لا يبدو في الأفق ترابط ثقافي كما في العلاقة بين مصر والمغرب، لكن هذه العلاقة باتت في حاجة إلي المزيد والمزيد. فالأجيال الشابة في المغرب وشائجها بمصر لم تعد بنفس قوة الأجيال السابقة، لكني رأيت السفير المصري في الرباط أبو بكر حفني ومساعده طارق دحروج يبذلان مجهوداً كبيراً لتأكيد الدور المصري بالمغرب المعاصر، فيكرم السفير في منزله وزير الثقافة بن سالم حميش، ويسعي لرموز المجتمع المغربي لكي يعيد بناء صورة مصر خاصة لدي الطبقة الوسطي. لكننا في حاجة إلي أن ندرك ضرورة أن تتوافر المطبوعات المصرية بالمغرب بصورة مكثفة، فالثقافة هي أقوي سفير لمصر في هذه البلاد، التي تتعطش دائماً لكتابات بهاء الطاهر وإبراهيم عبد المجيد، وابراهيم أصلان ومحمد المخزنجي من الأدباء وغيرهم من المفكرين والمثقفين. وللأسف فإننا لم نسع في مصر لرعاية المؤرخين المصريين المهتمين بالمغرب العربي كتخصص، فبوفاة الدكتور حسين مؤنس والدكتور السيد عبد العزيز سالم، وهما الرائدان اللذان احترمهما كل المؤرخين المغاربة، لم ندفع بالجيل الشاب من المؤرخين أبنائهم لكي يمثلوا مصر ثقافياً في المغرب العربي، فالدكتور محمد الجمل الأستاذ المساعد في جامعة الإسكندرية، وهو تلميذ السيد عبد العزيز سالم، فُضل عليه أستاذة كيمياء وهندسة وتخصصات لا تعرف من المغرب العربي سوي الاسم. ان من أشد ما يهدد علاقة مصر بالمغرب هو عدم وجود خط ملاحي، هذا المشروع الذي تحمس له المغاربة ولم تهتم به دراسة الدكتور عصام شرف لهذا الخط بالقدر الذي يوازي نمو الصادرات المصرية للمغرب والتي بلغت 4.6 مليون دولار، بينما وصلت واردات المصرية من المغرب 48.5 مليون دولار، هذه الأرقام ستتزايد بنسب بطيئة نتيجة لعدم توافر خط ملاحي منتظم، كما أن إغلاق الحدود الجزائرية المغربية من قبل الجزائر لا يضر فقط بالمغرب، بل يضر حركة التجارة والنقل والسيادة من مصر إلي المغرب. الروح المغربية المحبة لمصر ستجدها في كثير من الأماكن خاصة في مدينة فاس التي زرتها مؤخراً، بدعوة من الصديق الدكتور عبد الحق عزوزي في إطار أنشطة المعهد الاستراتيجي متعدد التخصصات، حيث ناقشت مع ثلة مختارة من كبار الإعلاميين العرب دور وسائل الإعلام في الحوار الحضاري، كان الحوار صريحاً إلي أبعد حد ممكن، فهناك اتفاق علي أن عولمة الإعلام تهدد هوية المنطقة العربية، فضلاً عن أن الفضائيات العربية يلعب بعضها دوراً في تفتيت المنطقة، فهي تركز علي ما يفرق العرب لا ما يجمع شملهم، كما أن هناك العديد من القضايا التي يجري تضخيمها إعلامياً علي حساب القضايا المصيرية. إن أكثر ما يثير الإعجاب في هذا الحوار ليس الحوار في حد ذاته، لكنه تضامن مجتمع فاس في تنظيم مؤتمر ضم شخصيات عربية ودولية، فبلدية فاس قدمت مساهمة، ومؤسسة روح فاس ساعدت ، وجامعات فاس أسهمت، وفنادق فاس قدمت غرفاً للضيوف ، ومطاعم فاس استضافت الضيوف، الكل يعمل من أجل أن تظهر مدينتهم بروح مختلفة عن غيرها من المدن. خلال المؤتمر، كُرم الدكتور عباس الجراري عالم اللغة العربية الذي تخرج في جامعة القاهرة، وطوال أحاديثه كان يتذكر دائماً مصر وكيف تلقي فيها العلم، وظلت صلاته قوية بمصر حتي حين عاد لها مستشارا ثقافياً في سفارة المغرب بالقاهرة عمق صلاته بمصر، وكان له دور كبير في مد جسور العلاقة بين الثقافة المصرية والمغربية. ولأن هذه الجسور يجب أن تكون ممتدة فقد تبنت مكتبة الإسكندرية حملة لدعم مكتبة فاسالجديدة، وهي مشروع طموح يسعي لتنفيذه الفاسيون بدعم من الملك محمد السادس ومستشار محمد قباج والدكتور عبد الحق عزوزي وحميد شباط عمدة فاس، فكلهم يدركون أهمية أن يكون بفاس مكتبة عصرية لها صلات قوية مع مكتبة الإسكندرية، وهكذا سيوجد لمصر لدي محبيها في المغرب سفارة جديدة لكنها ستكون سفارة لرعاية المعرفة والعلم.