خريج الثانوية العامة طالب يفقد كل المهارات والادوات التي تمكنه من الانضمام الي الجامعة، وهو غير محصن بقدرته علي الانتاج الفكري والابداع العلمي والتفوق والتطور. عندما تبدأ الاسرة المصرية في حشد قوتها وتعد ما تملك من عدة وعتاد علي مدار سنتين متصلتين من اجل ان يجتاز ابناؤها مرحلة الثانوية العامة فنحن في معركة، عندما تكون مرحلة تعليمية تحمل اعباء مادية ومعنوية لا حصر لها ليس من العدل ان نسميها دراسة او علما، بل هي معركة بكل ما تعنيه الكلمة من معان، فبداية من شهر اغسطس من كل عام وقبل بدء الدراسة تبدأ المعاناة الحقيقية بداية من الطالب الذي يجد ويجتهد ويكون تحت ضغط عصبي لا مثيل له، فيبدأ مشوار الدروس الخصوصية الذي قد يتعدي اكثر من مدرس في المادة الواحدة، حتي ان الطلبة يأخذون دروسا في كل المواد دون استثناء علمية وادبية تحتاج الي دروس او لا تحتاج، وتهجر المدارس لحظة ان تبدأ الدراسة؛ لان ساحة المعركة انتقلت الي الحواري والشوارع في اوكار الدروس الخصوصية، ولم تعد المدرسة مسرحا ملائما لهذه المعركة الشرسة ولم يعد المدرس بداخلها يؤمن بدوره العظيم في اعداد وبناء الاجيال الجديدة. ومرورا بالاسرة المصرية الفقيرة والمتوسطة ويا لقسوة هذه المعركة عليهم فالثانوية العامة تطحنهم، فتسلبهم الاموال وتحرمهم الغذاء والكساء ليوفروا لابنائهم ثمن الدروس الباهظ، ويقتلهم القلق علي ابنائهم ومدي تحصيلهم وقدرتهم علي التفوق المتمثل في اعلي المجاميع دون ادراك الغاية الحقيقية من التعليم. ومتابعة اخبار الامتحانات هذه الايام تدعو الي الاسي والحزن وتعكس الي اي حد وصلت الثانوية الي ما يشبه المعركة، فأمام لجان الامتحانات صراخ وعويل، وطلبة يفكرون في الانتحار واخرون علي حافة الانفجار، واولياء الامور ينتظرون ابناءهم خارج اللجان في توتر وعصبية لا تحتمل، وما زاد الطين بلة ان تتسرب الامتحانات وتباع وتشتري وأن تعلو اصوات الميكروفونات حول اللجان لتذيع الاجابات علي الطلبة وكأنها اذاعة البرنامج العام، وان تعقد في المستشفيات لجان خاصة لابناء المسئولين ورجال الامن وللاسف ايضا لابناء وزارة العدل، وصدق او لا تصدق ان المراقبين يتركون اللجان في تسيب وحالة غش عامة خوفا من الطلبة ؛ لان المراقب الذي يتعنت او يشد اللجنة يتعرض للاعتداء خارج الاسوار. في اي معركة او منافسة هناك فائز ومهزوم لكن في الحقيقة الثانوية العامة معركة انهزم فيها الجميع؛ لان الناتج النهائي ان خريج الثانوية العامة طالب يفقد كل المهارات والادوات التي تمكنه من الانضمام الي الجامعة، وهو غير محصن بقدرته علي الانتاج الفكري والابداع العلمي والتفوق والتطور فهو كان بمثابة شريط كاسيت حفظ المعلومات ثم فرغها دون تعلم حقيقي، كما ان الاسرة انفقت اموالها وتعبت اعصابها وتخرج ابناؤها وللاسف لم يجدوا فرصة عمل حتي كليات الطب سوف يلغي تكليفهم، وخسرت مصر خيرة هذه العقول لما خندقت هؤلاء الطلبة في فصول ضيقة ومدارس غير مجهزة دون فرص حقيقية للتعلم والمعرفة، ان التعليم تم اختصاره في الامتحانات وكأنه اصبح غاية في حد ذاته، مَنْ مِنْ ابنائنا يتعلم ويبحث ليحل مشكلة او يكتشف علاجا لمرض او يسعي لكلية تناسب ميوله وطموحاته، كلنا يريد ان يدخل ابناؤه كلية الطب او الهندسة، دون النظر لقدرتهم او تفوقهم في مجال بعينه ، المشكلة ليست في الثانوية العامة ولكن المشكلة لدينا جميعا طلبة لا يعرفون لماذا وماذا يتعلمون ولا يتعدي نظرهم الي المستقبل اناملهم، ويعتقد الغالبية منهم ان دوره في الحياة ينتهي بانتهاء الامتحانات، اولياء امور يفرضون علي ابنائهم توجهات تعليمية بعينها دون احترام لميولهم وقدراتهم، مسئولون يضعون خططا فاشلة ولا يربطون التعليم باستراتيجية يراد تحقيقها كما لم يخلقوا فرصا حقيقية للتعلم، ولم يهتموا بالمدارس ولا بإعداد الطلبة للعبور من خلالهم الي المستقبل الذي نتمناه. اذا لم ينظر الي التعليم كاستثمار في القوي البشرية، وبالتالي زيادة الانفاق علي التعليم، وتحسين جودته، والتخلي عن فكرة كونه عملية خدمية فلن تحل لا مشكلة الثانوية ولا غيرها، ويصبح التعليم عملية فارغة المضمون، نحن نريد ان نجفف الدموع امام اللجان ان نزيل التوتر ونخفف الاعباء المادية والمعنوية، ان نواجه الفساد الذي يفسح المجال.