السيول والعواصف التي ضربت مصر في شمالها وجنوبها أي في سيناءوأسوان كشفت عن العديد من السلبيات والقصور في إدارة الأزمات، ولم يخفف من آثار تلك الكارثة كالعادة سوي تدخل الرئيس مبارك شخصيا بعد زيارته أسوان وأيضا جنوبسيناء، وإعطاء تكليفات سريعة بتخفيف أوجاع المضارين من السيول، ولاسيما الذين جرفت السيول والعواصف منازلهم في نجع الشدايدة بأسوان، حيث قرر الرئيس صرف تعويضات فورية بلغت 30 ألف جنيه لكل أسرة من أجل إعادة بناء وتأثيث كل منزل تهدم وجرفته السيول. بل طالب الرئيس بضرورة بناء منازل أسمنتية لمنع تكرار "انهيار تلك المنازل مستقبلا"، ولاسيما أن البيوت البسيطة التي جرفتها السيول كانت من "الطين اللبن" ولم تتحمل غدر الطبيعة. زيارة الرئيس لبعض المناطق المنكوبة حفزت باقي المسئولين للقيام بدورهم بعيدا عن البيروقراطية والجلوس في المكاتب، ودعم ذلك قيام رئيس الوزراء أحمد نظيف وخمسة وزراء بزيارة العريش رغم عدم قبول السيناوية ذلك، وهذا التحرك الرسمي علي أعلي المستويات أدي إلي تخفيف آثار السيول قدر الإمكان وفي حدود الإمكانات، فتم تدبير أماكن سريعة للإيواء وإن كانت ليست علي المستوي المطلوب وغير مجهزة تجهيزا كاملا، ولكن وفت بالغرض وحققت الهدف وهو حماية الأسر المنكوبة من برد الشتاء القارص ولسعات العقارب بالإضافة إلي توفير بطاطين ومساعدات تموينية وتوفير المعونات الطبية دون قيود وإجراءات معقدة. وعلي جانب آخر كان العمل يجري علي قدم وساق من أجل إصلاح أعطال الكهرباء، ولاسيما أن مدنا بأكملها انقطع عنها التيار الكهربائي، ولاسيما أن الوقت الحالي هو موسم امتحانات نصف العام.. وأيضا تم إصلاح معظم الطرق التي دمرتها السيول وإعادة تنظيف مخرات السيول، ولاسيما أن هناك بيوتا بنيت عليها وفي نفس الوقت تم إعطاء الأهالي أراضي بديلة لأصحاب البيوت المقامة تحت مخرات السيول. والسؤال الآن: ماذا لو لم يتدخل الرئيس مبارك من أجل سرعة احتواء الآثار الضارة للسيول؟.. أي أننا دائما ننتظر زيارة السيد الرئيس لحل مشاكلنا. وهل من المنطقي ونحن دولة مؤسسات وتخصصات ولدينا محليات أن يزور الرئيس نجعا صغيرا في قلب أسوان في أقصي الجنوب ومدينة علي البحر الأحمر من أجل سرعة احتواء كارثة السيول وحتي لا يبيت المكنوبون في العراء في هذا الجو شديد البرودة؟! وهل الرئيس هو المنوط به حل أزماتنا حتي البسيطة منها؟ أم يجب أن تكون هناك جهة كبيرة تكون مهمتها الأساسية إدارة الأزمات الصغيرة منها والكبيرة أيضا بدلا من اللجوء إلي القوات المسلحة من أجل ضمان سرعة الإنجاز والانضباط وتنفيذ التكليفات.. بالقطع هناك مهام جسام يقوم بها الرئيس كما أن القوات المسلحة لها دور وطني لحماية أمننا والدفاع عن مقدساتنا. وقد كشفت أحداث السيول الأخيرة غياب دور المجتمع المدني وتقاعس بعض المؤسسات الرسمية منها مثل الهلال الأحمر وحتي الممول الأجنبي في التخفيف من آثار السيول، وكأن المجتمع المدني ليس علي أجندته "إغاثة الملهوفين" وتخفيف آثار الكوارث، وجل اهتمامه هو الاهتمام بالحقوق والحريات والقيام بدور المعارضة وتنفيذ أجندة أجنبية في بعض الأحيان. وأيضا هل من المعقول أن تكون الجهة المنوط بها إدارة الأزمات، هي مجرد "غرفة" تابعة لمجلس الوزراء؟ وأين دور لجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة الأطباء؟ ولماذا لم تنظم النقابة قوافل طبية لمساعدة متضرري السيول ورعايتهم طبيا؟ وكذلك أين دور الأحزاب ولاسيما الحزب الوطني الحاكم في تخفيف آثار الكارثة التي سوت بعض القري في سيناءوأسوان بالأرض؟ وأيضا لماذا لم تزود الجهات الرسمية المنوط بها التنبؤ بأحوال الطقس وتحليل المناخ بأجهزة متطورة جدا كان يمكنها إنذارنا بالكارثة قبل فوات الأوان؟ ولماذا لم تقم الأجهزة المختصة بعمل مخرات سيول أكثر كفاءة وإزالة المباني من علي المخرات والاستفادة من مياه الأمطار الزائدة المتدفقة في الزراعة وإنعاش مخزون المياه الجوفية من أجل زيادة الرقعة الزراعية؟! الأمر يتطلب إنشاء هيئة كبري أو حتي وزارة متخصصة في إدارة الأزمات. حتي لا يتدخل "الرئيس" كل مرة لحل أزماتنا ولاسيما أن كارثة السيول تحديدا قد لفتت نظرنا إلي مخاطر عديدة قد تحدث في المستقبل ولاسيما أن المناطق المهددة بالتعرض الموسمي للسيول بها آثار تاريخية لا تقدر بثمن، وأيضا بها محطات لتوليد الطاقة بالرياح، بل ومن الممكن أن يتم بناء مفاعل نووي هناك في الضبعة وبالتالي نحتاج إلي وزارة متخصصة كي تخطط لتجنب الكوارث قبل وقوعها وتخفف من آثارها وتدير الأزمة بعد وقوعها بدلا من أن ننتظر دائما جهات عليا لحل أزماتنا حتي ولو كانت بسيطة.