تمثل الصداقة بين الشعوب إحدي حقائق السياسة الدولية رغم انها لا تعتبر من الحقائق المادية الملموسة التي تقاس من خلالها قوة الدولة، ولكن بالنسبة للعلاقات العربية الصينية فإن الصداقة تعتبر أحد أعمدة الحركة السياسية للصين وهي أحد مصادر القوة للدول العربية. ولقد أثبت التاريخ السياسي المعاصر هذه الحقيقة بلا لبس. ففي إبان أزمة السويس أو بالأحري العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956م، وقفت الصين إلي جانب مصر في دفاعها عن وطنها بأربع طرق: أولها: التنديد بالعدوان والتعبير عن مساندة مصر ضده من خلال المظاهرات والمسيرات ووسائل الإعلام المختلفة، ثانيها: تحريك القوي الشعبية المساندة لمصر في العديد من الدول من خلال منظمة التضامن الأفروآسيوي التي لعبت من خلالها الصين دورا مهما ورئيسا، ثالثها: ارسال بعض المساعدات العينية لمصر، ورابعا: وهو الأهم أنه عندما فرضت الدول الغربية المقاطعة ضد مصر اثر تأميم قناة السويس وقاطعت شراء القطن المصري مصدر العملة الصعبة مثل البترول هذه الأيام قررت الصين شراء القطن المصري، وترددت المقولة الشهيرة المنسوبة لشوان لأي رئيس وزراء الصين آنذاك إنه لو زاد كل صيني طول ملابسه بنصف سنتيمتر فسوف تشتري الصين كامل إنتاج مصر من القطن. ونتساءل الآن ما دلالة كل ذلك في القرن الحادي والعشرين الذي لا يعترف بالصداقة، وانما بالقدرات المادية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية؟ وللاجابة عن ذلك، نذكر عددا من الملاحظات ذات المغزي السياسي لمصر خاصة وللدول العربية عامة: الملاحظة الأولي: ان الصين انشأت منذ نجاح ثورتها الشيوعية جمعية للصداقة مع الشعوب الأجنبية، واعتبرت تلك الجمعية بمثابة وزارة الخارجية علي المستوي الشعبي بل ربما كانت عندما تم انشاؤها أهم من وزارة الخارجية الرسمية، خاصة في ظل الحصار الغربي ضد الصين والحيلولة دون احتلال مقعدها الطبيعي في الأممالمتحدة حتي عام 1972، حيث قررت الولاياتالمتحدة، تغيير سياستها وبذلك استطاعت الصين أن تستعيد مقعدها وتتبوأ عضوية الأممالمتحدة، وتحتل المقعد الدائم في مجلس الأن، وينبغي أن نذكر هنا أنه عندما قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصويت لصالح عودة الصين للمنظمة الدولية، دوت الهتافات في ارجاء الجمعية العامة، ووقف بعض مندوبي الدول النامية ومنهم بعض مندوبي الدول العربية فوق مقاعدهم ورقصوا فرحا بانتصار إرادة الشعوب ضد الهيمنة الأمريكيةوالغربية. وهكذا حدث تحول في علاقات الصين الدولية وأصبحت تستخدم تصويتها في المنظمة الدولية لصالح الشعوب النامية، وضد دعاة الهيمنة، ولم تستخدم حق الفيتو إلا في مرات قليلة في قضايا تمس أمن الصين المباشر، واستخدمت التلويح به في مرات عدة الحيلولة دون قيام الولاياتالمتحدة والدول الغربية بفرض عقوبات ضد بعض الدول النامية مثل حالة زيمبابوي وبعض مواقف خاصة بإيران والعراق والسودان. ولكن في مرات أخري لم تستطع للصين للحيلولة دون فرض عقوبات أو تبني قرارات ضد بعض الدول النامية التي زاد تحديها لما يوصف بالشرعية الدولية، انتهاكها لحقوق الإنسان، وهكذا أصبحت الصين توازن بين اعتبارات كونها عضوا ممثولا في المجتمع الدولي، وعلاقاتها بالولاياتالمتحدة وعلاقاتها بالدول الاوروبية ومواقفها المبدئية لمساندة الدول النامية تمشيا مع موقفها المعلن بأنها دولة نامية كبري. الملاحظة الثانية: ان الصين حافظت علي جمعية الصداقة مع الشعوب الأجنبية بل طورت أنشطتها، وبالنسبة للدول العربية فقد أنشأت الصين في داخل الجمعية الكبري جمعيات صغري مثل جمعية الصداقة الصينية العربية، ووضعت علي رأسها شخصيات صينية ذات وزن وثقل، وحاليا يترأسها السيد تيمور دوامات السياسي المخضرم وهو من اقليم سينكيانج ذي الأغلبية المسلمة، وصاحب المواقف السياسية والأفكار الأدبية والشعر الجميل المعبر عن مواقفه في التغني بقومية البوجور التي ينتمي إليها، وهي قومية تركية الأصول، مسلمة العقيدة، صينية الجنسية، وإن كان لديها بعض نزعات انفصالية تثير الحساسية من الصين وهذه قصة أخري.. كما أقامت الصين جمعيات صداقة مع دول كثيرة لا تنتمي لوحدة قومية محددة وهكذا استمرت جمعيات الصداقة الصينية مع الشعوب المختلفة. تقوم بعمل مواز بل واحيانا يضاف إلي عمل وزارة الخارجية الرسمية لما يتاح لها من حرية الحركة في إطار المباديء المقررة للسياسة الخارجية الصينية، وان كانت بعيدة عن القيود البيروقراطية التي تكبل وزارات الخارجية في الكثير من الدول. الملاحظة الثالثة: حول أنشطة جمعيات الصداقة ومنها الاحتفال بذكري اقامة العلاقات الدبلوماسية مع كل دول أجنبية في سنوات خمس متتالية، والاحتفالية بالمناسبات المهمة للدول الاجنبية، وتبادل الزيارات والوفود الشعبية وشبه الرسمية، وترتيب اللقاءات لها مع كبار الشخصيات الرسمية وغير الرسمية، وأذكر أن أمين عام الأممالمتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي بعد أن ترك منصبه نتيجة اعتراض الولاياتالمتحدة علي منحه فترة ولاية ثانية، أسوة بغيره من الأمناء العامين للمنظمة الدولية لموقفه من نشر تقرير "قانا" الخاص باعتداءات إسرائيل علي جنوب لبنان، قامت الصين من خلال جمعية الصداقة مع الشعوب العربية بتوجيه الدعوة له لزيارتها كنوع من التقدير له في مواجهة الغطرسة الأمريكية وأقام نائب رئيس الوزراء الصين آنذاك حفل عشاء علي شرفه، وأجري وزير الخارجية مباحثات معه، وعقدت جمعية الصداقة ندوة له، ورتبت له جولة في عدد من أقاليم الصين.. وتقوم الصين بنفس الشيء بالنسبة للكثير من الشخصيات السياسية البارزة عندما تبتعد عن المناصب الرسمية، وقد احتفلت جمعية الصداقة الصينية العربية خلال 2009 بمناسبتين مهمتين الأولي تخص مصر وهي ذكري مرور عشر سنوات علي توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين ومصر، والثانية تخص مملكة البحرين وهي ذكر مرور عشرين عاما علي اقامة العلاقات بين البحرين والصين. ووجهت دعوة لمركز البحرين للدراسات والبحوث للمشاركة في الاحتفال الأخير، ونظمت عدة لقاءات ومقابلات وزيارات للوفد مع المراكز العلمية والبحثية المناظرة له في الصين ومع الجامعات الصينية حيث تم تبادل للآراء حول الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسة الدولية والقضايا العربية فضلا عن العلاقات الثنائية البحثية والعلمية.