يدلى الإيرانيون بأصواتهم اليوم فى الانتخابات الرئاسية والتى تعد من أكثر الانتخابات المثيرة للجدل، منذ سقوط حكم الشاه محمد رضا بهلوى، وقيام أول حكومة دينية معاصرة فى العالم. وقدم معهد «بروكينجز» الأمريكى قراءة خاصة فى الأوراق السياسية للمرشحين الأربعة للرئاسة الإيرانية، واستشرف أفاق العلاقة المستقبلية بين واشنطنوطهران فى ضوء ما ستسفر عنه نتائج هذه الانتخابات. واعتبر المعهد الأمريكى فى تقرير صدر له مطلع الشهر الحالى أن هذه الانتخابات التى ستحدد المصير السياسى للرئيس الإيرانى الحالى المثير للجدل أحمدى نجاد، تعتبر مؤشرا واضحا لمستقبل المسار السياسى المتقلب للبلاد. وكشفت الحملة الانتخابية للرئاسة فى إيران عن ظهور خطاب سياسى صريح حول إمكانية الحوار مع أمريكا. ورغم أن التحول فى علاقة طهرانبواشنطن لن يكون بسبب حصيلة الانتخابات وحدها، فإن التقرير يتوقع أنه فى ختام العملية الانتخابية هذا الأسبوع ستتحدد ملامح العلاقة الدبلوماسية بين البلدين لكن بطريقة لا يحتمل أن تكون مباشرة. ويعتقد التقرير أن تغير القيادة الإيرانية سيعزز من اقتراح إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما بشأن فتح قنوات للحوار مع إيران. ويرجع التقرير نجاح أحمدى نجاد فى استقطاب الإيرانيين وفى جذب انتباه جزء كبير من العالم أيضا، أثناء فترة ولايته الرئاسية التى استمرت أربع سنوات، إلى خطاباته المعادية بشكل مفرط للدولة العبرية، وإثارة حماس الرأى العام الداخلى فيما يتعلق بالملف النووى الإيرانى. وحول سياسيات نجاد الاقتصادية، يرى التقرير أنه بسبب إزدرائه للتكنوقراطيين وعاداته الإنفاقية التى تتسم بالتهور والطيش، سجل معدل التضخم بإيران رقما قياسيا، وتبديد العائدات الهائلة لأسعار النفط العالية. وعلى الصعيد السياسى، يقول التقرير: إن «طريقة نجاد فى التعامل مع العالم الخارجى القائمة على التحدى ساعدت على إضعاف علاقات إيران بشركائها التاريخيين. وأدت إلى إثارة الأممالمتحدة لفرض عقوبات عديدة على طهران. وسلط العديد الضوء على الخطر الذى تمثله العزلة الدولية والضغوط الاقتصادية فى إذكاء الاضطراب الاجتماعى داخل ايران. ورغم منافسيه الأقوياء الذين يواجهونه، وقلة شعبيته الواضحة وسط شرائح عديدة من المجتمع الإيرانى، لفت التقرير إلى أنه لا ينبغى على أحد أن يخرج نجاد من دائرة المنافسة فى الانتخابات. فهو يستخدم ببراعة المميزات القوية لمنصبه، وأنه لم يخسر من قبل أى رئيس إيرانى سابق محاولته للفوز بفترة رئاسية ثانية. ويعد المرشح للرئاسة الإيرانية مير حسين موسوى المنافس الرئيسى لنجاد، ويرجع الكثيرون إليه الفضل فى توجيه الاقتصاد الإيرانى بشكل فعال طوال الحرب الإيرانية العراقية فى ثمانينيات القرن الماضى، والذى تولى خلالها منصب رئيس الوزراء قبل إلغاء هذا المنصب نهائيا. ويشير التقرير إلى أنه بعدما فرض على نفسه الانسحاب من الحياة السياسية، قام موسوى بتبنى الإصلاح العام، بمساندة قوية من الرئيس الإصلاحى السابق محمد خاتمى، ورغم أنه لا يتمتع بشهرة كبيرة بين معظم الشباب الإيرانى، فإنه أطلق حملة انتخابية شديدة الحساسية والتى تبدو أنها شجعت الإيرانيين على المشاركة السياسية بعدما فقدوا الاهتمام بها بشكل كامل فى السنوات الأخيرة. واعتبر التقرير ترشح مهدى كروبى للرئاسة، وهو الرئيس السابق للبرلمان، محاولة خيالية غير عملية فى السباق الانتخابى. حيث ظهر رجل الدين والرئيس السابق للبرلمان وهو فى العقد السابع من العمر كأحد المعارضين الأقوياء لنجاد منذ حصوله على المركز الثالث فى السباق الانتخابى عام 2005 والتى انتهت بنجاد رئيسا لإيران. وبعد خسارته، أسس كروبى حزبا سياسيا وجريدة، عمل من خلالهما على اجتذاب الدعم من العديد من الإصلاحيين السياسيين الذين ساعدوه فى إطلاق الحركة الإصلاحية. وعلى الرغم من كون كروبى لاعبا سياسيا ماهرا فإن مجريات الدعاية الانتخابية الحالية تشير إلى أنه يلعب ثانية على الحصول على المركز الثالث وذلك من خلال تركيزه فى حملته الانتخابية على العلم وهو ليس قضية حيوية بالنسبة للناخب الإيرانى فى اللحطة الراهنة. واستبعد التقرير أن يحصد المرشح الرابع لانتخابات الرئاسة الإيرانية محسن رضائى، قائد الحرس الثورى السابق، أصوات الأغلبية فى صناديق الاقتراع، أو حتى وسط جماعته المحافظة، لكن محاولته تلك تؤكد الحاجة إلى قيادة مستقبلية جديدة، كما أنها تقوى من المنافسات بين النخب الإيرانية، وتخلق مناخا تنافسيا أكثر تحررا فى المستقبل. وحول مستقبل الإصلاحيين فى الانتخابات، يرى التقرير أنه «سواء كسب التيار الإصلاحى أو خسر فإن لديه الكثير ليحصده من هذه الانتخابات». وقد بدا تهميشهم فى انتخابات عام 2005 وكأنه يغلق الباب بشكل صارم فى وجهه إستراتيجيتهم السياسية الخاصة، والتى سعت إلى إعادة تأهيل الجمهورية الإسلامية من خلال العمل على تعزيز المؤسسات التى تمثلهم، وتقوية الضمانات الخاصة بهم. واليوم يرى الإصلاحيون السابقون فى هذه الانتخابات فرصة ذهبية لاستعادة مركزهم السياسى الحيوى، وإحياء شعبيتهم، و إمكانية ممارسة نوع من الضغط المباشر لتحقيق المزيد من الانفتاح فى النظام. وإذا فاز موسوى أو كروبى سيكون من الصعب أن يتضح كيف يمكنهم تطوير أهدافهم السياسية على نحو أكثر نجاحا من الرئيس الإصلاحى السابق محمد خاتمى. وكشف التقرير عن ارتفاع نسبة الإيرانيين المشاركين فى سير العملية الانتخابية، بزيادة تقدر بنحو 60% مقارنة بجميع الانتخابات الرئاسية السابقة. وهو ما يفوق توقعات الإدارة الأمريكية. واعتبر التقرير أن الورقة الأهم فى هذا المضمار تتمثل فى الإقبال على المشاركة فى الانتخابات فى المدن الرئيسية بالبلاد. وهى المدن التى عادة ما يتمتع الإصلاحيون فيها بنقاط قوة. ويتطرق التقرير إلى الحساسية البالغة التى تحيط بالموقف الأمريكى إزاء المتغيرات التى قد تسفر عنها الانتخابات الإيرانية. حيث لفت التقرير إلى أنه لخلق استجابة أمريكية مناسبة، يتطلب السير على خط رفيع بين توجيه انتقادات لاذعة بشأن القيود المفروضة على التنافس السياسى فى البلاد، والاعتراف بالانجازات السياسية التى تحققت. واعتبر التقرير أن هذا هو التحدى الأكثر خطورة اليوم، مع سعى إدارة الرئيس الأمريكى لتحريك محادثات مباشرة مع طهران. ومع استعداد أكبر للجيل الشاب من السياسيين المحافظين للحوار مع واشنطن مقارنة بجيل نجاد. ويتوقع التقرير من إدارة أوباما أنها ستكون حكيمة بالقدرالذى يسمح لها أن تلتزم الصمت الإستراتيجى أثناء مراقبتها لأداء إيران السياسى فى الانتخابات الحالية والذى سيتوقف عليه مدى الانفتاح فى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.