قال المستشار ادوارد غالي الدهبي ورئيس مجلس الدولة الأسبق .. "إن قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة يتسم بالأنانية ويغلب عليه الطابع الشخصي"... نعم إنها هيمنة للمتطرفين علي قرارات الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة الذين رفضوا تعيين المرأة كقاضية ... في مرحلة البحث عن أسس الدولة العصرية والمجتمع المفتوح وتفعيل أطر الحقوق المدنية والولوج لعصر يكفل الحريات علي كافة الأصعدة ... جاءت الصدمة الكبري لبنات صفية زغلول وهدي شعراوي ومي زيادة ونبوية موسي وروزاليوسف وسهير القلماوي ولطيفة الزيات وأم كلثوم وليلي مراد وأمينة رزق وحكمت أبو زيد وغيرهن كثر ... 87% من أعضاء الجمعية العمومية لمجلس الدولة يرفضون تعيين المرأة .. ضاربين بعرض الحائط الدستور المصري .. وحيثيات السادة الموقرين رجال القانون ما يلي: .. "إن ظروف المجتمع ونظرته الحالية لوضع المرأة مازال يفرض نفسه علي عدم تمكين المرأة قضائيا" .. "إن القضاء الإداري وما يمثله من عبء يصعب علي المرأة تحمله، لأن القاضي الإداري يقضي معظم وقت عمله في المنزل وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة التي يتركز دورها الأساسي في المنزل لرعاية الأسرة وهو ما يزيد من صعوبة تأديتها لمهمتين في مكان واحد" ... يا للعجب .. في عام 2010 يتحدث رجال القانون والمدنية عن الدور الرئيسي للمرأة وهو رعاية الأسرة ... سآخذ عبارة للزميل سيد علي كتبها في عموده بالأهرام السبت الماضي .. "علي مستشاري مجلس الدولة الذين رفضوا تعيين المرأة في القضاء التنازل عن شهاداتهم بحكم أن عددا من النساء درسن لهم في كليات الحقوق" ... والسؤال الموجه لعمومية مجلس الدولة وهم من العاملين ذوي الشأن الرفيع في إحدي مؤسسات القضاء الرفيعة، هل لا يدركون أن القضايا التي ستتوالي في أروقة المحاكم بعدم دستورية قراراهم ستحرجهم أمام الرأي العام .. وستقلل من كفاءة مؤسسة عريقة أخطأت خطأ جسميا في تطبيق مواد الدستور المصري المدني ... وأن قراراهم كان صورة صارخة من التمييز الذي يتعارض مع نصوص الدستور المصري .. وأنهم _ للأسف _ يشاركون في زيادة نسب التطرف والتمييز التي تجتاح بعض فئات المجتمع ... وأنهم _ أيضا وللأسف _ بهذا الإجماع يضربون إسفينا خطيرا في بناء الدولة المدنية الحديثة ... هل يصدق أحد أن تلاميذ السنهوري ينقلبون عليه .. فهذا المستشار العظيم رحمه الله هو الذي أصدر حكما مر عليه ما يزيد علي نصف القرن أعطي المرأة الحق في التعيين في القضاء، وقال إن هذا لا يخالف الشريعة الإسلامية ... والغريب أنه اتخذ هذا الرأي والقرار عندما كان رئيسا لمجلس الدولة ... الذي أصبح الآن مخترقا من أفكار التطرف والتمييز ... والأخطر الانقضاض علي الدستور والقانون .. والاعوجاج في تفسير الفوارق بين النوعين الرجل والمرأة ... ولنبدأ من البداية ... قبل أن نقول إن المرأة اعتلت أعلي المناصب .. "هذا التعبير الشائع" .. فلندع أنفسنا نتداعي ماذا تعمل المرأة ... المرأة أستاذة الجراحة العامة بكليات الطب التي تقف علي قدميها ساعات طويلة تجري أصعب واعقد الجراحات ... ثم بعد ذلك تذهب إلي ساحات الجامعة تلقي محاضراتها لطلبتها الذكور والإناث الذين يبحثون عن أعلي الدرجات ليعتلوا مكانتها في قسم الجراحة ... ثم بعد ذلك تذهب لبيتها لتقوم بدورها "المفروض عليها" .. المرأة أستاذة فن التمثيل في معهد الفنون المسرحية التي تقف ساعات طويلة يوميا تقوم بتعليم أبنائها من الجنسين فن التمثل عبر العديد من البروفات لتخرج أجيالا من المسرحيين "سواء الممثلين أو المخرجين" ... ثم تدخل قاعة المحاضرات تلقي دروسها من معين العلوم التي تعلمتها من مكتبات الفكر لأبنائها من الجنسين .. ثم تذهب لبيتها لتقوم بدورها "المفروض عليها" ... المرأة المذيعة التي تتصدي لقضايا مجتمعها الملحة والضرورية بكفاءة ومهارة تحت إضاءة ومكياج شديد الصعوبة لمدة ساعات وساعات لتخرج للجمهور برامج تخاطب احتياجات وتناقش مشاكل مجتمعها من الجنسين ... ثم تذهب لمكتبها لتعد الحلقات القادمة .. ثم بعد ذلك تذهب لبيتها لتقوم بدورها "المفروض عليها" ... المرأة أستاذة الجامعة التي تقوم بتدريس أعقد العلوم وأصعبها في قاعات المحاضرات وتراجع وتصحح أبحاث طلابها بمنطق العلم وأدوات التفكير العلمي وأسس البحث العلمي عبر ساعات طويلة يوميا .. ثم تقوم بإلقاء محاضراتها لعشرات الطلاب الذين هم نواة صناع القرار السياسي في المستقبل القريب .. . ثم بعد ذلك تذهب لبيتها للقيام بدورها "المفروض عليها" ... اعتلت المرأة أعلي المناصب .. وتقلدت ارفعها ... المرأة الوزيرة .. المرأة أستاذة الجامعة .. المرأة عميدة ارفع الكليات مكانة وحصافة وفكرا وعلما .. المرأة رئيس لمجلس إدارة اعقد الشركات ... المرأة صاحبة الانجاز الرياضي في كافة مجالاته .. المرأة الشاعرة .. المرأة الأديبة ... المرأة الناقدة ... المرأة رئيسة التحرير لأرقي المطبوعات .. المرأة السفيرة حاملة رسالة وطنها وإبرازها والدفاع عنها في الخارج ... المرأة المحامية .. المرأة الإعلامية ... ويبقي السؤال ... هل هناك أسباب قانونية وراء إجماع السادة مستشاري مجلس الدولة بعدم تعيين المرأة؟ فكما أسلفنا _ كلها أسباب اجتماعية هشة بالية خرقاء _ بل ومختلة .. أما عن الأسباب القانونية فهي لا توجد ... بل علي العكس كافة الأسباب والأسانيد القانونية كلها تؤكد حق المرأة في العمل بالقضاء ... وسأورد ما قاله أحد فقهاء القانون بجامعة الإسكندرية الدكتور فتوح الشاذلي .. "1- الدستور الذي يجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع لا يمنع عمل المرأة بمجلس الدولة، لأنه لا يوجد بين "مبادئ" الشريعة الإسلامية مبدأ يبرر حرمان المرأة من أي مهنة أو وظيفة، وما يوجد بشأن عمل المرأة في وظيفة أو أخري هو مجرد آراء فقهية قابلة للتغيير بتبدل الزمان، وهو ما لم ينكره الفقهاء الذين قالوا بهذه الآراء، كما أن الدستور المصري يؤكد المساواة بين المصريين في الحقوق دون تفرقة بينهم بسبب الجنس، وأهم هذه الحقوق الحق في العمل ... 2- لا يوجد في قانون السلطة القضائية أو في قانون مجلس الدولة أي نص يتطلب الذكورة فيمن يتولي الوظائف القضائية, ولا يجوز إيراد شرط الذكورة في أي قانون خاص بمهنة أو وظيفة، لأن هذا الشرط يكون مخالفا للدستور الذي أكد مبدأ المساواة بين الجنسين .. 3- إن اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة تلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي التمييز ضد المرأة في ميدان العمل، وقد صدقت مصر علي هذه الاتفاقية، ونشرت في الجريدة الرسمية فصار لها قوة القانون طبقا للمادة 151 من الدستور .. 4- لن نخوض في اعتبارات يثيرها البعض لحرمان المرأة من العمل القضائي، مثل اختلاف التكوين البدني والنفسي والعقلي للمرأة، ومشقة العمل القضائي، والاعتبارات الأخري المتمثلة في رعاية الزوج والأولاد، فهي اعتبارات لا تستاهل ردا، فالمرأة تعمل في وظائف ومهن أشق من العمل القضائي ولم يمنعها من ذلك تكوينها أو ضرورات رعاية أسرتها ... 5- وأخيرا لا يجوز التصويت علي مخالفة الدستور والقانون، فإذا كان الدستور يقرر المساواة بين الرجل والمرأة في حق العمل، فلا يكون هناك مبرر لاستثناء المرأة من بعض الأعمال بناء علي تصويت، لأنه لا اجتهاد مع صراحة النصوص ووضوحها في دولة يسود فيها القانون، ولو أن أي جهة أخري صوتت علي حرمان المرأة من تولي وظيفة أو مهنة أيا كانت، لحكم قضاة مجلس الدولة بإلغاء نتيجة هذا التصويت أيا كانت نسبة الذين وافقوا علي الحرمان، فقد كان مجلس الدولة وسيظل الملاذ الأخير الذي تلجأ إليه المرأة لحمايتها من كل تمييز ينتقص من حقوقها الإنسانية، ويحدونا الأمل في أن يأتي حل هذه القضية من داخل مجلس الدولة ذاته ..