الحياة لا تستقيم لشخص الا اذا جاهد نفسه وعودها تحمل المشاق والصعوبات فالدنيا في تغير دائم لا تثبت علي حالة واحدة والانسان فيها مريض وقتا وصحيح في وقت اخر وغني زمنا وفقير في زمن أخر لهذا كان لابد من ان تتعود النفس تحمل احوال الدنيا المختلفة والوسيلة الي ذلك وضحها القرآن الكريم قال تعالي: "ومن جاهد فانما يجاهد لنفسه ان الله لغني عن العالمين" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين" و"جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم". والمتبادر من هذه الايات الثلاث ان العدو الذي يجاهد ويقاوم هو النفس ولما كان جهاد اعداء الله في الخارج فرعا علي جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي صلي الله عليه وسلم "المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه" لذا كان جهاد النفس مقدما علي جهاد العدو في الخارج واصلا له فانه ان لم يجاهد نفسه اولا لتفعل ماامرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لايمكنه جهاد عدوه في الخارج فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله بل لا يمكنه الخروج الي عدوه حتي يجاهد نفسه وجهاد النفس هو تهذيبها وتوجيهها للخير واساس ثبات المسلم في ميدان القتال انما يكون بمجاهدة النفس وكبح جماحها وعدم الاستجابة للشهوات والاهواء وبدون هذه المجاهدة لا يصلح المسلم للحياة الشريفة ولا يكون جنديا من جنود الله. وقد جاءت كلمة النفس في القرآن لمعان متعددة ولكن المعني المقصود للنفس التي تجاهد هو القوة الكامنة في الجسم الانساني والتي هي مجمع الخير والشر ومستقر الغرائز والنزعات المحركة لهذاالجسم المادي في تصرفه واتجاهه وهذا المعني هو المقصود في قوله تعالي "ونفس ما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها". فتطهير النفس وتزكيتها جهاد شاق وهو اول الطريق لنجاح الانسان في حياته الدنيوية والاخروية وتدسية النفس واخفاؤها هو الشقاء الابدي وهو الابعاد عن فطرة الله التي خلق الله النفس عليها وهو الذي دساها قد فشل في جهادها ولم يقدر علي اعلاء غرائزه فسقط في اول الطريق وشقي في حياته الدنيوية والاخروية. والاسس التي اتخذها القرآن لتربية نفوس المؤمنين كثيرة ومن اهمها تحرير النفوس من عبادة غير الله وردها الي الايمان بالله الواحد الاحد لان الله تعالي هو خالق الكون ومالكه وكل ما فيه مسير وفق امره وتدبيره "وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر انه بكل شيء عليم" "رب السموات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين لااله الا هو يحيي ويميت ربكم ورب ابائكم الاولين" والقرآن الكريم في مكة كانت مهمته الاولي تركيز هذه الفكرة وتأصيلها في نفوس الصحابة وقد سلك لذلك انجح الطرق واقربها للعقول، الطريق الثاني من وسائل تهذيب النفس اداء العبادات علي اختلاف انواعها فاداء العبادات له اطيب الاثر في صلاحها وتنقيتها من كل ما يغضب الله فالصلاة تحمل المصلي علي التفكير في الله وامتثال اوامره واجتناب نواهيه وتجعله موصول القلب بمولاه ليستمد منه النصر والعون والتأييد وبذلك تهون عليه مصائب الدنيا وتذلل امامه الصعاب فلا يعجز ولا ييأس حين تنزل به مصيبة او يقع عليه بلاء وصدق الله اذ يقول: "ياايها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين" "واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الا علي الخاشعين". وانما كان للصلاة ذلك الاثر في تهذيب النفس وصلتها بالله لانها بين الحين والحين تنتزع العبد انتزاعا مما يأنس اليه من متاع ومرح او مما يعمل من كد واحتراف ولاهميتها البالغة في تقوية النفس فقد امرنا الله تعالي بالمحافظة عليها في حال الامن والخوف قال تعالي "حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي وقوموا لله قانتين" وقال "واقم الصلاة ان الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر" وكان النبي صلي الله عليه وسلم اذا حزبه امر فزع للصلاة وكان يقول لبلال ارحنا يا بلال بالصلاة. اما الصوم فله اثر كبير في غرس مراقبة الله والخوف منه سبحانه قال تعالي "يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون" ولذا فان الرسول اعتبره حصنا يقي الانسان من الوقوع في المحرمات فقال عليه الصلاة والسلام "الصوم جنة" يعني وقاية من المعاصي والصوم نصف الصبر والصبر نصف الايمان وكذلك الزكاة فان فيها تعويد النفس علي حب الخير وعلي البدن والتضحية وتطهيرها من الشح والانانية والاثرة قال تعالي "ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحوم" وقال "خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" ولفريضة الحج اثر كبير في التوجه الي الله وحده بطلب الامن والقوة وطلب مرضاته سبحانه وان ما يلقاه الانسان في رحلته الي الحج وما يعانيه من متاعب ومصاعب ومشاق له أكبر الاثر في غرس الجهاد في النفس وتحملها ما يقع عليها من بلايا ومصائب. والطريقة الثالثة من طرق تهذيب النفس الا يتبع الانسان هواه وان يترك شهواته وملذاته لذلك فان الله قد حذر رسله وصفوة خلقه من اتباع الهوي قال تعالي لدواد عليه السلام "يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله" ويقول لنبيه محمد عليه السلام "ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير" وقد حدد الله مصير هؤلاء الذين خضعوا لاهوائهم فبين انهم لا مأوي لهم الا الجحيم وحدد مصير الذين جاهدوا انفسهم وساروا علي نهج الله وخافوا موقفهم بين يديه للحساب قال عز من قائل "فأما من طغي واثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوي واما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي فان الجنة هي المأوي" وقد عجب الله تعالي ممن اتخذ الهه هواه وعبد شهواته وبين ان هذا خيال لا يهديه ابدا قال تعالي "افرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله علي علم وختم علي سمعه وقلبه وجعل علي بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلا تذكرون" واذا كان جهاد النفس له هذه الاهمية وتلك المنزلة فعلي الانسان ان يقوم باداء العبادات وكبح جماح نفسه عن الشهوات والملذات والا يتبع هواه ففي ذلك الخير كل الخير وبذلك تكون النفس مطمئنة راضية مرضية ينال بها الله يوم القيامة "يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".