أثارت الأنباء التي ترددت مؤخراً عن اعتزام الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، منازلة محمود أحمدي نجاد ومنافسته علي المنصب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، اهتمام وحماس الكثير من الأوساط الراغبة في رؤية تغير في سلوك النظام الإيراني علي الصعيدين الداخلي والخارجي معاً. ويفسر هذا الحماس والاهتمام باحتمال ترشح خاتمي للمنصب الرئاسي، نظرة الكثير من المراقبين والمحللين وصناع القرار إلي خاتمي باعتباره قائداً إيرانياً معتدلاً، ينزع إلي إطلاق مزيد من الحريات الشخصية للمواطنين، إضافة لانفتاحه علي الآخر ودعوته لفكرة "حوار الحضارات" بدلاً من صراعها وتناحرها -مثلما يعبر عنه النهج الذي يتبناه نظام محمود أحمدي نجاد الحالي- علماً بأن دعوة خاتمي إلي حوار الحضارات تشمل أيضاً الولاياتالمتحدة الأميركية التي كثيراً ما وصفت بأنها "الشيطان الأكبر" من قبل المتشددين الإيرانيين. لكن مشكلة خاتمي أنه كان قد سبق انتخابه رئيساً في عام 1997، وأمضي في كرسي الرئاسة مدة ثماني سنوات من العجز والفشل. وطوال مدة ولايتيه الرئاسيتين ظل خاتمي عرضة للانتقادات المستمرة من قبل خصومه المحافظين الذين كانوا لا يشاطرونه أجندته الإصلاحية التي أراد تمريرها دون جدوي. وبسبب تلك الانتقادات والعرقلة المستمرة، غادر منصبه وهو في وضع سياسي مزر ومثير للشفقة. ومما لا ريب فيه أن ترشيح خاتمي لخوض السباق الرئاسي المقبل سوف يضفي حيوية كبيرة علي العملية الانتخابية، غير أن الذين يعتقدون أن هذا الحدث سوف يحدث تغييراً جوهرياً في المواجهة الجارية مع النظام الحالي بشأن موضوعي البرنامج النووي والإرهاب، لا شك أنهم واهمون ومخطئون. ذلك أن خاتمي نفسه يصنف قائداً متشدداً، ما أن يتعلق الأمر بثوابت الثورة الإيرانية والتمسك بمبادئها التي لا نكوص عنها. فهو من دعاة هذا النهج ومن أشد القادة الإيرانيين حرصاً علي أن تبقي الثورة الإسلامية علي مبادئها الأساسية. وضمن ذلك يبدي خاتمي حرصاً علي أن تظل "ولاية الفقيه" كما هي دون أن يطرأ عليها أي تعديل أو تبديل. ووفقاً لهذه الآلية الدستورية السارية، يعين القائد الأعلي للثورة من قبل رجال الدين ولا ينتخب انتخاباً ديمقراطياً حراً من قبل الشعب. هذا وقد كان خاتمي صريحاً في التعبير عن رأيه القائل إن من حق إيران تطوير تقنياتها التكنولوجية الخاصة بها. وبالنظر إلي التقدم الذي أحرزته طهران في برامجها النووية الجارية، فمن المرجح أن تتمكن من تطوير تكنولوجيا التسلح النووي في بضع سنوات فحسب، إن لم يكن أقل من ذلك بكثير. يذكر أن إدارة أوباما سعت إلي فتح نافذة جديدة للأمل في التعامل مع طهران، وأعربت عن استعدادها لتدشين استراتيجية مغايرة إزاءها. ففي حديث له أمام "مؤتمر ميونخ الأمني السنوي" الذي عقد في السابع من شهر فبراير الحالي، قال جو بايدين، نائب أوباما، إن الإدارة علي استعداد لإجراء محادثات مباشرة مع طهران، شريطة أن يقدم لها خياران واضحان: إما الاستمرار في النهج الحالي، المعبر عن عدم احترام الإرادة الدولية والمضي في تطوير البرامج النووية وأنشطة تخصيب اليورانيوم. وفي هذه الحالة فإن علي طهران أن تواجه المزيد من الضغوط والعزلة الدولية، أو التخلي عن البرامج النووية السرية وتقديم ما يلزم أميركا والمجتمع الدولي من دعم لجهود مكافحة الإرهاب. وفي هذه الحالة سوف تحظي طهران بالحوافز والمساعدات الثمينة. وكما نري فإن هذه السياسة تتضمن عصياً أغلظ وجزرات أكبر لطهران. أما العصا الجديدة فهي لا تشمل التهديد بالعمل العسكري ضدها، بقدر ما تعني تشديد العقوبات المالية والاقتصادية من قبل أوروبا أكثر مما تفعله الآن في علاقتها بطهران: تقليص علاقاتها التجارية مع إيران. وفيما لو انتخب خاتمي في السباق الرئاسي المقبل -خاصة مع اتساع الخلاف والسخط علي سياسات محمود أحمدي نجاد وتردي الوضع الاقتصادي حالياً- فإن من شأن ذلك أن يرفع الكثير من الضغوط عن كل من أوروبا واليابان، فيما يتصل بأهمية فرضهما لمزيد من العقوبات علي إيران. وعندها سوف يكون الهدف الرئيسي لأوروبا واليابان منح خاتمي فرصة ملائمة لإظهاره قدراً أكبر من الجدية والمرونة في التفاوض حول تسوية سلمية لأزمة برنامج بلاده النووي. والمعضلة هنا أن خاتمي ليس اللاعب الرئيسي في الحلبة النووية، بل ذلك اللاعب هو علي خامنئي القائد الأعلي للثورة الإسلامية. وما لم يتوافر من الأدلة والمؤشرات علي حدوث تغير في موقف خامنئي من البرامج النووية -وهي الأدلة والمؤشرات التي لا وجود لها حتي الآن- فإن من شأن انتخاب خاتمي للرئاسة، أن يضاعف المصاعب التي سوف تواجهها واشنطن في محاولة بلورة سياسات جديدة إزاء طهران، بصرف النظر عن سعادة الإيرانيين بانتخابهم لخاتمي. ولما كان أحمدي نجاد عنواناً صارخاً لكل ما هو سلبي في السياسات الخارجية الإيرانية في الوقت الحالي، فقد كان سهلاً علي واشنطن الحصول علي الدعم الأوروبي والعالمي لتشديد العقوبات الدولية علي بلاده. وفي المقابل فإنه لم تلح حتي هذه اللحظة أي مؤشرات تشير إلي احتمال تراجع أو إبطاء إيران في تطوير برامجها النووية الحالية في ظل رئاسة خاتمي.