبية باختيار عدد من الدوريات العلمية المصرية ونشرها الكترونيا وذلك كخطوة اولي لحصولها علي درجة "التأثير الدولي" والنشر العالمي وتلك خطوة مهمة لان معني ذلك ان الدوريات المصرية.. سوف تدقق من الان وفي المستقبل حول قواعد البحث العلمي الدقيق وقواعد النشر العلمي وكذلك سوف تساعد بالتأكيد علي فتح ابواب الحوار العلمي ونشر ودعم ثقافة براءات الاختراع والابتكار وقبلهما ايجاد الالية لمناخ الحوار العلمي والثقافة العلمية التي اصبحنا نفتقدها بشدة عند تناول أي حديث سواء كان علميا متخصصا للغاية.. الي أبسط القضايا التي تهم المواطن العادي البسيط مثل ارتفاع اسعار الطماطم والخضروات والفاكهة.. فهذه القضية البسيطة.. هي ايضا بحث علمي وعلم ودراسة وتطوير ونتيجة هذه الخطوة الكبيرة- كضربة البداية- اكد لي د. ماجد الشربيني رئيس اكاديمية البحث العلمي ان الدراسات الحالية التي اجرتها الاكاديمية اكدت اننا في مصر ننشر 20 الف ورقة علمية سنويا. "علي المستوي الداخلي" بينما عدد الابحاث التي تجد طريقها الي النشر العالمي وفي كبريات المجلات العلمية الدولية وصل الي 6200 بحث علمي منشور وانه خلال الفترة الماضية فقط 6 اشهر فقط تم اصدار 15 مجلة علمية محلية والمستهدف ان نصل الي 40 مجلة خلال الثلاث سنوات القادمة مع الاخذ في الاعتبار ان المجلة الواحدة تنشر ما بين 60 الي 100 بحث علمي محلي سنويا وبهذه الخطوة نكون قد فتحنا الابواب لمضاعفة النشر والانتاج العلمي واوجدنا الصلة او الآلية للنشر بعد ذلك دوليا من خلال وحدة ربط الناشرين الدوليين بالدوريات العلمية المصرية. لم تكن تلك هي الخطوات التي تم اتخاذها فقط فخلال الاعوام القليلة الماضية بدأت الجامعات المصرية.. بخطة في دعم نشر البحث العلمي لديها.. وتقديم التسهيلات لذلك وعلي رأسها التسهيلات المادية والجوائز والحوافز للعلماء لان من عجائب الاوضاع في مصر.. ان الباحث في مراحل سابقة كان عليه ان يدفع تكاليف ليس فقط القيام بأبحاثه في مصر ولكن في النشر العلمي في الدوريات العالمية وهو ما احجم اكثر من 70% طبقا للاحصائيات الاخيرة عن التقدم بابحاثهم الي المؤتمرات والهيئات والدوريات العالمية ولولا هذه الخطوة التي تداركتها الجامعات ووزارة التعليم العالي مؤخرا من خلال التكفل بدفع النفقات كاملا للنشر الخارجي، لخلت جميع الدوريات العالمية من الأبحاث واسماء الباحثين المصريين اللهم إلا عدد قليل تسمح ظروفه المادية وسمعته الدولية بذلك.. وقد اتت بالفعل هذه الخطوات الي النتيجة التي اعلنها د. هاني هلال مؤخرا وهو ظهور جامعتي القاهرة والاسكندرية في ترتيب "جيد ومتقدم" في التصنيف الانجليزي.. وهو ما نتمني ان تحصل عليه ايضا بقية الجامعات المصرية التي يتجاوز عددها 40 جامعة حكومية وخاصة.. وان يصاحب ذلك ايضا الاهتمام باوضاع الباحثين انفسهم والبنية التحتية للمؤسسات التعليمية في مصر.. واول الغيث قطرة.