اعتدنا ان نرتاد مصيفا شهيرا في ذلك الوقت وهو مصيف "رأس البر" وكان يتمتع بخصوصية عائلية غير عادية ومعظم رواده يشعرون باحساس العائلة الواحدة. قام أحد الأطفال بالجلوس علي الشاطيء وبدأ في بناء قلعة من الرمال تخللها بعض القنوات المائية حولها واستمر يعمل بكل جد واجتهاد وأضاف لهذا البناء الزينات من المحارات التي تخرج مع مياه البحر وكاد أن ينتهي من الشكل النهائي للبناء وظهرت علي وجه هذا الطفل بوادر السعادة من انجازه الفريد والذي يتميز عن باقي أقرانه ممن يحاولون أن يقلدوه في حزام منطقته وكانت المفاجأة التي أفقدته صوابه حينما قامت طفلة وبكل براءة بالقفز علي قلعته التي مكث في بنائها نصف النهار وحرقته أشعة الشمس من طول وقت بنائها واخذ يتباهي بها لكل من مر بجواره وفجأة وجدها تنهار امامه بكل هذ البساطة.. لا وألف لا ولم يجد امامه إلا ان تصرف بحماقة شديدة وقذف الطفلة المسكينة بالجاروف الذي كان يستخدمه في اعمال الحفر والبناء ورغم ان هذا الجاروف مصنوع من مادة البلاستيك إلا أن شدة الضربة وحرارة الطقس أدت الي ان تسبب في احداث جرح بصدر الطفلة ونتج عنه نزيف أصاب الطفل بالهلع الشديد وبدأ يصرخ بهستيرية وتجمع المصطافون حولهم واخذ البعض ينادي بصوت عال.. اطلبوا الاسعاف وتم نقل الطفلة بسرعة شديدة الي احد المستشفيات القريبة وتم عمل اللازم لها والحمد لله ان الجرح لم يكن كبيرا حتي أنه التأم بعد فترة قصيرة وترك علامة بسيطة مكانه. وبعد مرور حوالي عشرين عاما علي هذه الحادثة التي ربما طواها النسيان تماما وكبرت الطفلة وأصبحت عروسا جميلة وتقدم لها أكثر من رجل يخطب ودها حتي تم النصيب واختارت احدهم حيث مال قلبها نحوه وتمت مراسم الخطبة والزواج علي خير مايرام ولكن كانت هناك مفاجأة تنتظر العروسين ليلة الزفاف السعيد حيث لاحظ زوجها وجود آثار لجرح قديم في منطقة الصدر وسألها بلطف عن سبب هذا الجرح وضحكت وقال في خجل شديد إنها السبب في حدوثه وأضافت انها كانت طفلة يغلب عليها طابع الشقاوة في صغرها وبدأت تحكي له القصة التي تعود الي حوالي عشرين سنة ماضية وأنه أثناء قضاء فترة الصيف في مصيف " رأس البر" و.. و.. وفجأة بدأ زوجها يوقف سماع باقي القصة منها وقام هو بسرد باقي القصة بالتفصيل وكأنه كان هناك في مسرح الأحداث وتعجبت لمعرفته بقصة لا يعرفها سوي القلة القليلة من المقربين جدا من عائلتها وخاصة انها تعود الي فترة طويلة جدا وكانت المفاجأة التي أصابتها الذهول أنه الشخص الذي كان يبني القلعة وأنه أيضا الذي قذفها بالجاروف وكأنه يعلن أن هذه الفتاة ستكون شريكة حياته ولو بعد عشرين سنة ولهذا الشاب الذي أصبح مهندسا معماريا نابها حيث بدا نبوغه في الظهور في سنواته المبكرة.. هل رأيتم القسمة والنصيب في هذه القصة الحقيقية المتواضعة.. علينا أن نرضي بما قسم الله لنا في الحياة وأن نعلم أن إرادة الله فوق كل اعتبار.