يثبت أسلوب الرئيس الفرنسي فائدته وجدواه في التعاطي مع أزمة كبيرة متعددة العناصر_ وقد كان محظوظاً لهبوب رياح سياسية جيدة في الاتجاه الذي تشتهيه سفنه: قبل عام من الآن كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كثير التنقل، وكانت زوجته قد هجرته، وكان المنتقدون يعيبون عليه قلة الانضباط وأسلوباً ملكياً للحكم، وكانت شعبيته جد متدنية_ أما هذا الأسبوع، فقد عمل ساركوزي مع الرئيس بوش علي الاتفاق حول مجموعة من الاجتماعات الرامية لإصلاح الاقتصاد العالمي، قبل أن يشد الرحال إلي آسيا لطرح فكرة مشاركة الهند والصين، إلي جانب مجموعة الثماني في "بريتون وودز "2 ترسم إطاراً جديداً للعلاقات الاقتصادية_ ويأتي هذا بعد أسابيع فقط علي تحركه لرعاية اتفاق لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الجورجية الروسية. والواقع أن البعض مازالوا ينتقدون ميول ساركوزي لتحويل السياسة إلي ما يشبه العرض المسرحي وأخذ الفضل في تحقيق عدد من الإنجازات_ غير أنه عمل في فترة الصيف علي تعزيز سلطته والجمع بين الجوهر والشكل، وها هو اليوم يحظي بالإشادة كزعيم يجيد التعامل مع الأزمات في عالم بات متعدد القطبية بشكل أكبر_ وفي هذا الإطار، علق "خوسي مانويل باروسو"، رئيس المفوضية الأوروبية -الذي رافق ساركوزي إلي كامب ديفيد عطلة نهاية الأسبوع الماضي- قائلاً: "أعتقد أن الجميع، بما في ذلك الأشخاص الذين كانت لديهم شكوك، يقرون اليوم بأن (ساركوزي) لا يتمتع بطاقة سياسية عظيمة فحسب، وإنما أيضاً بخصال وصفات استثنائية في الزعامة". يثبت أسلوب الرئيس الفرنسي فائدته وجدواه في التعاطي مع أزمة كبيرة متعددة العناصر_ وقد كان محظوظاً لهبوب رياح سياسية جيدة في الاتجاه الذي تشتهيه سفنه: فمع الغزو الروسي لجورجيا، وفوضي أسواق المال، يمكن القول إن ساعة أوروبا قد دقت في وقت تتولي فيه فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، حيث انتزعت أوروبا بكل جرأة الزعامة رداً علي الأزمة المالية العالمية عبر عرض مخطط اقترحه جوردون براون، ولاحقاً ساركوزي، ويقضي بإعادة رأسملة البنوك من أجل مساعدة الاقتصاد_ وإذا كان البيت الأبيض قد قام علي عجل باقتراح مخطط إنقاذ مالي بقيمة 700 مليار دولار، فإنه تبني في نهاية المطاف مخطط أوروبا لمعالجة مشكلة السيولة والموافقة علي سلسة من الاجتماعات الشبيهة ب"بيرتون وودز"، وذلك بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الرابع من نوفمبر المقبل. وقد عمل ساركوزي بسرعة علي الترويج لموقف أوروبا ومقاربتها الأكثر اتزاناً عادة تجاه الأسواق_ ففي "ستراسبورج" يوم الثلاثاء قال ساركوزي في خطاب أمام البرلمان الأوروبي: "إن علي (أوروبا) أن تتبني فكرة أساس جديد للرأسمالية العالمية_ ما حدث كان خيانة لقيم الرأسمالية ولكن اقتصاد السوق نفسه ليس محل تشكيك". والجدير بالذكر، في هذا الإطار، أن فرنسا قامت هذا الأسبوع بإقراض 5.10 مليار يورو (12.14 مليار دولار) لستة بنوك من أجل دعم احتياطيات رأسمالها_ ويقول مستشار سياسي فرنسي سابق لمكتب رئيس الوزراء عن ساركوزي: "إنه يستطيع الدخول إلي أزمة ما والتحرك_ هذا ما يفعله زعيم ما، وهذا ما يجيده ساركوزي "، مضيفاً: "إن بلدان الاتحاد الأوروبي ال27 في حاجة إلي شخص يحصل علي اتفاق_ نحن اليوم في أزمة، ولكنه يعرف كيف يبقي هادئاً وسط هذه المخاوف الكبيرة مما قد يصيب الأسواق، ومن دون أزمة، ربما اختلفت القصة". كانت لساركوزي خلافات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي اشتكي مساعدوها من أن ساركوزي تدخل وسرق الأضواء وأضعف مساهمة زعيمة ألمانية لم تتوان عن القيام بواجبها عندما كانت ألمانيا تتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في _2007 غير أن الصحف الألمانية مثل "فرانكفورتر ألمين زيتونج" المحافظة وعدداً من المحللين الألمان أشادوا بالتحرك الفرنسي السريع بخصوص الوساطة بين روسيا وجورجيا، وبجهود ساركوزي في الساعات الأخيرة بخصوص اتفاقية لشبونة الرامية لتعزيز توحيد أوروبا العام الماضي، حين توصل وميركل إلي اتفاق تاريخي. وفي هذا السياق، يقول هينينج ريك من "المجلس لألماني للعلاقات الخارجية" الذي يوجد مقره في برلين "لقد أصبح دبلوماسياً وسياساً أكثر منه رجل مسرح". جذب ساركوزي الانتباه في فرنسا أول مرة كسياسي يجيد إدارة الأزمات ويتحلي بالهدوء_ ففي 1993 حين كان عمدة لمدينة نويي المجاورة لباريس، واجه ساركوزي أزمة رهائن حيث دخل رجل يصف نفسه ب"القنبلة البشرية" روضة للأطفال حاملاً بندقية ومتفجرات، فذهب ساركوزي مباشرة إلي المدرسة، وتفاوض مع الرجل المختل ثم عاد ومعه الأطفال. وقد قتلت الشرطة الرجل لاحقاً، غير أنه لم يسبق لأحد أن رأي سياسياً يتصرف علي هذا النحو. بيد أنه قبل عام من اليوم وبعد حملة قوية، بدا ساركوزي في وضع سيئ حيث انهار زواجه، وواجه إضرابات عمال قطاع النقل التي تسببت في إغلاق نظام قطارات الأنفاق في فرنسا، في وقت لم تلق فيه جهود كانت ترمي إلي منح المواطنين الفرنسيين الأغنياء إعفاءات ضريبية تأييداً شعبياً في بلد يتواتر الحديث فيه عن تراجع "القدرة الشرائية". غير أن ما وصفه زعيما الدانمارك واللوكسمبورج ب"قوة" ساركوزي في التفاوض مع موسكو، ومع واشنطن في الدفع بنموذج أوروبي للإصلاح أدي إلي ارتفاع التأييد الشعبي لساركوزي إلي 49 في المائة. بل إنه حتي كتاب الأعمدة مثل جون كاترمير، من صحيفة "ليبيراسيون" اليسارية، والتي من المعروف أنها ليست معقلاً لأنصار ساركوزي، شعروا خلال الآونة الأخيرة بالفخر بإنجازات الرئيس، حيث قال "كاترمير" هذ الأسبوع: "باستثناء البريطانيين، الذين قلما يعترفون بالتطورات الإيجابية التي تأتي من القارة بصفة عامة، وفرنسا بصفة خاصة، فإن الجميع معجب بنشاط ساركوزي وقدرته علي التوصل إلي توافقات".