لم يعرف الناس من هو الخل الوفي لكنني وجميع من عرف محمد السيد سعيد عرفوه في هذا الشخص النبيل الذي أودعناه أمس الأول 11/10/2009 تراب مصر الذي عشقه.. آمن به.. ضحي من أجله بكل ما يملك.. تمني أن يستشهد فيه فدفن فيه فكان له ما أراد وأراد له الله لكننا لا نملك إلا الامتثال لقضائه وقدره.. ولا راد لقضائه. من لم يعرف من البشر محمد السيد سعيد، فلن يعرف الخل الوفي ماحيا من المستحيل أن أتحدث عن ذكريات بل مواقف نضالية رائعة عبر أربعين عاما رأيتها في هذا الرجل الذي يحمل وسام المواطن الأصيل المبدع.. وسام مُنح له من كل قرائه وأصدقائه بل منح له ممن اختلفوا معه وهذا عجيب لشخص تجتمع لديه كل هذه الخصائل تغلفها رومانسية حالمة لذلك النبيل. محمد سعيد كنت أول من اصطحبني إلي الأوبرا القديمة في وسط القاهرة وبعد أن احترقت لمحت دموعك ترسيها وكأنك تودع عزيزا. لن أنسي يوم التقيتك بعد أحداث عمال الحديد والصلب 89 وقد دفعت ثمنا غاليا من حريتك ولم يكن غريبا أن نراك راضيا قانعا بهذا الثمن من أجل وطن علمتنا قيمة الانتماء إليه والنصيحة من أجله. لن أنسي حديثك عني للدكتور مصطفي الفقي في أوائل التسعينيات لقد قيل لي إنك عاتبته من أجلي قائلا إلا حسني كم شعرت بالفخر والاعتزاز لأن مثلك يتحدث عن شخصي المتواضع بهذا الشكل.. ثم حدثتني مع دعوة الغداء عن الترفع عن هذه الصغائر فما قيمة مديرة مدرسة أو وكيلة مع احترامنا لها كي تعطل مسيرتنا العلمية من أجل وطن نقدسه نأمل له الرفعة بالعلم والاجتهاد والإصرار والصبر علي المكابد. لن أنسي يوم أن حدثني د. جمال عبدالجواد بل وحدث ابنتي هبة عن صداقتنا فلقد عرفتني بشخص نبيل يسير علي طريقك ويتلمس خطاك.. فهذا د. جمال عبدالجواد يقول عنك دائما إنك في موقع المقدمة بل والقلب لمبادرات المجتمع المدني الذي علمتنا قيمته فسرنا علي دربك. محمد لن أنسي يوم جئتك مع إنسان محترم جدا الأستاذ محمد ناصر نزورك بمنزلك في العجوزة هذا الإعلامي الشهير، مُعد "العاشرة مساء" لكننا لا نعرف ماذا سنقول وأنت في هذا المرض اللعين ولم تكن مفاجأة أن نراك رابط الجأش صلبا قويا كعادتك دون ادعاء أو تهوين تتحدث عن مرضك بتحليلات رصينة للموقف وكأنك تضع له منهجا بعقل مستنير لكل أبعاد الموقف كأنه مجرد موقف سيمر.. وقتها كتبت عن موقفك العظيم في عام 70 يوم أن قلت (إلا مصر) كتبت وفي "نهضة مصر" تحية لرجل يحارب المرض فحدثتني العزيزة أختك عن المقال كما حدثني الأصدقاء من بورسعيد وبعض محبيك وهم كثر رغم شعوري بأنني وغيري لن نعطيك حقك. محمد لقد أحسسنا بفراغ لن يملأه غيرك منذ أن سافرت إلي فرنسا وكنا نتلمس أخبارك ونتبادل الاتصال حتي لا نزعجك أنت وأهل بيتك الكرام.. لقد أحسست أن المرض الذي كنت فيه خذلنا جميعا فكان أملنا في الله كبيرا أن يعيدك إلي وطنك سالما وها أنت قد عدت لنتأنس بك ولو في ترابك القدسي الذي عشت من أجله فمت فيه. محمد لم أر د. طه عبدالعليم متأثرا برؤية مريض عزيز مثل تأثره بعد عودتك من رحلتك الأخيرة ثم رحلتك اللانهائية، ولذلك يصدق فيك قول بديع الزمان الهمزاني: "ألم يكن غرة أخواننا/ ألم يكن واسطة العقد/ أليس كنا سورًا للعلا/ وكان فينا صورة الحمد". نحمد الله علي قضائه وقدره وعزاؤنا محبة الناس كلها لك وإلي لقاء يا أبا مروان طيب الله ثراك وجعل الجنة مثواك برحمته وغفرانه، ولم أجد سوي أبيات ابن الرومي تتحدث عن لوعتنا في فراقك حيث قال محدثا عينيه: "بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي/ فجودا فقد أودي نظير كما عندي/ توفي حمام الموت أعظم أخوتي/ فلله كيف اختار واسطة العقد/ فيالك من نفس تساقط أنفسا/ تساقط در من نظام بلا عقد/ آلام لما أبدي عليك من الأسي/ وأني لأخفي فيك أضعاف ما أبدي/ لقد انجزت فيه المنايا وعيدها/ وأخلفت الآمال ما كان من وعد/ ألح عليه النزف حتي أحاله/ إلي صفرة الجادي من حمرة الورد". "محمد ما شيء توهم سلوة/ لقلب إلا زاد قلبي من الوجد/ ولكن ربي شاء غير مشيئتي/ وللرب إمضاء المشيئة لا العبد/ عليك سلام الله مني تحية/ ومن كل بأر بك صادق الرأي والوعد".