هل باتت القاعدة العسكرية الأمريكية "فورت هود" عنوانًا جديدًا للإرهاب في الولاياتالمتحدة بعد ان شهدت نهاية الأسبوع الماضي مذبحة خلفت 13 قتيلا و28 جريحًا؟ ولمصلحة من الربط بين مرتكب المجزرة وتنظيم القاعدة تارة والجماعات الإسلامية تارة أخري؟ ولماذا يلتزم الرئيس الأمريكي باراك أوباما الصمت تجاه ما يتردد حتي حينما نطق لم تكن كلماته علي مستوي الحدث؟ وما سر زيارة الرئيس السابق جورج بوش وزوجته لورا إلي القاعدة خفاءً عشية المجزرة؟ وما موقف حلفاء أمريكا من الحادثة وكيف كان رد فعلهم الحقيقي؟ في السطور التالية محاولة للتنقيب في تفاصيل الحادث الذي كان بمثابة إشارة بدء لموجة عنصرية جديدة تجاه المسلمين في الغرب تبلورت ملامحها في واشنطن وانطلقت في لندن. في صباح الخميس الماضي انتبه الأمريكيون لصدمة مفاجئة شبهها البعض بأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 التي ورطت الإدارة الأمريكية السابقة فيما اسمته بالحرب علي الإرهاب انها مذبحة داخل صفوف الجيش الأمريكي ليست في أفغانستان أو حتي العراق لكنها داخل أكبر قاعدة أمريكية في العالم بولاية تكساس ولم يكن الخبر في حد ذاته صدمة إذ ان القاعدة نفسها شهدت انتحار 75 جنديًا من أبنائها منذ غزو العراق عام 2003 لكن المفاجأة المذهلة أن مرتكب الحادثة غير المسبوقة هو ضابط أمريكي مسلم من أصل عربي. ومنذ ذلك الحين انهالت التحليلات والآراء التي تربط بين الحادثة والارهاب بل تحديدًا تنظيم القاعدة والمنظمات الإسلامية في أمريكا وتحولت وسائل الإعلام الأمريكيةوالغربية إلي أبواق ومنصات لأصوات متعصبة انتهزت الحادثة لأغراض خاصة قد تكون سياسية أو شخصية أو غير ذلك، ولم تمنح تلك الأصوات فرصة للإجابة المنطقية علي دوافع الحادث من خلال تحقيقات المكتب الفيدرالي "FBI". من؟ فمرتكب الحادث هو الميجور الأمريكي نضال مالك حسن يبلغ من العمر "39 عامًا" ويدين بالاسلام بحكم انتمائه لأسرة ذات اصول فلسطينية يعمل طبيبًا نفسيًا في الجيش الأمريكي مهمته الأساسية مساعدة الجنود الأمريكان في التخلص من "عقد" حمل السلاح والعنف والدم الذي أسالوه في حروب الولاياتالمتحدة. بعد سنوات قضاها نضال في مركز "والتر ريد" الطبي التابع للجيش الأمريكي في العاصمة واشنطن قادته كفاءته وخبرته في العلاج النفسي إلي قاعدة "فورت هود" التي تضم مركز تأهيل الجنود تمهيدًا لإرسالهم إلي جبهات القتال أو إعادة تأهيل الناجين العائدين من صفوف القتال ليتمكنوا من ممارسة حياتهم الطبيعية التي أفسدتها شلالات الدم وأشلاء الأبرياء وحطام المنازل. بدأ نضال عمله في يوليو الماضي ومنذ ذلك الحين استمع إلي آلاف القصص والروايات التي تعذب نفوس الجنود بسبب مذابح اجبروا علي ارتكابها ضد ابرياء قبل كونهم مسلمين وقبيل الحادث بأيام علم "نضال" انه سيتم نقله إلي ساحات المعارك إما في كابول أو بغداد. كيف؟ ووفقًا لرواية صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية بعد شهر تقريبًا من وصول نضال إلي "فورت هود" توجه إلي محل الأسلحة الشهير "جانز جالور" في تكساس ودفع 1000 دولار ثمنًا لمسدس نصف آلي صناعته بلغارية يتميز بوزنه الخفيف وسهولة اخفائه رغم انه لم يفكر يومًا في حمل السلاح. منذ أغسطس الماضي اعتاد "نضال" علي الدخول إلي القاعدة بسلاحه الخاص دون أن يلتفت له الأمن أو يكتشف أحدًا من زملائه نواياه التي لم تكشفها مواقفه المعارضة لسياسات بلاده في حروبها بأفغانستان والعراق وجاء اليوم الموعود التي قرر فيها نضال الكشف عن وجه آخر لم يعلمه أحد، توجه إلي مكتبه في الصباح كعادته ضاحكًا معه فنجان القهوة وفي الواحدة والنصف ظهرًا اعتلي أحد المكاتب وصرخ "الله أكبر" - علي حد روايات وسائل إعلام - قبل أن يفتح نيران مسدسه عشوائيًا علي المتواجدين بالقاعدة واستمر قرابة العشر دقائق توقف خلالها أكثر من مرة ل"تعمير" مسدسه قبل أن يتعرض لطلق ناري افقده صوابه دون حياته بعد أن أودي بحياة 13 شابًا منهم الحامل والقاهر وحديث التخرج، واصاب قرابة الثلاثين واللغز المحير في هذه الحادثة كيف استطاع "نضال" أن يواصل اطلاق نار داخل القاعدة طوال هذه المدة دون أن يعترضه أحد؟! ووفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية هناك من بين القتلي والمصابين من تعرض لنيران صديقة أطلقها الأمن علي نضال لمحاولة وقفه. متي؟ ولايزال اختيار يوم الخميس الموافق 5 نوفمبر سرًا قد تكشف عنه التحقيقات الفيدرالية التي بدأت أمس الأول مع نضال الذي استفاق منتصف الأسبوع الجاري من غيبوبة دخل فيها منذ الحادث ولكن اللافت للنظر أن نضال ارتكب الواقعة غداة الذكري السنوية الأولي لانتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة وقبيل أيام من قرار وشيك للإدارة بزيادة عدد قواتها في أفغانستان وهو ما يعني توسيع حربها في البلاد الاسلامية التي انضمت إليها مؤخرًا باكستان حتي وان لم يكن التواجد الأمريكي فيها ظاهرًا. ولعل الأغرب منذ ذلك كله هو اختيار نضال أيضًا لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالم لتكون مشهدًا للمذبحة لابد وأن لهذا الاختيار دلالاته أيضًا! لماذا؟ ويبقي السؤال الأهم لماذا؟ حتي الأمس لم تتوقف وسائل الاعلام الغربية عن عرض تحليلات وآراء تعكس مواقف شخصية وسياسية بعيدة تمامًا عن التحقيقات التي أكدت نتائجها المبدئية أن الحادث عرض ناتج عن عمل فردي لا علاقة له بأي مجموعة إرهابية مع احتمال أن تكون دوافعه عملية انتحارية. لكن التيار المتشدد في الولاياتالمتحدة انتهز الفرصة لينفخ في رماد الحملة العنصرية علي المسلمين في الغرب بعدما كاد يطفئ لهيبها الرئيس أوباما. وأفردت الصحف الأمريكية وعلي رأسها مجلة "فرونت بيدج" مساحات واسعة لآراء تربط بين الحادث والجماعات الاسلامية التي وصفت بالارهابية بل ان وسائل الاعلام بمختلف أنواعها روجت لفكرة ارتباط "نضال" بتنظيم القاعدة ودارت تبحث عن تكهنات ودلائل لتصل من خلالها إلي مرادها حتي ولو كان ذلك ان "نضال" صلي يومًا في مسجد تردد عليه أحد المشتبه فيهم أو تحدث مرة عن أحدهم وكانت النتيجة ان كشفت إحدي الصحف البريطانية عن واقعة تعرض لها طلاب مسلمون في بريطانيا ضمن موجة كراهية جديدة واضطهاد ضد المسلمين. من جانبه لم يخف الرئيس اوباما في تفاصيل الحادث مكتفيًا بمواساة أسر الضحايا ونفي شبهة الارهاب عن الحادث، ولعل السبب في ذلك هو خوف أوباما من الربط الذي حاوله البعض. فأوباما ايضًا أمريكي ينتمي لأصل مسلم، وإذا كان "نضال" مجرد ضابط في الجيش فأوباما قائد أعلي للقوات الأمريكية، وفي النهاية سيكون القرار قراره بعد تحويل المتهم إلي محكمة عسكرية قد يضطر أوباما إلي التصديق علي قرارها بإعدام "نضال". وفي هذه الحالة آثر أوباما الصمت واتخذ موقف المتفرج من التحليلات التي اتهمت "نضال" بالارهاب أو ربطته به لما فيها من اسقاط خصوصًا انه يستعد لاعلان قراره بشأن ارسال مزيد من القوات إلي أفغانستان. أما الرئيس السابق بوش الابن الذي زار "فورت هود" سرًا في أعقاب المذبحة فكان دائمًا ما يفخر طوال فترتي حكمه أن الولاياتالمتحدة لم تشهد أي عمليات ارهابية بعد أحداث سبتمبر وكأن الزيارة رسالة واضحة للأمريكيين مفادها "هذا هو الفرق بين إدارة الجمهوريين وأوباما الذي اخترتموه" فذوقوا عواقب اختياراتكم. ستحمل الأيام المقبلة بالطبع مزيدًا من التفاصيل لكشف غموض الحادث علي أمل ان تكشف التحقيقات زيف الحقيقة التائهة.