نبهتني صديقة رائعة الي انني تعرضت لوصلة شتم وتجريح في العدد الاسبوعي.. ولدي قراءتي للمقال تذكرت نكتة قديمة تروي ان "رجلا"؟!.. كان ينادي في مطار احدي العواصم ان لديه كل الاصناف.. السمراء بكذا ليرة والشقراء بكذا و.. و.. لدرجة ان احد الضيوف استبشع الوضع فسأله مشمئزا.. يا ساتر.. الا توجد امرأة شريفة في هذا البلد؟.. فأجاب الرجل بثبات: نعم.. فالشريفة بمليون ليرة!!". ذلك ان السيدة المذكورة والتي اغفلت ذكر اسمي مكتفية بوصفي بأوصاف كثيرة تندرج جميعها تحت بند الادب الرفيع واحترام حق الاختلاف الذي يتغنون به، مع رفضه رفضا مرعبا، ابدت دهشة حقيقية من كلامي- الغث- عن اتفاقية الصلح المنفرد الذي ابرمه الرئيس الراحل انور السادات مع اسرائيل، خاصة بعد رحيل صدام حسين الذي كان "يشجع" مرددي هذا الكلام، ويرفع من شأن مردديه ماديا وادبيا!! وبغض النظر عن ظهور صدام بعد الاتفاقية وان معارضتي وغيري لها، كانت اسبق، فالعجيب ان هذه السيدة تستبعد تماما ان يكون هناك مصري او مصرية يختلفون معها في الرأي والتقييم او انهم شرفاء لم يهتموا يوما بصدام او بفلوسه هو او غيره، وفي احسن الحالات.. فهم.. اي المختلفون معها من فصيلة "سعدون المجنون" وفي قول آخر.. "دراويش الناصرية". ولم تكتف بهذا بل واصلت هجمتها علي كل من اغلق عقله، وتوقف عند زمن لا يستطيع بعده استيعاب المتغيرات التي طرأت علي العالم!.. وفي مرسوم حاسم قالت: ليس من حق احد اليوم ان يدعي ان السادات تنازل او فرط او اضاع حبة رمل من هذا الوطن.. وقالت انه اصبح من المستفز في هذا العصر الذي تكاد الحروب تصبح فيه تاريخا سحيقا والمفاوضات هي الطريقة الوحيدة لحل النزاعات، ان يذكر مثل هذا الكلام الغث- اي كلامي- الذي يدين من يردده اكثر مما يدين رجلا سبق عصره برؤية عبقرية لواقع المستقبل وموازين القوي فيه. والسيدة المذكورة وضعت كل اللوم علي العرب واصدرت مرسوما اخر بصك البراءة لاسرائيل المسالمة.. وقد حاولت ان افهم معني عبارة: الحروب التي اصبحت تاريخا سحيقا.. لأعرف علي اي كوكب تعيش صاحبة المفردات الراقية.. فهل سمعت مثلا في كوكبها هذا، في سالف الازمان عن عدة حروب وحشية جرت كلها في العقد الحالي من الألفية الثالثة وراح ضحيتها ملايين الضحايا بين قتيل وجريح ومشرد وتدمير المساكن علي رءوس ساكنيها المدنيين واحراقهم بالقنابل الفوسفورية والدايم، واللاعبان الرئيسيان فيها هما الولاياتالمتحدةالامريكية واسرائيل؟ وعلي سبيل المثال.. هل قرأت او سمعت في كوكبها هذا عن غزو امريكي لافغانستان، دون ان تأخذ الادارة الامريكية بقيادة جورج بوش بنصيحتها حول جدوي المفاوضات ونبذ الحروب، عام 2001، اقصد قبل الميلاد وقبل الميلاد ايضا غزو العراق وتدميره عام 2003،وهل كتبت الصحف في كوكبها عن نزعة السلام التي استبدت بقيادة اسرائيل فدمروا لبنان بأسلحة امريكية عام 2006 واكرر.. قبل الميلاد. وفي ذات الازمنة السحيقة، هل نما الي علمها ما حاق بأبناء غزة المحاصرة من قنابل فوسفورية وقنابل دايم- امريكية الصنع- والتي كانت مشاهد الاطفال الفلسطينيين وهم يصرخون الما منها وهم يتقلبون وكأنهم اسماك ألقيت وهي حية في زيت يغلي وهو ما اقشعرت له ابدان كل من يحمل قلب انسان في العالم وذلك في الشهر الاول من 2009- طبعا قبل الميلاد!!- وبالتداعي.. هل وصل الي مسامعها ما تقيأه افيجدور ليبرمان.. المرشح لوزارة الخارجية الاسرائيلية من تهديد بتدمير السد العالي- وهو بالمناسبة في مصر التي ترتبط مع اسرائيل بمعاهدة "سلام" وتطاوله الوقح علي رئيس جمهوريتنا؟ وذلك بالطبع في ازمنة سحيقة قبل التاريخ المكتوب؟.. وهل وصل الي علمها ان اساتذة وفقهاء في القانون الدولي تناولوا اتفاقية الصلح هذه بانتقادات موضوعية واشاروا الي تعارض الكثير من بنودها مع مبدأ السيادة الوطنية؟ اما عن تجربتي انا فلي كل الحق ان ارفض افكار هذه السيدة لتجربتي ولأحاسيسي وما عشته فعلا وتضمنه مقالي المقصود في صحيفة "العربي" الناصرية وقد استشاطت غضبا لانني بكيت حزنا وقهرا لدي قراءتي لرسالة سعدون المجنون الفرنسي.. لصحيفة لوموند والذي نقل حرفيا ما جري عندما طلب الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر من رئيس حكومة اسرائيل مناحم بيجين ان يقوم بلفتة!! بزيارة السادات في جناحه امام هول التنازلات التي قدمها؟ ولن اشير الي استقالة وزير الخارجية المصرية الاسبق محمد ابراهيم كامل والذي ضمن شهادته في كتابه الشهير "السلام الضائع في كامب دافيد".. وكان يجدر بها التقصي والدراسة لتعرف ان ما ذكرته- من تجربتي- هو غيض من فيض والا فان تاريخ المذابح الاسرائيلية الممتد لاكثر من ستين عاما لن تكفيه آلاف الصفحات. واريد ان اوضح ان المؤمنين بالمشروع القومي الذي ارسي دعائمه الرئيس جمال عبدالناصر كالقابضين علي الجمر، لان الزمن تغير كما قالت- لكن المباديء والايمان بوحدة المصير لا تتغير.. ولا اريد ان اطرح عليها سؤالا حول ما آلت اليه احوالنا وما اذا كان وضعنا الان افضل؟! وماذا جنينا من مفاوضات دامت عقودا بلا جدوي، علما بان الامر واضح.. احتلال يجب ان يزول.. واستعمار استيطاني لابد ان يتوقف ودولة عدوانية شرسة يتحتم لجم جموحها.. الغريب ان "دراويش كامب دافيد" لا يكتفون بدروشتهم بل ينصبون انفسهم "سلطات" لخنق الحريات واخراس المختلفين معهم، علما باننا ومثلما اكد احمد عرابي "قد ولدتنا امهاتنا احرارا" اما الحديث الرفيع عن العمالة واستبعاد وجود شرفاء في هذه الامة فهو ما ينطبق عليه ما جاء علي لسان بطل "النكتة" الذي اترك لفطنة القراء استنباط "اللقب" او الصفة التي يجب ان نخلعها عليه!!