يبدو ان شهر مارس له مكانة ودلالة خاصة به في الذاكرة الوطنية المصرية فمن الملاحظ انه في هذا الشهر تكثر الاحتفالات والمناسبات الوطنية مثل الاحتفال بذكري ثورة 1919 والاحتفال بيوم المرأة العالمي ثم عيد المرأة المصرية وسبقها الاحتفال بيوم الطالب العالمي وفيه ايضا يجري الاحتفال سنويا بعيد الام ثم تقرر اخيرا ان يكون شهر مارس هو الموعد السنوي للاحتفال بعيد الرياضة وتحرير طابا. وفي اطار هذا الشهر ايضا احتفلت مجموعة العمل من اجل استقلال الجامعات الشهيرة بمجموعة 9 مارس بالعيد السادس علي ظهور الحركة في المكان الاول الذي شهد مناسبة التسمية وهو جامعة القاهرة ولكن احتفالية هذا العام شهدت عدة اشياء ودلائل لا تخفي علي احد ممن حضروا المناسبة كان ابرزها الحضور الكبير لشيوخ وكبار الاساتذة الاجلاء من الاسماء الساطعة في سماء البحث العلمي في مصر امثال د. مصطفي سويف ود. رشدي سعيد ود. محمد القصاص ود. عبدالمنعم عبيد ود. محمد غنيم بالاضافة الي الرموز المؤسسة للحركة بقيادة د. محمد ابوالغار ود. عبدالجليل مصطفي وكذلك اجيال كثيرة من اساتذة الجامعات المصرية لم يكن الحضور الكبير للاساتذة هو فقط الجديد واللافت للنظر وانما انتقلت ايضا الي الحضور الرسمي من جانب القيادات الرسمية في الدولة والحزب الحاكم فلأول مرة يشهد الاحتفالية د. حسام كامل رئيس جامعة القاهرة بل الاكثر من ذلك انه وصفها بانها مجموعة اكاديمية ليبرالية محترمة وان الجامعة بحاجة لمثل هذه الشخصيات حتي تتحقق الديمقراطية داخلها، كذلك حضر د. حسام بدراوي رئيس لجنة التعليم بالحزب الوطني الحاكم والذي استضافته المجموعة ليقدم رؤية الحزب للنهوض بالجامعات واستقلالها وهي الرؤية التي شهدت كثيرا من اللغط والسخونة والاسئلة الحرجة في اللقاء كان ملخصها الرئيسي يقع تحت عنوان "الكلام جميل لا يختلف عليه احد ولكن الافعال في الواقع اليومي هي تحقيق لهذا الكلام خاصة من جانب الحكومة ووزير التعليم العالي. فهل للحضور الرسمي مغزي ورسالة؟! خاصة ان المحاضرة الاولي في الاحتفالية كان عنوانها الدستور واستقلالية الجامعات والتي سردت فيها المستشارة تهاني الجبالي عضو المحكمة الدستورية العليا موقف واحكام الدستور المصري فيما يخص هذه القضية؟ بالتأكيد الحضور والكلمات والتعقيبات كان مقصودا فمما لاشك فيه ان مجموعة 9 مارس منذ ظهورها لاول مرة علي الساحة الجامعية عام 2004 وهي تساهم بشكل كبير في تحريك المياه الراكدة داخل الجامعات المصرية ووقف نزيف التدهور والوقوف امام مخططات تقليص حجم التعليم العالي في مصر وكان علي رأس معاركهم تفجيرهم لقضية بيع اصول جامعة الاسكندرية بعد نقل الجامعة الي منطقة ابيس وكانت الحجة التي وافق بها مجلس جامعة الاسكندرية علي اصدار قرار بنقل الجامة هو انشاء حرم متكامل للجامعة التي تعاني منذ انشائها في الاربعينيات من القرن الماضي علي يد د. طه حسين من عدم وجود حرم طلابي متكامل لها ورغم عدم صدور قرار ببيع المباني القديمة من مجلس الجامعة الا ان رئيسها د. حسن نذير بصراحة وصدق شديدين اعترف بان نقل الجامعة لابد ان يقترن ببيع المباني الاخري لتوفير السيولة وفضح السبب الرئيسي من وراء قرار النقل وهو ما تسبب في ازمة وزارية كبيرة وتم توجيه اللوم له علي صراحته الشديدة هذه المعركة التي حولتها حركة 9 مارس الي الرأي العام ثم الي القضاء واستطاعت ان تكسب الجولة الاولي وصدور حكم بوقف النقل الي منطقة ابيس ولم تكن هذه هي القضية الوحيدة التي لجأت فيها الحركة للقضاء بل ايضا لجأت له للاعتراض علي وجود الحرس الجامعي داخل جامعة القاهرة ومخالفة قرار وزير الداخلية النبوي اسماعيل والذي صدر في سبتمبر 1981 لقانون تنظيم الجامعات الصادر عام 1972 وبالفعل كسبت الحركة الجولة الاولي بحكم يلغي فيه وجود حرس وزارة الداخلية في الجامعة ورغم ان المحكمة الادارية العليا اوقفت الشق المستعجل في التنفيذ الصادر في الحكم الاول لكنها لم ترفض القضية وحولتها الي دائرة الموضوع بمجلس الدولة الذي حسم الاسبوع الماضي القضية باصداره توصية بصحة الحكم الاول ومخالفة وجود الحرس الجامعي لقانون تنظيم الجامعات والان الجميع ينتظر حكم المحكمة الادارية العليا في هذه القضية- كذلك يجب الا ننسي معركتهم ضد مسودة القانون الجديد الموحد لاعضاء هيئات التدريس- وكذلك نجاحهم في الضغط وحشد الاساتذة في معركتهم لتحسين الاجور لاساتذة الجامعات كل هذه القضايا بجانب الشخصيات العلمية المحترمة والنضال الهاديء جعل للحركة مردوداً ايجابياً وسمعة طيبة لدي الجميع وعلي رأسهم القيادات التنفيذية في الجامعات واجبرت الجميع علي التأني التام والتفكير اكثر من مرة عند اتخاذ اي قرارات تخص الشأن الجامعي وعلي رأسها قضايا الاساتذة الاكاديمية والحريات بها ومما لا شك فيه انه لولا هذه الاصوات الاحتجاجية وانتقالها بعد ذلك من دائرة الاقوال الي الافعال لكان الانفراد بالقرارات هو السمة الرئيسية للعمل داخل الجامعات ومن هنا كان الحضور الرسمي والحزبي له دلالة ومغزي لا يخفي علي احد واصبح في ذهن كل مسئول ضرورة احترام الاخر وعدم الانفراد بالقرار والحرص الي حد كبير علي استقلالية قرارات الجامعات ويبقي السؤال انه اذا كانت الحركة قد نجحت الي حد كبير للغاية في تحسين صورة المناخ الجامعي واستقلاليته خاصة خلال العام الاخير فماذا عن المستقبل؟ هذا سؤال مهم يجب ان تفكر فيه الحركة وقياداتها من الان وتعد العدة له لتخرج من اطار المعارك المهمة التي خاضتها الي وضع رؤية صحيحة وعلمية تكون قابلة للتطبيق لاصلاح احوال التعليم العالي المتردية بشدة الان. فما زال الطريق طويلاً للاصلاح ولكن مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة وها هو قد بدأ بخطوات ناجحة للغاية نتمني جميعا ان تستمر لانه كما قال الرئيس الفرنسي الشهير ديجول وماذا عن احوال الجامعات فاذا كانت بخير فالوطن بخير.