تمثل مشكلة القمامة هاجسا مجتمعياً خطيراً بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معان، ليس فقط لما تسببه من أمراض صحية وبدنية خطيرة، ولكن بما تتضمنه من دلالات اجتماعية تلقي بظلها علي إنسانية البشر وحقهم في حياة كريمة نظيفة، فقد أصبح منظر القمامة في شوارع القاهرة الكبري وضواحيها مألوفاً، وأصبحت أزمة القمامة لا تقل أهمية عن أزمة المياه النظيفة، فكل فرد في هذا المجتمع له الحق في أن يحيا حياة كريمة هادئة لا تعكرها أكوام القمامة علي نواصي الشوارع، ولا حشرات وأمراض مقالب القمامة التي اتخذت من نواصي الشوارع مقر لها. قديماً كان يتم التعامل مباشرة مع الزبال دون وسيط فكانت الأمور أيسر وأسرع، حيث كانت تجمع هذه القمامة عن طريق عربات "الكارو" لتجميعها في حي الزبالين بمنشية ناصر وذلك لكي يتم فرزها وإعادة تدويرها بطرق تقليدية تتمثل في بيع المخلفات الصناعية لورش ومصانع الحديد والمخلفات العضوية تصبح علفاً للحيوانات. ولكن تدريجيا تعقدت الأمور، فتم منع عربات الكارو من السير حفاظاً علي الوجهة الحضارية للعاصمة، وتم استبدال الزبالين بشركات أجنبية لجمع القمامة، وبدأت سلسلة المشاكل تظهر سواء بين الحكومة والشركات أو بين الشركات والمواطنين، أو بين الحكومة والمواطنين، وبعد أن كان الزبال هو الذي يأخذ أجرته ويرضي بنصيبه من هذه الشقة أو تلك، أصبح هناك أجر ثابت يتم دفعه شهرياً لهذه الشركات، ومع تقعد الأمور تم إضافة هذا الأجر علي فاتورة الكهرباء لكي يتم تحصيلها سواء كان يوجد في الشارع زبال أو لا يوجد من الأساس، ولكن المهم هو تحصيل الأجرة، والضحايا في النهاية كانوا المواطنون، فأصبحت نواصي جميع الشوراع هي مقالب للقمامة، وأي قطعة أرض غير مأهولة هي أيضا مقلب للقمامة، وهو ما يهدد بتفشي كثير من الأمراض والأوبئة بين السكان. فلماذا لا نستغل العائد الاقتصادي الناتج عن تدوير القمامة؟، حيث تستخدم في تصنيع الورق والمواد البلاستيكية والإطارات والنسيج فضلاً عن الأسمدة العضوية التي أثبتت جميع الأبحاث العلمية أنها أكثر كفاءة من الأسمدة التقليدية، ولذلك ليس من الغريب أن نجد دولاً تقوم باستيراد "القمامة" وبكميات كبيرة لإعادة تدويرها ثم تصدير نواتجها بأسعار رخيصة تلبي احتياجات الدول النامية. فإذا استعرضنا التجربة الأسبانية للاستفادة من القمامة فسنجد أنها اقتصادية ومربحة للجميع، حيث يمكنك التخلص من القمامة عن طريق الاتصال بمكاتب إقليمية للنظافة التي تتواجد في أماكن متفرقة في العاصمة الأسبانية "مدريد" لتخبره بوجود قمامة لديك تريد التخلص منها، علي الفور يقوم هذا المكتب بالاتصال بالعاملين به لإزالة هذه القمامة دون أجر، حيث تقوم مصانع تدوير المخلفات بدفع رواتب هؤلاء العاملين وذلك لأن العائد النقدي نتيجة لإعادة تصنيع هذه المخلفات أكبر بكثير من الأموال التي يتم صرفها علي هذه المكاتب الاقليمية، بعيداً عن أي تدخل حكومي. لا يمكن أن تصبح القمامة هي الشاغل اليومي للجرائد واجتماعات الوزراء، بل لا بد من تكاتف جميع أفراد المجتمع ككل وذلك من أجل توفير مجتمع نظيف خال من الأمراض والأوبئة، ويستثمر مخلفاته فيما ينفعه، ومن هذا المنطلق أطلقت جمعية العاملين السابقين بالأمم المتحدة برئاسة السفيرة مرفت التلاوي حملة "لا للقمامة" وأيدها العديد من مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، بهدف إيجاد مجتمع خال من الأمراض والأوبئة.