وسط فرحتنا بإنجاز منتخبنا الوطني لكرة القدم في الحصول للمرة السابعة علي كأس الأمم الأفريقية، وللمرة الثالثة علي التوالي في إنجاز غير مسبوق، يجب ألا ننسي أن هناك أخوة لنا ما يزالون بلا بيوت، ويقيمون في مخيمات الإيواء، بعد أن أغرقت السيول ديارهم وشردتهم، ورغم الحفل الذي أقيم يوم الجمعة الماضي، بمناسبة فوز المنتخب بالكأس، وتخصيص دخله لضحايا السيول، إلا أن هذا جاء أيضا من أموال الشعب، ولم نر أحداً من فنانينا الكبار الذين يحصلون علي الملايين، أومن أصحاب الأموال يتبرع من ماله الخاص لبناء بيوت أو إعمار تلك التي دمرت. وقد قال رسولنا الكريم "محمد صلي الله عليه وسلم": "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" وما أكثر من لايهتم بأمر المسلمين في أيامنا هذه، رغم اشتداد البلاء، وكثرة الأدواء، وتراكم الهموم، وانتشار الغيوم، وتفشي الظلم، وسيطرة الفقر والحرمان، وهبوب عواصف الجوع والتشرد، وتفجر الصراعات والحروب بين أبناء الوطن الواحد. تلك الحروب التي تجد للأسف من حكامنا العرب من يصب عليها الزيت لتزداد اشتعالا، بدلا من أن يكون عامل سلام وتهدئة، وعنصر وساطة لحقن الدماء العربية المسلمة التي تراق بلا ذنب أو هدف، بينما العدو يتربص بنا، ويرقص علي نيران حقدنا وأجساد أطفالنا التي تشوي علي تلك النار الملتهبة دوما. حروب قذرة تلك الحروب القذرة خلفت وتخلف وراءها كل يوم الضحايا من قتلي ومشوهين ومشردين، في فلسطين، والعراق، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، والفلبين وفي كشمير، وغيرها من بلاد العرب والمسلمين، تزداد المعاناة، ويشتد الألم، ونحن نكتفي بمصمصة الشفاة، ومشاهدة الفضائيات تعرض صور أشباح وأشلاء بشر من نساء وأطفال هدهم الجوع، وحرمهم التشرد أبسط حقوقهم الإنسانية. يحدث ذلك رغم أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف سبقت مواثيق الأممالمتحدة وسائر المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، في حث الحكام وأغنياء المسلمين لرعاية منكوبي هذه الحروب وتوفير الحياة الكريمة لهم إلي أن تنكشف الغمة ويعم السلام ربوع بلادهم. ولكن للأسف انشغل الحكام العرب والمسلمين بعروشهم وتوريث حكمهم، وتمكين سلطانهم، وتركوا رعاية اللاجئين والمشردين والجوعي للمنظمات الدولية، ولسان حالهم يقول "اتركونا في حالنا نتدبر أمور عروشنا وتوريث ملكنا". ومهما قيل عن أهداف تلك المنظمات الدولية، وما يشوب ذلك النشاط من انتقادات، وتحميله مسئولية التبشير بدايانات أو سياسات مغايرة، يبقي الهدف الأول والأهم هو رعاية هؤلاء الذين هجروا من ديارهم وشردتهم الحروب والكوارث، فأين نحن كعرب ومسلمين منه؟ نعم الغرب سواء كانت بعض الدول الأوربية أم الولاياتالمتحدةالأمريكية، هي التي غذت تلك الصراعات وهذه الحروب، وبات لزاما عليها أن تدفع ثمن جريمتها، وترعي ضحايا سياساتها غير العادلة الظالمة، إلا أن الحكام العرب والمسلمين يتحملون المسئولية، ولابد أن يكون لهم دور في تأمين ورعاية وأمن اللاجئين والمشردين، وألا تجعلهم شهوة الحكم والسلطة ينسون واجبهم، وشعورهم بآلام المسلمين النازفة ليل نهار بعلمهم، فهم شركاء فيما وصلت إليه معاناتهم. مشاركات استعراضية ** وللأسف في الوقت الذي نجد فيه الفنان الأجنبي يبادر لتخفيف آلام معاناة اللاجئين والمشردين، حتي العرب منهم، ويقيمون الحفلات لجمع التبرعات، ويتسابقون في هذا النشاط الإنساني، حتي وصل الأمر ببعضهم إلي التبرع بثلث أموالهم الخاصة لصالح هؤلاء الضحايا، يغيب الفنانون العرب عن ساحة الفعل، ويكتفون بالمشاركة الاستعراضية، والوقوف أمام الكاميرات والإدلاء بالتصريحات، مثلما يفعل عادل إمام ومحمود ياسين ومحمود قابيل، وصفية العمري، وهند صبري ويسرا، ومن قبلهم حسين فهمي ودريد لحام وجمال سليمان، الذين استقالوا عندما وجدوا أن مشاركتهم في تلك الأنشطة لا جدوي منها. يبخل الفنان العربي عن المشاركة في التخفيف عن ابناء وبنات العرب بأمواله التي جمعها منهم، لأنهم أحبوه ولكنه لم يبادلهم حبا بحب، واكتفي بزيادة أرصدته في البنوك الأجنبية، يحدث ذلك في الوقت الذي يتبرع فيه الفنان الأجنبي بأمواله الخاصة، وبملايين الدولارات، فهذه انجلينا جولي تتبرع ب20 مليون دولار للمشردين والجوعي واللا جئين في أكثر من بلد منها بلدان عربية وإسلامية، وهذه إليزابيث تايلور تتبرع ب 25 ألف دولار لمستشفي في جنوب افريقيا لتمكينه من شراء الأدوية الضرورية لمعالجة حوالي مائة مصاب بالايدز، وكانت تايلور تبرعت ب 50 الف دولار لتوفير الأدوية لمرضي محتاجين في لوس انجليس، ومن قبلها فعلت ذلك ما دونا، ومايكل جاكسون وبراد بيت وغيرهم. سرقة الأضواء!! ** ونظرا لشهرة الفنانين وجماهيريتهم تلجأ المنظمات الدولية لاختيارهم لدعم أنشطتها الاجتماعية والخيرية، كسفراء للنوايا الحسنة، للقيام ببعض الأعمال الإنسانية، وهو تكليف تشريفي لمشاهير العالم من قبل المنظمات المختلفة للأمم المتحدة، وهي ليست صفة سياسية دبلوماسية كالتي يحملها سفراء الدول المختلفة لدي الدول الأخري. وأهداف هذا التكليف هي المساعدة في دعم مختلف القضايا التي تعالجها الأممالمتحدة سواء كانت اجتماعية أو إنسانية أو إقتصادية أو متعلقة بالصحة والغذاء. فالغرض من استخدام المشاهير أن شهرتهم تساهم في نشر الوعي والدعم تجاه هذه القضايا. ويمكن لهذا التكليف أن يكون علي مستوي دولي أو إقليمي أو محلي في نطاق دولة الشخصية الشهيرة. ومن بين الفنانين العرب الذين يقومون بهذه المهمة حاليا: عادل إمام، محمود قابيل، محمود ياسين، يسرا، خالد أبو النجا، وأخيرا هند صبري، ومن قبلهم جمال سليمان ودريد لحام، ومني واصف وسعاد عبدالله، وصفية العمري، الذين استقالوا احتجاجا علي بعض المواقف الدولية والإقليمية، ويأتي في مقدمة سفراء النوايا الحسنة من الفنانين الغربيين: أنجلينا جولي، أودري هيبورن، جاكي شان وصوفيا لورين، وغيرهم. ويكتفي بعض هؤلاء السفراء ومنهم العرب بالمشاركة الوجدانية، والزيارات التفقدية، دون أن يتحملوا أية أعباء مالية، وكأنهم يعملون طبقا للمثل الشعبي "زغردي يالي ما انتيش غرمانه" أوالمثل القائل "أبو بلاش كتر منه" فهم يستغلون تلك الفرصة من أجل الشهرة والمزيد من الأضواء التي كادت تنحصر عنهم، أي أنهم سفراء الشهرة وسرقة الأضواء، بينما نجد سفراء النوايا الحسنة في الغرب يقومون بأنشطة حقيقية، بل ويتبرعون من أموالهم الخاصة، أو علي الأقل يشاركون بمجهودهم وفنهم في مشاريع تعود بملايين الدولارات التي تنفق في تمويل مشروعات وأنشطة تلك المنظمات الدولية. وكما قلت في السطور السابقة تبرعت الفنانة الأمريكية "أنجلينا جولي" وحدها ومن مالها الخاص بمبلغ يصل إلي 20 مليون دولار عدا الأطعمة والأدوية وغيرها.. وقد قامت جولي بزيارات متعددة للاجئين في أكثر من 20 دولة من مختلف انحاء العالم حيث زارت العراق ومخيمات اللاجئين بلبنان، وسوريا واللاجئين الصوماليين بكينيا، وأفغانستان والصومال وباكستان ودارفور والسلفادور وتنزانيا وسيراليون وغيرها مصطحبة معها شاحنات محملة بملايين الدولارات و مختلف أنواع الأغذية والأدوية والأطعمة، وقد تبرعت في العام 2008 بمليون دولار لرعاية أطفال العراق اللاجئين. وتصر أنجيلينا جولي علي دفع نفقات سفرها من جيبها الخاص. وهي تقول إنها تخصص ثلث دخلها من أفلامها السينمائية للأعمال الإنسانية. وكانت أول شخص يمنح جائزة مواطن العالم من رابطة اللاجئين المراسلين الصحفيين في الأممالمتحدة في العام 2003 تقديرا لخدماتها الإنسانية. لا تخشي جولي من أية أمراض معدية أو اعتداء أو اختطاف أو إصابة بتفجيرات قد تشوه جمالها أو تسلبها حياتها. رغم أن هذه المصائب سهلة الحدوث في تلك الأمكنة المنكوبة سياسياً وطبيعياً. وقد توجه اهتمام الممثلة أنجيلينا جولي نحو الأعمال الخيرية والخدمات الإنسانية منذ زيارتها لكمبوديا لتصوير مشاهد من فيلمها "لارا كروفت غازية القبور"، حيث اطلعت علي الفقر المدقع المنتشر بين الناس. وكرست جهودها للأعمال الإنسانية وعينت سفيرة نوايا حسنة للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة عام 2001. لم تسع انجلينا جولي من وراء نشاطها الإنساني إلي الشهرة، فأنجيلينا جولي تحتل مكانة بارزة في هوليوود كواحدة من أشهر نجماتها ومن أعلاهن أجرا، وهي ممثلة موهوبة حازت علي 24 جائزة سينمائية بينها جائزة الأوسكار وثلاث من جوائز الكرات الذهبية. ولقبت أنجيليا جولي بأكثر نجمات هوليوود جاذبية في استطلاعات شعبية وفي عدد من المجلات الفنية الأمريكية والأوروبية، وأصبحت ثالثة ممثلة يصل أجرها إلي 20 مليون دولار بعد النجمتين السينمائيتين جوليا روبرتس وكاميرون دياز، وحققت ذلك في فيلم ''مستر ومسز سميث" (2005). الفنان ومعاناة الناس ** عندما تبرعت "أنجلينا جولي" بأكثر من 20 مليون دولار من مالها الخاص، لم تفعل ذلك متبعة أيديولوجية معينة، ولم يحركها حب الأضواء والشهرة، وإنما أقدمت علي زياراتها الميدانية متفقدة أحوال الجوعي والمشردين إيمانا منها بدور الفنان ورسالته في التخفيف من معاناة الناس، مهما كانت انتماءاتهم الدينية أم السياسية، فهم بشر وإخوة في الإنسانية. هي نعم غير مسلمة، ولكن مافعلته وما تزال تفعله بخل عن فعله بعض اثرياء المسلمين والعرب، الذين ينفقون المليارات علي الخمور وفي بيوت الدعارة وفي صالات القمار، ولم يفعله عادل إمام الذي منحه إعلامنا المجامل لقب الزعيم، رغم أن ثروته بالملايين إن لم تكن مليارات. وهاهي "جولي" تفضل أن يتذكرها المعجبون لعملها الإنساني فقط وليس لعملها كممثلة، وقد عبرت عن ذلك في مقابلة لها مع مجلة "آسكواير "عندما تحدثت عن فنها قائلة :"ذلك هو عملي، وأنا سعيدة به..... ولكن هل أريد أن يتذكرني المعجبون كممثلة عندما أموت؟ كلا..!" وأضافت جولي "مؤخراً، بدأت أكتب مقالا في صحيفة، أذيله بصفتي سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة، وليس كممثلة وهذا جعلني أشعر فعلاً بالفخر". ووصفت جولي مطالب أضواء الشهرة والتواجد علي السجادة الحمراء بال"السخف" مضيفة أنه أصبح لحياتها كمواطنة في هذا العالم معني منذ أن بدأت نشاطها الإنساني. وبعد عودتها من العراق في العام 2008 كتبت أنجلينا مقالاً نشرته في ''واشنطن بوست" عن اللاجئين العراقيين بطريقة توحي بأن الكاتبة هي من أهل هذا البلد، أكثر منها فنانة هوليوودية ناشطة في حقوق اللاجئين، وصفت به جولي حياة مليوني ونصف مليون لاجئ عراقي في الأردن وسوريا، مطالبة بأهمية عودة النازحين اياً بلغ كرم البلدان المضيافة، كما وصفت حياة مليوني لاجئ عراقي داخل العراق جراء عمليات التطهير العرقية، بأن أوضاعهم مزرية متردية، لا يمتلكون المنازل ولا الوظائف، يعيشون دون طعام ولا دواء، وكثير منهم لجأوا للمساجد أو اختاروا أبنية مهجورة لا تتوافر فيها الكهرباء عدا أولئك الساكنين في الخيام والغرف المبنية من القش والطين، 58% من اللاجئين داخلياً هم من الأطفال دون سن الثانية عشرة. وهكذا تفكر نجمة هوليوودية يمكنها قضاء أجمل الأوقات برفقة الملايين التي تنفقها علي المنكوبين في عالم يختلف دينه وسياساته، عن دينها وسياسة بلدها، لم تنضم الي النوايا الحسنة نفاقا ورياءا كما فعل غيرها، ولم تفعل ذلك من اجل الشهرة فلديها مايكفي من الشهرة، ولم تنتظر أن تصورها الكاميرات وهي تتجول بين المهجرين، تتحدث الي الأمهات الثكلي و تداعب اليتامي. ولم تفعل ذلك لتشغل وقت فراغها بهواية مساعدة الفقراء أو لأن الله انعم عليها بكثرة ملايينها من الدولارات. فهناك الكثير ممن أنعم الله عليهم ولكن لم ير أطفال العراق او العالم شيئاً ولو بسيطاً من هذه الملايين. كاظم الساهر مثلا ليس باقل غني عن أنجلينا لكن هل نذكر انه زار معسكرا للمهجرين كما فعلت انجلينا أم تبرع لانقاذ حياة طفل عراقي؟ وأخيرا :أين الواجب الإنساني للفنان العربي؟ هل لا يزال عمله محصورا بالمشخصاتي دون أي علاقة بما يحدث خارج المسرح؟ وهل سنري يوما عادل إمام وغيره من الفنانين أصحاب الملايين يؤدون دورهم الاجتماعي حتي ولو في بلدهم مصر برعاية الفقراء والمرضي؟ أم سيظلوا يكنزون الأموال، كغيرهم من الأثرياء الذين لايهمهم سوي زيادة أرصدتهم في البنوك، دون أن يعطوا حق الله فيها، ودون أن يشعرون بآلام و معاناة أبناء بلدهم من الفقراء والجوعي والمشردين؟.. نتمني أن يأخذوا الدرس والعبرة وأن يتعلموا من "أنجلينا جولي" وألا يقتصر دورهم علي إحياء الحفلات، في مثل هذه المناسبات، وأن يتجاوز دورهم الغناء والتمثيل إلي حيز التبرع جزء من أموالهم لصالح من كانوا سببا في شهرتهم وثرائهم!!