كانت أمي، الله يرحمها، مقتنعة بأن الله يحب الملوك أكثر من الغلابة، وتؤمن بأن حيل الغلابة مقطوع ويثورون علي الغُلب بإنجاب الكثير من الأطفال، هذه القناعات عجلت بموت أمي مبكرا، فقضت نحبها صغيرة قبل أن تكمل عامها الرابع والثمانين. لم يحفظ رجال التاريخ أن أمي درست في معاهد حزبية أو انضمت إلي حزب سياسي حاكم، كانت أمًا برية لا تجيد مراوغات أهل السياسة، تحب عاشقي الحياة وتكره صانعي الموت، عاقرت الحياة بثقافتنا الشعبية وصنعت ثورة فأنجبت عشرة من البنين والبنات، مات منهم ثلاثة فقط، هكذا فتحت أمي أبوابا نعبر بها الحواجز الثقافية بين الطبقات، نباهي الآخرين بعددنا ونقتتل عند كل طعام، وفي أول معركة دخلتها مع إخوتي حول توزيع ميراثنا في الدًار والطين، وجدت نصيبي مجرد حُطام يكفي مئة ثورة لجياع، ويثير ألف انتفاضة لمقهورين، فتفتيت الثروة جعل الناس في بلادنا أغلب من الغُلب، لا الفقراء يغتنون ولا السلاطين يتوقفون عن إفقار الجميع، وهكذا بدأنا نمارس ثورة أمي علي الملوك وقيادات الحزب الحاكم. كان الخلفية الفكرية لثورة أمي علي الغُلب، أن ملوك مصر يأكلون نهار كل يوم لحم طير وما يدعون من ورق عنب محشي باللوز وفول غارق في السمن البلدي، وفي كل مساء يأخذون مقويات وأصباغا تعطيهم الشباب والعافية، ويبقي دونهم كثير من المصريين، شبه أحياء مقتولين بالفقر، لباسهم خرق بالية لا تستر عوراتهم البائنة، وطعامهم لقيمات جافة لا تلحس معداتهم الخالية، هكذا يتزايد سكان القصور في ارض مصر، يعيثون في الأرض فسادا، ويحولون مجتمعها إلي ثلاث فصائل، فصيل طاغ من ملوك وملكات يورثون أمراء وأميرات، وفصيل من غلابة تصيبهم الحكومة بالعنة والعقم، وفصيل مطحون من عبيد ينجبون فقراء ولا يورثون أحد. ليس صعبا علي الغلابة أن يفهموا فتاوي السلطان في موضوع الزواج والطلاق وكيد النساء، الصعب هو أن يفتي فقهاء السلطان بحرمان الغلابة من غرائزهم الطيبة، فرغم تعدد صور الزواج عند السلطان من المتعة والمصالح والعرفي إلي المِسُيار والبوي فرند، إلا أن فتاوي أهل السلطان لم تخفض من زيادتنا السكانية، وبقيت مشاكلنا السكانية تحول ثقافيا دون التوازن بين طبقاتنا، هكذا يعاني مجتمعنا من سبعة ملايين فتاة مصرية يعشن واقع العنوسة ولا يقدر علي الاقتراب منهن ملايين من الرجال العاجزين. أريد فتوي سلطانية تشد حيلي الغلُبان، وتزوجني من ألف عانس تملكها يمين الحكومة، وأعد فقهاء السلطان بالبقاء في دائرة الغلابة حيا دون إنجاب.