فليعذرني القاريء الكريم .. لم أستطع أن أفي بوعدي ويكون مقالي اليوم كما وعدت منذ مقالي السابق لاستكمال قراءة البحث القيم والعظيم لكاتب قدير وباحث رصين هو عبدالرحيم علي عن "كشف البهتان.. الإخوان المسلمون. . وقائع العنف . وفتاوي التفكير " والذي قد وعدت من خلال مقالي السابق أن نستمتع سوياً بالتحليق في الفضاءات الفكرية والتاريخية التي أمسك بها هذا الباحث القدير عن تاريخ الجماعة الضالة.. جماعة الإخوان المسلمين .. فما دفعني للتخلي عن هذا الوعد .. هو الحوار الذي أجرته "نهضة مصر" مع الدكتور منير مجاهد الرئيس السابق لموقع الضبعة النووي، والذي نشر الثلاثاء قبل الماضي في العدد نفسه الذي يحتوي علي مقالي الاسبوعي.. ولكني للاسف لم أقرأه إلا بعد وعودي في المقال السابق، وذلك لكثرة المؤجلات من قراءة الصحف والمطبوعات التي تتكاثر ولا نستطيع ملاحقتها ومتابعتها نظراً لظروف الحياة التي يعيشها كل منا.. وعذرُ مستحق للصحيفة المستنيرة ولصاحب الحوار الذي أنار المناطق المظلمة حول مشروع مصر النووي.. وعذر " ثالث" مقدما مستحق أيضا للقاريء بأنني لن أقل شيئاً في هذا المقال ولكني سأكتفي بتسجيل فقرات أعتقد أنها دالة مما أفصح به العالم المصري في حواره مؤمنا بأنه أدل من أي تعليق أو تحليل أو تدخل .. وبعد كافة الاعتذارات السابقة.. هناك مجموعة من البديهات أتصور أنها غاية في الأهمية بخصوص قضية هذا المقال وقد كان لكاتب هذه السطور موقف واضح فيما يخصها. وقد كتبها غير مرة في هذه المساحة.. أولها ما علاقة الديمقراطية بالتنمية، وما علاقة التنمية بالبحث العلمي، وما علاقة البحث العلمي بالفقر؟ وهل هناك ما يمنع أن تتقدم علمياً وتكنولوجيا ونووياً في ظل مجتمع محدود الموارد المالية.. .والآن فهذا ما قاله العالم المصري الجليل منير مجاهد ببعض التصرف في التتابع: إن هناك حملة سخيفة وخطيرة.. ومن الممكن أن تجهض البرنامج النووي للمرة الرابعة، والحقيقة أنه كلما بدا أن البرنامج النووي المصري علي وشك الإقلاع يأتي من يحاول بحسن نية أو سوء قصد إعاقة الانطلاقة كي نظل في أماكننا نلوك الحجج والحجج المضادة دون أن ننفذ أي شيء. ففي الأمس القريب استطاعت التدخلات السياسية الأمريكية أن توقف البرنامج النووي لأنهم كانوا يريدون أن يفرضوا تفتيشاً كليا، ولكننا رفضنا وصدقنا علي معاهدة حظر الانتشار النووي. الجدال حول الضبعة لم يتوقف منذ ثلاثين عاما، وهناك لوبي اقتصادي لا يري من الشواطيء المصرية سوي القري السياحية ومراسي البواخر فقط. المناطق التي تصلح لإنشاء محطات نووية في مصر وفي معظم دول العالم محدودة، لأنها تتطلب العديد من الاشتراطات يصعب أن تتجمع في موقع واحد، وحينما يقول الخبراء وآخرهم الاستشاري النووي الذي تعاقدت معه هيئة المحطات النووية أن الموقع يصلح لإنشاء محطة نووية ويضعونه في قمة المواقع العالمية، فإنه يصلح بالفعل. ما جدوي اختيار موقع آخر غير الموقع الذي أجريت عليه دراسات كثيفة طوال 30 سنة وكلفت الدولة أكثر من 800 مليون جنيه، كما إننا سنحتاج إلي ما لا يقل عن خمسة أعوام قبل أن نستطيع القول إن هناك موقعا آخر يصلح أو لا يصلح لإنشاء محطة نووية آمنة، وإذا افترضنا أننا وجدنا موقعاً بديلاً للضبعة فإن الشعب المصري لن يستطيع تحمل التكلفة الإضافية الباهظة الناتجة عن استخدام وقود احفوري متمثل في المنتجات البترولية والغاز الطبيعي طوال الفترة التي ستستغرقها الدراسات اللازمة لتأهيل الموقع الجديد. فنهر النيل له طبيعة خاصة جداً كشريان لحياة 85 مليون مصري ويعتمد عليه اعتماداً كلياً في الزراعة والشرب والصناعة، وقد اتخذ الخبراء قديما قرارا بألا يتم إنشاء محطات نووية علي نهر النيل وكان قراراً صائباً علي الأقل بالنسبة للمحطات النووية الأولي فنحن لا نضمن أبداً ماذا يمكن أن يحدث أثناء دورة التبريد، كما أننا نمتلك أراضي شاسعة، وشواطيء تبلغ أكثر من 3000 كيلو متر، ولكن رجال الأعمال ورجال السياحة لايرون سوي شواطيء الضبعة التي لا تزيد علي 15 كيلو متراً. إن السيناريو الذي وضعه اللوبي الاقتصادي للاستيلاء علي موقع الضبعة محكم جداً، وأنا تنبأت بهذا السيناريو منذ أكثر من ثلاثة أعوام والحقيقة المفزعة أن هذا السيناريو يتم إعداده لتصفية البرنامج النووي المصري، وإذا وافقنا علي هذا الاقتراح سيستغله رجال الأعمال أسوأ استغلال، لأنهم وفقاً للسيناريو سيتعللون بإحياء البرنامج والحاجة لتمويل ضخم تحصل عليه ببيع موقع المحطة النووية بالضبعة، واستخدام هذه الأموال في إنشاء المحطات النووية في مكان آخر، وطبعاً ستكون هذه وسيلة جديدة لتنفيذ المخطط القديم بتصفية البرنامج النووي. بدلا من الصراع بين رجال الأعمال ورجال الطاقة الذرية، يمكنهم أن يتبادلوا الاستفادة من موقع الضبعة، فموقع الضبعة ضخم جداً ويمكن أن يحتوي علي مفاعلات الطاقة والقري السياحية معا، وهناك بلاد متقدمة قامت بذلك، في السويد وبلجيكا وفرنسا لديها مفاعلات نووية وسط المدن والملاهي وقريبة من القري السياحية. أمان المحطات النووية حقيقة يعرفها السائحون الذين يأتي معظمهم من بلدان تستخدم المحطات النووية لتوليد الكهرباء ولتدفئة الضواحي السكنية، ويعلمون بوجود مناطق سياحية وسكنية متاخمة لمحطات نووية وفي ضوء ثورة المعلومات الحالية يمكن لأي شخص أن يدخل علي موقع جوجل إيرث ويشاهد بنفسه مواقع المحطات النووية بالبلدان المختلفة وأن يحصل من الإنترنت علي صور لشواطيء سياحية متاخمة لها. دائماً يشوهون أي إنجازات وقديما قالوا عن مشروع السد العالي العظيم لا يتعدي شوية ميه وشوية كهربة، وقناة السويس مجرد ترعة تصل البحرين الاحمر والأبيض، وحديقة الحيوان شوية حيوانات وشجر ويجب نقلها لاستثمار موقعها عقاريا، لا يعلمون أن برنامج المحطات النووية المصري لا تقتصر أهميته علي توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، بل تتعداه إلي عدد كبير من الفوائد مثل الحفاظ علي موارد الطاقة البترولية وهي موارد ناضبة وغير متجددة ولذا يجب التعامل معها بحرص وحكمة حتي لا نحرم الأجيال القادمة من مصادر هامة للتنمية المستدامة والمستقلة، خاصة مع محدودية مصادر الطاقة البترولية في مصر، وعدم وجود مصادر يعتد بها من الفحم واستغلال معظم الطاقة المائية المتاحة، ورغم وجود إمكانيات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح فإن هذه الطاقات المتجددة ما زالت غير اقتصادية لتوليد الكهرباء بالقدرات الكبيرة التي تتيحها المحطات التقليدية أو النووية، وذلك بسبب عدم انتظامها وانخفاض كفاءتها، وبالنسبة للطاقة الشمسية يضاف إلي ذلك الحاجة إلي منظومات تحكم معقدة وباهظة التكلفة لتتبع حركة، الشمس ومنظومات لتخزين الطاقة الشمسية لاستخدامها ليلا. إن تطوير الصناعة المصرية لن يتم إلا من خلال برنامج طويل المدي لإنشاء المحطات النووية تتصاعد فيه نسب التصنيع المحلي طبقاً لخطة واضحة وملتزم بها، مما سيحدث نقلة ضخمة في جودة الصناعة المصرية وإمكانياتها ويزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية بسبب المعايير الصارمة للجودة التي تتطلبها صناعة المكونات النووية والتي ستنتقل بالضرورة إلي صناعة المكونات غير النووية التي تنتجها نفس المصانع، مما يحقق هدفين عزيزين علي قلب كل مواطن وهما تعميق دور الصناعة في تنمية مصر وزيادة الصادرات المصرية مما يقضي علي البطالة ويرفع مستوي معيشة الشعب، وهو ما فعلته دول أخري كالهند وكوريا الجنوبية. سيحقق البرنامج النووي المصري قدراً من التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل من خلال ما يسمي بالردع بالمعرفة فبرنامج طموح للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وإنشاء محطات قوية نووية قادر علي أن يسد هذه الفجوة، ولسنا بحاجة للتدليل علي أن هناك دولا متقدمة في التكنولوجيا النووية السلمية ولا تمتلك أسلحة نووية مثل ألمانيا واليابان أقوي بما لا يقاس من دول نووية مثل الهند وباكستان..هنا خلص الكلام خلاص.. انتهي كلام العالم المصري.. وبقي قرار الإدارة السياسية بأهمية إحياء المشروع النووي المصري " السلمي" نعم "السلمي" ولامجال للعبث في حق الأجيال القادمة من أن تري مصر "العظيمة" إحدي قلاع العلوم العصرية وكفانا شاليهات وترسانات خرسانية علي شواطي مصر الساحلية.. فهل آن الأوان أن يكون المشروع النووي المصري واقعاً.. كما أصبحت الكتل الخرسانية واقعاً علي شواطيء مصر...