الجرأة عندها تعني اختيار العمل الذي لا يسير في ركاب العادي، والمألوف.. والفن لديها لا يخضع لحسابات الشهرة والنجومية.. والأهم أن "بسمة" ليست من نوعية الممثلات اللاتي "يلعبن في المنطقة الرمادية"، وأبداً لا تنافق تيارا أو تخشي فصيلا في المجتمع، مهما كانت سطوته أو ارتفع صوته، بل تختار خطواتها بثقة ملحوظة، ووعي يتأكد من حين إلي آخر، وربما لكل هذه الأسباب احتفظت لنفسها بمكانة متفردة بين بنات جيلها، وإضافة إلي موهبتها فهي من نوعية الممثلين الذين يرتاح إليهم كبار المبدعين، والدليل في تجربتها الأخيرة مع المخرج الكبير داوود عبدالسيد في "رسايل البحر". المحرر يتساءل الكثيرون عن الظروف التي جمعت بينك وبين المخرج الكبير داود عبدالسيد؟ لا أبالغ عندما أقول إنني كنت أحلم بالتعاون مع مخرج بقدر ومكانة وقيمة المخرج داود عبدالسيد، وعندما فاتحني في أمر الاشتراك معه في فيلم "رسايل البحر" أيقنت أن أمنيتي تحققت. ألم يدهشك اختياره لك لتجسيد شخصية "نورا"؟ وكيف امتلكت مفاتيحها؟ "نورا" شخصية تختلف تماما عن كل ادواري التي قدمتها من قبل، وهذه في رأيي إحدي الميزات الكثيرة للعمل في الفن، حيث يصبح بمقدورك، أن تعيش حياة شخوص كثيرة قد تتناقص مع بعضها، أو تختلف لكنها تخلق في النهاية متعة لا تتاح لكثيرين، أما مفاتيح الشخصية فقد امتلكتها، إن جاز لي أن أقول هذا، عقب المناقشات والجلسات التي دارت بيني وبين الأستاذ "داوود"، ومن خلالها اكتشفت أشياء كثيرة متعلقة بالشخصية، وعرفت الكثير مما يريد الاستاذ توصيله من خلال شخصية "نورا" وأتمني أن أكون قد وفقت في مهمتي. لكن التركيبة المثيرة لشخصية "نورا" دفعت الكثيرين للشك بين كونها "عاهرة" أو"ضحية" مجتمع ذكوري؟ - "نورا" أيقنت في داخلها أن ما يربطها وزوجها "العرفي" ليس سوي "زواج متعة" وأنها موجودة في حياته لاشباع رغباته ونزواته بطريق شرعي، وعلي الفور اعتراها شعور باحتقار نفسها، وأنه ليس هناك فارق كبير بينها "والعاهرة"، فهي تتصور أنها تبيع جسدها لرجل متزوج وله حياته الأخري في القاهرة بينما تجد نفسها مجبرة علي أن تمنحه نفسها في الإسكندرية مقابل بعض الأموال والهدايا. أصحاب النظرة الأخلاقية لايجدون فيما تعانية "نورا" مبرراً لخيانتها؟ - وأنا أتفق معهم، فليس هناك أي مبرر في الدنيا يدعو إلي الخيانة، لكن لاينبغي أن نتجاهل المشاكل والاضطرابات النفسية التي تعانيها"نورا" جراء تلك الزيجة التي أدت إلي تعاستها، فهي التي تعمدت الإيحاء لزوجها بأنها "عاهرة" لتوهم نفسها بأن عشاقها كثر وتصيبه بألم نفسي، وكأنها تثأر لنفسها، لكن ارتباطها ب "يحيي" - آسر ياسين - هو أشبه بعلاقة قدرية وجدت نفسها في مواجهتها، ولم تستطع أن تقطعها، فقد قاومته، وأثارت استفزازه ليكرهها بتعميق الشعور لديه بأنها "عاهرة" إلا أن تمسكه بها فاق خيالها. حدثينا عن شعورك لحظة أن وافقت علي الفيلم رغم صعوبته وجرأته؟ - لم يكن هناك أي خوف أو تردد أو قلق من أي نوع، فقد كنت مقتنعة تماماً بالفيلم ورسائله، والدور ومايريد قوله، وربما تختلف عملية تلقي رسائل الفيلم من شخص إلي آخر، لكنني سعيدة بالتجربة، لأنها صادقة، واختلاف التلقي يعود إلي اختلاف الوعي والثقافة لدي المتلقي. وماهي "رسائل البحر" في رأيك؟ - أهم الرسائل: توضيح أسس العلاقات بين الناس، والتي تجعل العلاقة تستمر أو تنهار، فالواجب يحتم عليك أن تقبل الآخر كما هو، ولا تلجأ إلي فرض أفكارك أو شخصيتك عليه"يعني تشكلهم بمزاجك" فإذا اقتنعت بهذا الدور، استقامت علاقاتك مع الآخرين، ويري كل إنسان ذاته بطريقة صحية، ووقت ان يصلح الاشخاص أنفسهم يصبحون أكثر سعادة وهدوءاً نفسياً. كيف كان تعاملك مع المخرج داوود عبدالسيد؟ - في كل الأحوال هي تجربة مهمة في حياتي تعلمت منها الكثير علي الصعيدين المهني، والإنساني، فهو لا يبخل بخبراته علي من حوله، ودائماً مايفتح مجالاً للحوار المثمر، وهو أمر إيجابي ومفيد للغاية، وأعترف بأنني استفدت من اقترابي معه بشكل كبير. هل خشيت التيار الذي اتهم الفيلم بأنه يقدم مشاهد جريئة؟ - لا ينبغي علي أي تيار أن يحكم علي العمل الفني من منظور اخلاقي، وعندما نقدم مشاهد من الحياة فنحن ندرك الخط الفاصل بين الابتذال والرقي، واتصور أن ماقدمناه في "رسايل البحر" كان الرقي في معناه الواسع بشهادة كل من شاهد الفيلم. وماذا تقولين عمن رآك مؤهلة لتجسيد أدوار الإغراء بعد دورك في "رسايل البحر"؟ - لقد قالوا هذا أيضاً بعد دوري في فيلم "النعامة والطاووس" ودوري في "ليلة سقوط بغداد"، ومثل هذه الآراء لا تهمني إطلاقاً، لأنني أكره التصنيفات التي من هذا النوع ولا أحب من يدعي أن هذه الممثلة "كوميديانة" أو تلك "فتاة اغراء".. وإن كنت لا أنكر أن دور "نورا" في "رسايل البحر" أوحي بالاغراء لأنها كانت أنثي بحكم ظروفها، لكنني اختلف مع أولئلك الذين يتعاملون مع الأفلام من منطلق "الكبت الجنسي"، وليس ذنبي أن البعض يذهب إلي دار العرض وكأنه مؤهل لمشاهدة فيلم "بورنو" وأطالب هؤلاء بالبحث عن ضالتهم في "النت"، وألا يصدورا أحكاماً أخلاقية وهم أبعد الناس عن الإخلاق بل هم أقرب إلي "النعام الذي يدفن رأسه في الرمال"، فقد كانت سعاد حسني ترتدي "المايو" في أفلامها ولم يجرؤ أحد علي اتهامها بأنها "امرأة سيئة السمعة"! هل تريدين القول أن المجتمع تحكمه اليوم تيارات ظلامية؟ - بالطبع، فالتخلف يحاصرنا من كل جانب، وعلينا أن نبادر بإصلاح حال المجتمع ولا نكتفي بالوقوف في أماكننا "محل سر". كيف رأيت عبارة "للكبار فقط"؟ - العالم بأسره يعمل بنظام التصنيف العمري فهناك أفلام تحت 13 سنة، وأخري تحت 16 سنة وثالثة فوق 18 سنة، والمعيار في تحديد الفئة العمرية ليس متوقفاً علي وجود مشاهد جنسية فقط، بل يمكن أن يتعلق الأمر بمشاهد عنف زائدة أو لغة حوار إباحية، لكننا هنا نضع لافتة "للكبار فقط" بدون معايير، بمعني أنك لا تدري إن كانت الرقابة لدينا لجأت إليها لأن فيلم "رسايل البحر" يتبني أفكاراً صعبة لا تتناسب مع إدراك هذه الفئة العمرية(أقل من 16 سنة) أم لوجود المشاهد المثلية؟ في كل الأحوال لا يؤرقني هذا الوضع بقدر مايزعجني الحديث عن السينما النظيفة التي تخاطب كل أفراد الأسرة "يعني أقل من 13 سنة"، ففي مثل هذه المصطلحات استهانة بالمجتمع، واستخفاف بالفن ودوره، وتحقير لعقلية البشر من خلال الإيحاء بأن شبابنا- مثلاً - عاجز عن استيعاب قضايا وأفكار المجتمع، وهذا غير صحيح، فالرغبة في تقديم أفلام لكل أفراد الأسرة لايعني مطلقاً، ألا نقدم الأفكار العميقة. هل صحيح أن بينك وبين آسر ياسين كيمياء، تجمع بينكما؟ - هذا صحيح، والدليل هذا الانسجام والتوافق الكبير بيننا، فهو من الأشخاص الذين أحب طريقة عملهم، لأنه يبذل قصاري جهده ليصل إلي النجاح المنشود. وهل انت راضية عن خطواتك البطيئة؟ - جداً، فأنا عاشقة لسباق "السلحفاة والأرنب"، وأعرف أن خطواتي بطيئة لكنني راضية عما أحققه، ولا أدخل عملاً بدون تفكير متأن ودراسة مستفيضة وتركيز كبير، ولا يهمني أن أعمل بكثرة قدر ما أنظر إلي جودة العمل نفسه.