أتساءل ونحن علي أعتاب الإجازة الصيفية وعودة الطلبة لممارسة الرياضة بشكل منتظم... لماذا لم يعد لمصر وجود رياضي كما كان لها يوما في الأولمبياد والمسابقات الدولية؟!... لماذا لم يعد التألق الرياضي سمة تقترن بالشعب المصري؟!... هل هو عدم وجود الإمكانيات؟ أم غياب الدافع؟ أم عدم توافر المدرب المحترم؟ أم اتساع دائرة المنافسة غير الشريفة؟!..إنها كل هذه الأسباب مجتمعة...والنتيجة واحدة...في كل مرة نكتفي بالتمثيل المشرف!!.. تبدأ المأساة الحقيقية من النادي...لقد كان يوما التقاط الرياضي الذي يصلح للعبة وظيفة لا تختلف كثيرا عن وظيفة الرادار الذي كان هو الدور الرئيسي للمدربين والمشرفين علي الأنشطة الرياضية في النوادي...أتذكر جيدا أننا لم نكن نسعي للعبة ولكنها كانت تسعي إلينا، ولم نكن نجري وراء الالتحاق بالفريق فقد كان الفريق هو الذي يجري وراء من يستحقه... في الماضي غير البعيد كان الإنضمام للفرق الرياضية عن طريق مكتب الأنشطة الرياضية بالنادي وكان هو المُكلف بعمل دورة للطفل علي الألعاب المختلفة بطريقة متماثلة والمطلوب من مدرب كل لعبة بعد الملاحظة والمتابعة للاعب اختيار من يصلح للعبة ومن تتوافر لديه شروط التفوق فيها...إذن كان المدرب صاحب الدور والسطوة والقرار الأخير ولم تتدخل واسطة ولا محسوبية ولا رؤساء مجالس إدارة النوادي!!... إن دور المدرب كان صائبا لإن إختياره عادة ما يقوم علي أسس واضحة وبناء علي أخلاقيات وقيم تحدد ملامحة، فهو دائما ما يكون جامعي متبرعا بوقته وجهده من أجل خدمة الرياضة، لا يشترط أن يكون خريج تربية رياضية ولكن شرطاً أساسياً أن يكون نزيها وعلي مستوي إجتماعي محترم حتي يتسني له أن يكون في النهاية عزيز النفس، قويم السلوك قادراً علي إتخاذ قراره دون مؤثرات خارجية... كان للمدرسة أيضا دور هام في تشجيع الطفل الرياضي عن طريق إتاحة الفرصة له ليلتحق بالبطولات وتكريمه حين يفوز وتخفيف الحمل الدراسي عنه قدر المُستطاع.. أما اليوم فقد تغير الوضع واختلفت الصورة حيث دخل أولياء أمور اللاعبين في منافسة غير شريفة وأصبح التحاق أبنائهم بالألعاب الرياضية شكل اجتماعي يجب تحقيقه تماما مثل جمل نتشدق بها للتباهي علي شاكلة (أصلي لسة راجع من الجيم!) أو (مش حاقدر أصلي عامل دايت!)... أصبحت الأمهات تتفوه بجملة (إبني عنده تمرين) وكأنه عنده حصبة!!...هل هن فعلا وراء الرياضة؟!.. أم أنها نفس فكرة المنافسة والغيرة غير المُبررة من زملاء الدراسة وزملاء العمل وحتي من الأقارب، لقد تحول كل شئ في مصر إلي منافسة محمومة قد تصل أحيانا إلي حد المنافسة المسمومة...وأصبح المدرب يقبل من الأمهات أقوالا تصل إلي حد (واشمعني ابن مديحة في الفريق وابني لأ)!!!... بالطبع هذا الجو غير الصحي للمنافسة بين الأهالي هو مرتع خصب لنمو المؤامرات والمشاحنات...ونظرا لأن كل من هب ودب اليوم أصبح من حقه الانضمام إلي جماعة المدربين...وفي ظل غياب الرقابة اللصيقة من النوادي علي المدربين في النواحي السلوكية فقد ترعرع ونما نبات شيطاني آخر هو الابتزاز!!.. كما ساعد علي ذلك أيضا أعداد الأطفال المهولة المُنضمة إلي الفرق لتختفي الاستفادة الحقيقية ويحل محلها التواجد غير المُجدي للاعبين، وظهر ما يسمي بالفريق (أ) و(ب) و(ج) ومجموعة منبثقة من مجموعات، وفرقة من فرق...ولا شهادات الإستثمار!!... وبالتالي فأولياء الأمور يتزاحمون علي الألعاب ثم يتقاتلون من أجل دخول الفريق فيلجأون إلي الوسائل الشريفة وغير الشريفة...مثل الحصول علي تأشيرة أحد أعضاء مجلس إدارة النادي في محاولة للزج بالطفل في لعبة لا يجيدها ولا حتي يحبها ...أو محاولات التودد بكل الطرق للمدرب عل وعسي أن يرق قلبه ويأخذ أبنهم أو إبنتهم في فريق النادي وتتعدد أشكال التودد فهي أحيانا خدمات شخصية وأحيانا نفحات مادية وأحيانا هدايا عينية وفي أغلب الأحيان اللجوء إلي الدروس الخصوصية!!! أي والله يا سادة هذا هو ما يعرف بالحصص الخاصة التي يجرك إليها المُدرب بحجة التميز بين الأخرين فيبلع الأهالي الغلابة الطُعم...وصدقوني لو قلت لكم أن الحصص الخاصة إمتدت من السباحة والتنس لكونها ألعاب فردية إلي حد كرة السلة والكرة الطائرة والجمباز...واللي يعيش ياما يشوف!!.. أصبح البيت المصري يقضي يومه بين النحت في الصخر من أجل التعليم صباحا والجري علي النوادي والملاعب مساء...فلا طالوا عنب الشام ولا بلح اليمن!!!... إن صناعة البطل الرياضي تعتمد في المقام الأول علي الموهبة ولو لم يكن هذا صحيحا لما كان هناك محمد أبو تريكة هذا البطل صاحب الخلق الرفيع والقدم الذهبية والروح الرياضية العالية...لم يكن أبو تريكة عضواً في ناد ولم تكن والدته تتدخل في تشكيل الفريق القومي ولكنه بإيمانه وقناعة والديه وتربيته المحترمة استطاع أن يصبح مثلا يحتذي به.. يجب علي كل الجهات المعنية بالرياضة في مصر أن تتكاتف من أجل صُنع بطل رياضي...فالبيت يجب عليه إعطاء الدفعة والإيمان بقدرة الأبناء وعدم الضغط عليهم للاستمرار في طريق مُجبرين عليه..الآباء يجب أن يقتصر دورهم علي التوجيه والتكاتف من أجل القضاء علي ظاهرة الفساد الرياضي المستشري بين المدربين...والنادي يجب أن يكثف المتابعة علي المدربين واختيار ذوي الموهبة والخُلق لهذا الدور بغض النظر عن الشهادة، ويجب أن يصبح المعيار الوحيد للالتحاق بالفريق هو الكفاءة، والمكيال الوحيد للكفاءة هو الموهبة... أما المدرسة فيجب أن تعود بها حصة التربية الرياضية كما كانت يوما وكما هي في كل دول العالم فرصة لاقتناص الموهوبين وخلق صف أول من الرياضيين قادرين علي المشاركة وتحقيق النجاح وليسوا مجرد أعضاء في جماعة التمثيل المُشرف...