في التاسعة صباحا من يوم الاثنين الثامن والعشرين شهر يوليو عام 2008 وصل شخص يرتدي كابا علي رأسه نجح في إخفاء مُعظم ملامح وجهه إلي برج الرمال بمنطقة الجميرة، الأرقي والأجمل بين الأحياء التي تعج ببشر من كل الألوان... منهم من أتي باحثا عن عمل ومنهم من جاء باحثا عن مُتعة ومنهم من جاء بغرض التسوق، لكنهم جميعا في النهاية إختلطوا ليصنعوا كوكتيلا من البشر في بلد تتصارع فيه الساعات والدقائق لتصنع دنيا من السعادة والمرح والتألق العمراني...مدينة بها كل الجنسيات ولا تخضع لأي حسابات...مدينة دبي.. هذا الرجل لم يكن يسعي وراء لهو ولا بيزنس، لكنه أتي من أجل مهمة رسمية...لقد جاء باحثا عن المطربة اللبنانية صاحبة الموهبة الفنية المتواضعة التي تمتلك كل أسلحة الأنثي الفتاكة التي عوضتها قطعا عن هذا التقصير الفني فمنحتها قدما وضعتها بثقة وسط جموع المطربات العربيات...لقد وجدت من يتبني موهبتها باسم الفن، ومن يمنحها دورا في مسرحية (غادة الكاميليا) باسم الموهبة المدفونة، ومن ينتج لها شريط كاسيت يغرق به الأسواق تحت مسمي الانتشار ولم تلحظ في البداية أن الجميع كانوا مجرد ذئاب جياع تاجروا بموهبتها من أجل الحصول علي حق انتفاع كامل من أنوثتها...هذه الفنانة لم تكن سوي سوزان تميم...المطربة التي لم تجد حظا في بيروت وجاءت لتبحث عنه في مدينة الفنون...مدينة الألف ليلة وليلة...القاهرة.. توقف الرجل ذو القبعة قليلا أمام البناية الضخمة، تردد كثيرا ثم نظر لأعلي وقرر في النهاية الصعود لإنهاء المهمة التي جاء من أجلها... وصل الرجل إلي الطابق الثاني والعشرين، وفور أن فُتح باب الأسانسير توجه إلي باب الشقة التي تُقيم بها الفنانة اللبنانية...وقف أمام باب الشقة وطرقه، فجاءه صوت الفنانة تسأل: "من الطارق؟"... رد بسرعة:" أنا من الشركة المالكة للعقار وأريد أن أسلم حضرتك جواب هام"... ساد صمت طويل سمع فيها الرجل دقات قلبه تعلو وشعر بالدماء الحارة تتصاعد إلي وجهه والعرق يتصبب من جبينه... ثم فجأة انفتح الباب ووقفت أمامه المطربة ترتدي لبس كاجوال وقد انسدل شعرها كالطفلة فوق أكتافها، وحين تلاقت نظراتهما شعر بمدي ضعفها أمام كل ما سمعه عنها من حكايات، وتساءل في نفسه: ((هل بإمكان هذه الأنثي الجميلة أن تُحاور وتُناور وتنصُب علي كل هؤلاء الرجال حتي حولت حُبهم لها إلي غضب أعمي ورغبة دفينة في الانتقام منها؟؟))... نطق الرجل بخمس كلمات غيرت المستقبل وكتبت التاريخ بقلم آخر:" آسف يبدو أن الشقة غلط".... استدار الرجل وركب المصعد وغادر البناية... أما هي فقد إستغربت قليلا ولكنها أغلقت باب الشقة وراءه وعادت إلي الداخل تستكمل ما كانت تفعله حيث انها كانت تكتب وصيتها لشعورها بوجود خطر حقيقي يداهمها.... هكذا كان من الممكن أن تنتهي القصة...أو هكذا كنا نتمني أن تكون النهاية ولكن للأسف ليس كل ما يتمناه المرء يدركه... لقد قُتلت سوزان تميم بوحشية علي يد قاتل لم يرحم ضعفها ولم يتردد في تنفيذ هذه المهمة التي تجردت من كل رحمة ومن كل معاني الإنسانية... قد يكون القاتل "زيد أو عبيد"...وقد يكون المُحرض هذا أو ذاك... ولكن حيث إن القضاء لم يقل كلمته الأخيرة فلم يعد باستطاعة أي شخص أن يلقي بالتهم جُزافا لتقع في ساحة أشخاص قد يكونوا أبرياء أو قد يبرئهم القانون فيما بعد فتترك أثرا لا تمحوه الأيام سواء أصاب الضرر الفادح سمعتهم أو أشغالهم أو بيوتهم...فلنترك الكلمة الأخيرة للقضاء.. إن سوزان تميم ليست شخصاً واحداً وليست حدوتة فردية ولكنها قصة تتكرر كل يوم...قصة فتاة تحلم بالشهرة والمال، وحيث أنها تمتلك الجمال فهاهي تستخدمه كوسيلة مشروعة في معركة لاجتذاب الرجال، لقد نشأت في جو غير مستقر وصراعات أسرية وتشجيع غير محسوب الخطي من قِبل عائلتها لإستثمار موهبتها... لكنها إفتقدت أهم شعور يجب أن تحصل عليه الأنثي لتطرح زهورا وياسمين... الشعور بالأمان...لذا باتت تبحث عنه بين أحضان زوج تلو الأخر، هذا يدفع لذاك وكأنها عملة معدنية نادرة يسعي الجميع لاقتنائها...وهي تحلم بالإستقرار ولا يأتي، بالزوج الصادق ولا تجده، بالحضن الدافئ ولا تُدركه..حتي أصبحت فريسة لمجموعة من الرجال الذين تفننوا في نهش سيرتها وحياتها...وحين إنتهت حياتها علي يد أحدهم أيا كانت دوافعه فقد منحها الشهرة التي كانت تتمناها...أعطي الشهرة لاسم بلا جسد.. لعنوان بلا كيان...لفريسة قتلها الهوي.. وهشام طلعت مصطفي ليس إلا صرحاً مالياً وكياناً إجتماعياً عظيم حطمه الحب سواء حب التملك أو حب الإنتقام فالنهاية ليست إلا خسارة عظيمة لمصر حيث تم تلويث سمعة واحد من أهم رجال الأعمال الذي استطاع في فترة وجيزة أن يستكمل مسيرة والده بنجاح كان يحسد عليه، ويشيد مدناً سوف تُكتب له في تاريخ المعمار المصري مثل مدينة الرحاب التي تُعد واحدة من أجمل المدن المصرية تخطيطا وتنفيذا...ولكن لكل جواد كبوة وجاءت سوزان لتُصبح هذا الحاجز الذي تعثر فيه الجواد وسقط لتكثر سكاكينه وتتبعثر أوراقه التي كانت يوما مُرتبة بنجاح... أصبحت تبعيات هذه القضية مخيفة وذات أبعاد سياسية وإقتصادية سيئة فتحول الوضع من مجرد قصة حب إلي قصة انهيار مؤسسة بأسرها...لقد قام بعض النشطاء ببلاغ إلي النائب العام بإعادة فتح التحقيق في المخالفات المنسوبة إلي هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ووزارة الإسكان بشأن عقد مدينة "مدينتي" التي قضت المحكمة العليا ببطلانه منذ أسابيع بسبب المخالفات التي شابت العقد...هذا القرار دون شك وضع الدولة في مأزق حيث تاهت حقوق المُلاك والمستثمرين والعاملين بالمكان...كما شهدت البورصة هبوطا حادا منذ حادثة القتل وصلت مؤخرا إلي حد الإنهيار عقب صدور الحكم ببطلان العقد... انتهت قصة تزاوج المال والجمال...فالأنثي الجميلة تحتاج حتما إلي من يمنحها الحماية في مقابل العشق، وسوزان كانت تجيد فن العوم في بحور العشق...لم تسع لهذه النهاية ولكنها نقشتها دون أن تشعرعلي جُدران معابد الهوي...وفي النهاية خانها الجميع، كل من تصورت أنهم أحبوها، حتي والدها الذي تنازل عنها مرتين0 ..مرة وهي حية ليقدمها قربانا لدنيا الفن، ثم مرة أُخري وهي ميتة حين قبض فدية مُقابل التنازل عن دمها... لقد نجحت سوزان تميم في تحويل شعار "مدينتي" من (مدينة عالمية علي أرض مصرية) إلي (جريمة مصرية علي أرض عربية)...