أسئلة كثيرة طرحها عرض فيلم "المتعة والعذاب" بطولة : نور الشريف وسهير رمزي وسمير صبري وصفاء أبو السعود بالإضافة إلي شمس البارودي وراوية عاشور. وبحثنا لها عن إجابة لدي مؤلف الفيلم فيصل ندا فقال : في كل أعمالي أتوغل في المناطق الشائكة،سواء أكانت متعلقة بالنظام الحاكم ،كما في "هارب من الأيام" أو أزمة السكان التي كانت مشتعلة في تلك الفترة ،بالإضافة إلي المشاكل الاجتماعية مثل التدهور الحاصل في دور الرعاية الإصلاحيات والتي قدمتها في فيلم "الضحايا"،بل يمكنني القول إنني أول من نبه إلي ظاهرة الهروب بقروض البنوك،كما في فيلم "قضية سميحة بدران"،وبالتالي لم أجد صعوبة في رصد ظاهرة العلاقة الجنسية المثلية الشذوذ التي كانت موجودة بالفعل في المجتمع المصري،ووجدت ضرورة في إلقاء الضوء عليها بدلاً من تجاهلها،وهذا ما فعلته في فيلم "المتعة والعذاب" برقي شديد ،ومراعاة للآداب العامة ،وتقاليد المجتمع،ومن يشاهد الفيلم سيدرك أنني اكتفيت بالإيحاء بوجود علاقة جنسية بين البطلتين لكنني لم أجرح مشاعر أحد علي الإطلاق،بدليل أن الرقابة لم تعترض علي مشهد واحد في نسخة الفيلم،علي الرغم من أننا كنا نعيش عصر التعنت الرقابي،وحتي بعد نزول الفيلم إلي دور العرض التجارية لم يحدث أن اعترضت عليه الصحافة أو طائفة واحدة في المجتمع،ولم يلجأ مواطن واحد إلي رفع دعوي قضائية ضد الفيلم أو أحد من صناعه،بعكس ما يحدث اليوم،وهو ما يعني أننا بمقدورنا تقديم المشاكل الشائكة للمجتمع بشرط أن تأتي المعالجة راقية وتُقدم بشكل لا يخدش الحياء .أما اليوم فالرقابة تخلت عن مسئوليتها،وخففت قبضتها كثيراً،وبالتالي تركت للمنحرفين العبث بقضايا المجتمع،وفي ظنهم أنهم يثيرون قضايا حساسة ،بينما هم في واقع الأمر يصنعون "أفلام بورنو"،ولم يتعلموا من فيلم "عمارة يعقوبيان" الذي قدم العلاقة المثلية بين خالد الصاوي وباسم سمرة بشياكة واحترام للجمهور. ومن ناحيته يؤكد الكاتب والسيناريست ممدوح الليثي أن الأمر لم يقتصر علي فيلم "المتعة والعذاب"،وبرهن علي هذا بقوله : "فترة السبعينيات شهدت تقديم عدد غير قليل من الأفلام الجريئة،التي تطرقت لكل شيء بما فيها "الشذوذ الجنسي"،فرأينا فيلم "حمام الملاطيلي" 1973 و"الحب تحت المطر" 1975 لكنها الجرأة المسئولة ،التي لا تعرفها بعض الأفلام التي تنتج اليوم،بالإضافة إلي الشكل المحترم والأسلوب الراقي والطريقة "الشيك"، التي كانت السينما تعالج به القضايا الشائكة،ولهذا لم يتضرر أحد أو يجأر بالشكوي من فيلم ما،فقد كتبت سيناريو وحوار فيلم "الحب تحت المطر" إخراج حسين كمال عن قصة للكاتب الكبير نجيب محفوظ ، وتضمن أيضاً مشهداً لعلاقة بين الفنانة سميرة محسن وامرأة أخري،لكن أحداً لم يشعر بالاشمئزاز أو الضيق من المشهد،بعكس ما يحدث اليوم حيث تغير مفهومنا لكلمة "العيب"،وما كنا نتأذي منه في الثلاثينيات والأربعينيات أصبح عادياً ومسموحاً به الآن. ومرة أخري أشير إلي فيلم "أبي فوق الشجرة" و"ثرثرة فوق النيل" بما تضمناه من قبلات ومشاهد جريئة ،وعلي الرغم من هذا استقبل الفيلمان بالكثير من الحفاوة والترحاب بما يعكس العقلية الواعية التي تحكم المجتمع وقت إنتاجهما". أما المخرج داوود عبد السيد فيقرأ الظاهرة بقوله : "الرقابة رد فعل المجتمع،بمعني أن ما يصدر عن الناس يجد له صدي في أفعال وقرارات الرقابة،وما رأيناه من فارق بين استقبال مجتمع السبعينيات لفيلم "المتعة والعذاب" واستقبال مجتمعنا للأفلام التي تنتج اليوم،يمكن تفهمه إذا ما عدنا إلي الملابس التي كانت ترتديها الممثلات في تلك الفترة،وما ترتديه ممثلاتنا في الوقت الراهن؛فهناك تغيير أصاب المجتمع بالفعل بدليل أن بعض الطوائف تنبري للهجوم علي الفيلم من قبل أن يعرض (!) لكنني أري أن أفلام السبعينيات سخيفة وتناقش قضايا للتسلية والتجارة بينما الأفلام الحديثة التي ناقشت المثلية الجنسية يمكن احتمالها كثيراً. وفي كل الأحوال علينا أن نعلم أن هناك فئات وطبقات أكثر تحرراً لكن "المتزمتون" بيننا ،وبكل أسف، هم أصحاب الصوت الأعلي. ويبدو الكاتب هاني فوزي وكأنه أصاب كبد الحقيقة عندما أرجع ما حدث في السبعينيات وما يحدث اليوم إلي نقطة مهمة حددها بقوله :"السبعينيات لم تعرف موجة المد الأصولي،ولم يعرف المجتمع المصري وقتها الفكر المتطرف الذي سيطر علي عقول الطبقة المتوسطة في وقتنا الحاضر،بعد عودة المصريين الذين سافروا للعمل في الخليج وعادوا بأفكار رجعية كانت سبباً في هدم ومسح عقلية الإنسان المصري،فنحن نعيش اليوم التخلف بمعني الكلمة بدليل أننا نتحدث عن الحرية التي كانت سائدة في أفلام زمان،وهي حرية لا تُسئل عنها الرقابة ،لكنها نتاج عقلية المجتمع الذي يطالب اليوم بوجود واستمرار الرقابة،وهو ما يبرهن علي تغير طبيعة المجتمع،وأنه أصبح منغلقاً". وأخيراً تطرح الناقدة خيرية البشلاوي وجهة نظرها بقولها:" لأن مجتمع السبعينيات لم يكن متشدداً أو محافظاً مثل مجتمع اليوم لم تلفت أفلام ،مثل "المتعة والعذاب" الذي لم تتح لي الظروف مشاهدته،اهتمامنا ،كما أن أفلام الأبيض والأسود كانت "مستورة" بينما أفلام الألوان فيها فجاجة وتنشر الرذائل،ومما لا شك فيه أن مجتمع اليوم صار أكثر تحفظاً،وإن كنا نعرف أنه تحفظ شكلي،كالتدين الشكلي الذي نعيشه،لكن المفارقة أنه في ظل هذا التحفظ وإدعاء التدين،زادت حالات الفساد علي المستوي الأخلاقي والسياسي، ولفت الشذوذ أنظارنا لأنه تحول من حادث فردي إلي ظاهرة عامة،وعلينا أن ندرك أن المسألة الجنسية لا تنفصل عن المسألة الأخلاقية،وعلينا أن نعرف أيضاً أن السماوات المفتوحة غيرت المعايير والمفاهيم الأخلاقية،وراح بعض أصحاب الأفلام التي أنتجت حديثاً يزعمون أنهم يحطمون "التابوهات"،وأسهمت الأخلاقيات السائدة في المجتمع في الترويج لهذه النوعية". سامية عبد القادر