يواجه الرئيس أوباما تحديين فوريين هما: استعادة النمو الاقتصادي، وتجديد الأمل العالمي في حكمة أمريكا وقدرتها علي التمييز بين الصواب والخطأ... وهما تحديان يحتاجان من أجل مواجهتهما إلي سياسة تجارية سليمة. ومن المعروف أن حصة التجارة من الاقتصاد الأمريكي قد تضاعفت ثلاث مرات علي مدي الأربعين عاماً الماضية، لتصل إلي ما نسبته 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وكانت المنافع التي ترتبت علي ذلك واضحة، وقد تمثلت في تحقيق مكاسب مهمة في الدخل، وإنتاج وتصدير صناعيين قياسيين قبل حدوث الأزمة، وخدمات فعالة، وتجارة نشطة في المنتجات الزراعية والحيوانية. أما الصادرات التي تساهم في توفير 20 في المائة من الوظائف الصناعية، فقد أصبحت الآن ملاذنا الوحيد لتحقيق نمو في القطاع الخاص. وفي الوقت الذي ينظر فيه مجلس الشيوخ الأمريكي في مسألة ترشيح عمدة دالاس السابق "رون كيرك" كي يكون ممثلا تجارياً للولايات المتحدة، فإن أعضاء المجلس يجب أن يأخذوا في حسبانهم، أن التجارة هي التي تحفز الاقتصاد، وأن بناء التحالفات والأمن، في إطار التكامل الاقتصادي هو الذي يخلق المصالح المشتركة. وكما أشار أوباما في خطابه الشهر الماضي أمام الكونجرس، فإنه من المهم للغاية أن تعمل الولاياتالمتحدة علي تجنب اللجوء لفرض القيود التجارية خلال الأزمة الاقتصادية. وانطلاقاً من هذه القاعدة، يمكن لأجندة مكونة من ثلاث شعب، أن تعزز النمو، وتدعم السياسة الخارجية والاستقرار العالمي. ويجب علي هذه الأجندة: أولا، التركيز علي ما هو مهم: أي أن ندرك أن التوسع الاقتصادي هو مفتاح الحل. مع العمل، بدلا من عقد اتفاقيات محدودة مع الدول الصغيرة، واستخراج نتائج مضللة لاقتصادنا، علي الانتهاء من جولة الدوحة للمحادثات التجارية العالمية بشروط مقبولة، ثم الارتباط الوثيق بعد ذلك مع الشركاء الكبار والصناعات السريعة النمو. ويمكن في هذا السياق أيضاً، التفاوض بشأن اتفاقية نموذجية للتجارة الحرة بين الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان، تغطي أكبر وأحدث قطاعات اقتصادنا، وخدماتنا التجارية، والتقنيات الصاعدة مثل البنية التحتية الخضراء، والطاقة، والخدمات الصحية... علي أن يتم هذا التفاوض تحت رعاية منظمة التجارة العالمية، ويكون مفتوحاً أمام جميع الدول الراغبة في الانضمام إليه. وفي الوقت نفسه، يجب علينا التركيز علي آسيا التي لا تزال هي القارة الأكثر ديناميكية في العالم. ويتم ذلك من خلال البدء باستكمال اتفاقية التجارة الحرة بين الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية، وهي حليف وثيق للولايات المتحدة من جانب، وثالث أكبر اقتصاد في القارة من جانب آخر. ومن المفروض أن تؤدي هذه الاتفاقية، مع الاتفاقيات الثنائية القائمة حالياً مع سنغافورة، وشيلي، واستراليا، ومبادرة عبر المحيط الهادئ التي أطلقت العام الماضي، إلي إحياء منتدي التعاون الاقتصادي الآسيوي - الهادي ودفعه نحو تحقيق مزيد من التكامل بين الدول الآسيوية المطلة علي المحيط الهادي والولاياتالمتحدةالأمريكية، علي أن يتم التعامل مع هذه الدول باعتبارها شركاء وليس مجرد لاعبين هامشيين. كما أن الانخراط الفعال مع الصين سوف يكون أمراً حيوياً كذلك، مع التركيز بشدة علي السياسات الماكرواقتصادية التي تشمل سعر التبادل، والطاقة، والتغير المناخي، وعدم الانتشار النووي، وعزل الدول المارقة. ثانياً، دعم التنمية والأمن: فباستطاعتنا تقديم المزيد لفقراء العالم، ولأمننا القومي من خلال إصلاح نظامنا التجاري. فبدلا من فرض ضريبة بنسبة 48 في المئة، وهي أعلي تعرفة صناعية في الولاياتالمتحدة علي وارداتنا من الأحذية الرياضية الرخيصة المصنوعة من المطاط والقماش والتي يتم تصنيعها في الدول الفقيرة، مثل كمبوديا وباكستان، وحرمان هذه الدول بالتالي من هامش الربح الضئيل الذي تحققه... يمكن للولايات المتحدة أن تتخلي عن هذه الضريبة وأن تقوم بتخصيص قيمتها لإصلاح اقتصاد الدول الإسلامية التي تتعاون مع الجهود الأميركية لمقاومة الإرهاب. وتحقيق التنمية والأمن يتطلب كذلك استراتيجية أميركية جديدة للتعامل مع أمريكا اللاتينية؛ بما في ذلك تمرير اتفاقيات التجارة الحرة المعلقة مع بعض دول القارة، وعقد اتفاقيات أمنية مع دول مثل كولومبيا تتضمن تقديم مزيد من المساعدات لقوات الأمن، والمحاكم، وغير ذلك من المؤسسات، مع القيام في الوقت نفسه بالعمل علي دمج اتفاقيات التجارة الحرة القائمة حالياً وعددها أربع، بما في ذلك "النافتا"، في اتفاقية واحدة تشمل بنوداً خاصة بالعمل، والبيئة، مع الحرص في الوقت نفسه علي التعاون مع البرازيل. ثالثاً، تعزيز العمل المشترك: من المعروف أن النظام العالمي يخدم المصالح والطموحات الأمريكية، وأننا كلما عملنا علي زيادة جهودنا الرامية إلي التكيف مع الحقائق الاقتصادية الجديدة في عالم اليوم، وسعينا إلي تحقيق الانخراط الإيجابي مع الدول الصاعدة، مثل الصين والهند وغيرهما من الدول في مجالات الحوكمة الاقتصادية الدولية، كلما أصبح هذا النظام أكثر استقراراً، علي أن نراعي في ذات الوقت مسألة منح هذه الدول حقوق تصويت معززة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات والمنظمات العالمية. ويجب أن نضع في اعتبارنا دائماً أن السياسات الاقتصادية الرشيدة يجب أن تكون مصاحبة للسياسة التجارية الفعالة. فسياسات الضرائب التصاعدية، والمعاشات القابلة للتحويل، والرعاية الصحية الشاملة، وغير ذلك من الإجراءات، كلها أمور ضرورية للمساعدة علي نشر منافع العولمة علي أوسع نطاق ممكن. علي ألا يغيب عنا في أي وقت أن السياسة التجارية أمر جوهري مثلها في ذلك تماماً مثل السياسات الداخلية. وهي جوهرية أيضاً لنمو أمريكا، واستمرار قيادتها. لتلك الاعتبارات كلها فإن أوباما والكونجرس يجب أن يبذلا قصاري جهدهما من أجل إزالة شكوك المتشككين، والمضي قدماً بعزم وقوة معتمدين في ذلك علي أجندة تجارية قوية.