أحذر القارئ ابتداء من أن يصدق كلمة واحدة في هذا المقال، لم يحدث أنني تقابلت مع الرئيس المنتخب أوباما علي أرض الواقع، هذا لقاء في الخيال ربما يكون أكثر واقعية من كل اللقاءات الواقعية. ولأنك يا عزيزي القارئ شكاك بطبيعتك، لذلك لن تصدق تحذيري بل ربما جعلك هذا التحرير تصدق كل حرف ستقرأه. والحكاية ببساطة، إنني عندما كنت أقضي أجازتي في بيروت في فندق بجوار البحر، وعندما كنت في غرفتي أبحث عن فكرة لمقالي القادم، اتصل بي الريسبشن وأبلغني أن هناك شخص يطلب مقابلتي واسمه باراك أوباما، قلت له : حاضر أنا نازل فورا.. لابد أن صديقا ظريفا من أصدقائي المثقفين في لبنان أراد أن يداعبني فادعي أنه الرئيس المنتخب، غير أنني صعقت عندما وجدت الرئيس المنتخب للولايات المتحدةالأمريكية بسمرته ولحمه وشحمه في انتظاري في اللوبي، المدهش في الأمر أن أحدا لم يتعرف عليه من رواد الفندق، قلت له: مرحبا ياسيدي الرئيس المنتخب.. أهلا وسهلا. قال أوباما: لن آخذ من وقتك الكثير.. أنا كما تعرف مهتم اهتماما كبيرا بمشكلة السلام في الشرق الأوسط، وأصارحك بأنني لا أعرف من أين أبدأ.. وما هي الخطوات الواجب اتخاذها لكي نصل جميعا إلي الحل الذي توصلت إليه الدول العربية وهو دولتان تعيشان في جيرة طيبة مع بعضهما البعض.. ولقد نصحني أصدقاء كثيرون بأن ألتقي بك وسماع أفكارك حول هذا الموضوع. قلت له: حسنا يا سيدي الرئيس.. أنا أقدر لك انتقالك لمنطقتنا من أجل حل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، وأرجوا ألا تخرج من هذه الرحلة الشاقة بحقيقة مفادها أنه لم يكن هناك لزوم لها.. أنا أعرف يا سيدي أنه قد وصلتك أفكار من مثقفين عرب كثيرين يطلبون منك أن تتدخل أمريكا لفرض الحل أقصد السلام، علي الأطراف المتصارعة. قاطعني: نعم.. هناك مثقفون عرب طلبوا مني ذلك.. وأنا أشكر لهم حسن ظنهم بقوة أمريكا وقدرتها علي فرض الحلول، ولكن هل تعتقد بأنني أملك من القوة والنفوذ ما يؤهلني لذلك.. لقد حاولت السعودية ذلك من قبل مسلحة بعقيدة السماء وأموال الأرض.. وذهبت الأطراف المتناحرة إلي هناك ونزلت عليهم الهداية بالتأكيد لقربهم من الكعبة المشرفة.. ثم غادروا السعودية وخلال شهور قصيرة عادوا لما كانوا عليه من خلاف.. هل تعتقد أنني أمتلك من أدوات فرض الحل أكثر مما لدي السعودية ومصر. قلت: يا عزيزي أوباما.. لقد قاطعتني قبل أن أقول لك نفس ما ذكرته.. حتي علي المستوي النظري، أي حل ستقدمه أمريكا ولا أقول ستفرضه، ستعارضه بشدة كل أجهزة الإعلام العربية ، كل قبائل المثقفين سترفضه بشدة وتدينه وتلعنه وتشتمه إلي أن ينتهي الأمر بفشله.. سأعطيك مثالا، في أي برنامج تليفزيوني يناقش قضايا المنطقة، سأقول.. إن السلام. لن يسمح لي أحد بأن أكمل الجملة وسيصرخون في وجهي: آه.. أنت تقصد السلام بأجندة أمريكية وإسرائيلية.. تقصد السلام الذي تريد أمريكا فرضه علينا.. لأ ياسيدي.. نحن نريد السلام الشامل الكامل العادل وعودة القدس وعودة اللاجئين.. وإلي أن يحدث ذلك نحن مستمرون في المقاومة. وهنا قال أوباما: يعني أنتم تريدون منا عدم التدخل في شئونكم وفي الوقت نفسه تلحون علينا لكي نتدخل في شئونكم.. هذا من حقكم بالطبع وإن كنت لا أفهمه.. حسنا.. بماذا تنصحني يا أبو علوة بما لك من خبرة في الحرب والسلام؟ قلت: الأولوية الآن ليست للسلام الفلسطيني الإسرائيلي، بل لحكومة فلسطينية واحدة موحدة تتحمل مسئولية حاضر الفلسطينيين ومستقبلهم، وهو حل مستحيل عن طريق التفاهم، مصر حاولت ذلك عبر مجهودات شاقة وجولات عديدة وفي مواجهة اتهامات عديدة أيضا، كما فشلت فيه المملكة السعودية كما قلت سعادتك.. الواقع أنه في التاريخ العربي، ما حدش خد حتة من البلاد وهذا كان يحدث كثيرا واستقل بها ثم أعادها بالود والتفاهم، كل ما يؤخذ بالعنف، يسترد أيضا بعنف أكبر وهذه هي المصيبة التي تقبع في انتظارنا في مكان ما وزمن ما، الوضع بطبيعته المتفجرة غير قابل للاستمرار، ولما كنا لا نريد تحريرا دمويا لغزة، لذلك اسمح لي بأن أعرض عليك هذا الحل.. يتنحي السيدان أبو مازن وهنية،وتقبل دولة عربية إقامة كريمة لكل قيادات الطرفين وأسرهم مع مخصصات معقولة جدا، هؤلاء الناس في الجانبين كل طرف فيهم يحركه الخوف مما يمكن أن يفعله به الطرف الآخر علي سبيل الانتقام، فإذا ضمنوا لأنفسهم الإقامة المريحة الآمنة فلا شك أنهم سيسمحون بانتخابات جديدة نزيهة تؤدي إلي وجود حكومة موحدة تتولي التفاوض مع الإسرائيليين من أجل إقامة الدولة الفلسطينية. سكت الرئيس أوباما قليلا ثم سألني: أنا مستعد بالرغم من أزمة أمريكا المالية، أن أخصص لكل هذه القيادات مبالغ مالية كبيرة للغاية ولكن السؤال هو.. هل سيوافقون علي ذلك؟ أجبت: لأ طبعا. سأل مندهشا: لماذا؟ فقلت له: يا سيادة الرئيس المنتخب.. انت بتصدق إن فيه حد في الشرق الأوسط عاوز المشكلة دي تتحل؟ صحيح كل الأطراف عاوزة السلام.. لكن ما حدش فيهم قال إنه عاوز حل للقضية.. واسمح لي أقول لك من وجهة نظر فلسفية.. هناك اعتقاد شبه غريزي عند البشر إن كل المشاكل لها حلول، أعتقاد أشبه بالقوانين الرياضية، عليك وعلينا وعلي العالم كله أن يعي إن فيه مشاكل مالهاش حل لأن أطرافها يخسرون الكثير عند الوصول لحل.... قبل أن ينصرف أوباما سألته: ما قلتليش يا سيدي الرئيس.. ناوي تحل المشكلة دي إزاي..؟ أرجوك.. كل سكان المنطقة عشمانين فيك وأملهم فيك كبير قوي.. فأشاح بوجهه بعيدا وانصرف بغير أن يجيب علي سؤالي، يا لي من ساذج.. وهي أمريكا عاوزة تحل المشكلة دي فعلا؟