قرار اختيار الموت كبديل افضل مما يعيشه الطلاب داخل المؤسسة التعليمية هو دليل علي ان نظامنا التعليمي قد وصل للاسف الشديد الي درجة من الانهيار والتدني، اوصلت طلابنا الي الانتحار والاكتئاب بل وحرق ورق الاسئلة علنا الحمد لله ان الاحداث الأخيرة للثانوية العامة قد جعلتني احسم حالة التردد التي كنت اعيشها وقررت هجرة ابني التامة من نظم ومناهج "سيستم" التعليم المصري الي الالتحاق بالشهادة الاجنبية وبعد مداولات عديدة قررنا فيها داخل الاسرة ان نشترك في عدة جمعيات وان نشد الاحزمة علي بطوننا لنهرب جميعا الي اي شهادة اجنبية نعرف فيها رأسنا من اعقاب قدمينا منذ ساعة التحاقه بالمدرسة الي حين تخرجه وحصوله علي الشهادة الدولية وليس ما حدث هذا العام فقط في الثانوية العامة هو الذي حسم ترددي ولكن ايضا استمرار سريان القرارات الاستثنائية للقبول بالجامعة بمعني ان مكانه بالجامعة الحكومية المجانية محفوظ في اطار تخصيص 5% من الاماكن لطلاب الشهادات الاجنبية ولا يسألني احدا لماذا نسمح بذلك فتلك احدي مفارقات التعليم المصري الذي نشكو ليل نهار من ضآلة الدعم المقدم للتعليم الحكومي ثم نفتح الباب علي مصراعيه لطلاب الشهادات الاجنبية وهم الذين يدفعون الآلاف من الجنيهات ليلتحقوا بالتعليم المجاني واحيانا كثيرة يمكن حصولهم علي منحة دراسية مجانية ايضا في الاقسام الجديدة المتميزة بالمصروفات. هذا القرار الذي اعتقد انني لا انفرد وحدي باتخاذه الآن وإنما يفكر فيه المئات غيري .. من يستطيع ويحلم به ولكن الاغلبية العظمي من طلاب مصر واولياء امورهم لا يستطيعونه. جاءت نتيجة الاحداث الدرامية التي نعيشها الآن بسبب نكسة الثانوية العامة والتي جعلت فلذات اكبادنا من الطلاب مصابين بحالات من الانهيار النفسي والمعنوي اودت بطالبين - "طالب وطالبة" - الي الانتحار وهروبا من هذا الجحيم والغريب ان الحالة النفسية للطلاب وتدميرها اصابت قطاعاً محدداً من طلابنا هم طلاب العلمي الذين صدقوا ان الاحلام ممكنة والمستقبل هو للعلم والعلماء ولكن هيهات. اعتقد انه بالوصول الي قرار اختيار الموت كبديل افضل مما يعيشه الطلاب داخل المؤسسة التعليمية هو دليل علي ان نظامنا التعليمي قد وصل للاسف الشديد الي درجة من الانهيار والتدني، اوصلت طلابنا الي الانتحار والاكتئاب بل وحرق ورق الاسئلة علنا داخل احواش المدارس ومن العجيب إنني حتي هذه اللحظة لم اقرأ بياناً واحداً تنعي فيه غرفة العمليات أو وزارة التربية والتعليم شهداء التعليم المصري ولم يفكر احد في السؤال عن اهل الضحية ألم يكن الواجب يحتم ذلك ام اننا نتجني ايضا؟ ومن هذا المنبر ارسل تعازي واسفي لضحايا وشهداء التعليم المصري وقد يتهمني الكثيرون خاصة من يعتبرون انفسهم اولياء نعمتنا في الفهم والادراك من مسئولي وكوادر وتربوي وزارة التعليم من انني اقف في صف الطالب المصري واولياء الامور وان هذا ضد مستقبل تطوير التعليم. واعترف علنا وصراحة 0وبكامل قواي العقلية انني انتمي الي الطلاب واولياء امورهم باعتبارهم مرآة المنتج النهائي للتعليم المصري بل حتي بالمنظور العلمي البحت الذي اراه غائبا عن تفكير المسئولين بأن ما يحدث يدل علي ان هناك شيئاًغلط وان الطرف الذي يعاني الغبن والاستبعاد هم دائما الطلاب وليس أي طرف غيرهم فهم وحدهم الذين يتحملون كل عمل أو قرار يحدث في العملية التعليمية فهم الذين يتحملون عبء المناهج وحشوها ونمطيتها وكل شيء وهم الذين يتحملون عبء عدم تدريب المعلمين وسوء احوالهم وهم الذين يتحملون الهزال الكبير في مرتبات المعلمين فنشأت الدروس الخصوصية ليعوض الطلاب بأموالهم مرتبات المعلمين وهم الذين هربوا من ارتفاع كثافة الفصول وسوء اداء المعلمين الي مراكز الدروس الخصوصية وهم الذين يدفعون ثمن التجريب والتبديل والتعديل المستمر في انظمة الثانوية العامة وهم مؤخرا الذين يموتون كمدا من قرارات ونتائج تطوير التعليم بتعجيزهم في اسئلة لم يتدربوا عليها وتدميرهم معنويا بألغاز حتي لا يحصل منهم عدد كبير علي مجاميع مرتفعة فيضغطوا علي الجامعات التي لا تقبل الا نصف عدد الناجحين فقط. اليس تعد تلك اسباب تجعلني اتعاطف مع هؤلاء الصبية الصغار ولا اتعاطف مع هؤلاء المسئولين المهنيين المحترفين كما يطلقون علي انفسهم، لاننا تركنا المسألة بين ايديهم لسنوات طويلة، فماذا كانت النتيجة؟! كانت ما نراه في الواقع الحي المعاش الآن والأغرب انهم يرفضون الاعتراف بهذا الواقع وبشاعته بل مستاؤون اكثر من مطالبتنا لهم بمجرد فكرة الاستقالة رغم انني اجدها هي الحد الادني المطلوب الآن في ظل تراجع الوزارة عن مسئوليتها ليس في الامتحانات وصعوبتها ثم التراجع ثانياً عن الاعتراف بالصعوبة وصولا الي استشهاد الطلاب المصريين وانما في الفضيحة "بجلاجل" لسوء ادارة عملية الامتحانات وهو ما يعرف بفضيحة التسرب في الامتحانات ولجان ذوي الحظوة والنفوذ. اما اكبر المفاجآت انه بعد كل ما يحدث وسوف يحدث يتحدثون عن مؤتمر تطوير التعليم الثانوي والترويج بما حدث فيه ولقراراته وانه الحل السري لازمة الثانوية العامة وكأننا مجموعة من البلهاء نصدق ما قيل في المؤتمرات أو توصياته والتي لم تناقش في أي جلسة من جلساته كيف يتم التعليم في مدارس الدول الاجنبية وانظمة امتحاناتهم ولم نسمع حتي الآن انه في أي دولة من دول العالم ان انتحر طلاب بسبب مأساة الامتحانات مثلما حدث لدينا في تعليمنا العبقري. وحسنا أن فطن الرئيس مبارك لأزمة الثانوية العامة وما يحدث فيها وفطن اكثر لمخططات "التربويين اياهم" واكد سيادته كما علمت عن غضبه مما يحدث، لذلك اصر ان تكون أي خطط لتطوير التعليم وتعديل الثانوية العامة رهينة بعرضها علي الرأي العام اولا وان تأخذ وقتها في النقاش والحوار العميق وليس عبر جلسات قليلة وفوقية كما حدث في المؤتمر الأخير وشدد الرئيس ايضا علي ضرورة بقاء مكتب التنسيق بل الاكثر من ذلك انه اكد ان اختبارات القدرات تتم للتخصصات التي تحتاج الي هذا ومعني الكلام ان مخططات امتحانات القدرات للجميع للالتحاق بالجامعات لم تلق قبولا من الرئيس. فمتي تتوقف حالة التشنج والغضب من وزارة التعليم تجاه الرأي العام والصحافة لنبدأ بالفعل حديثاً علمياً وجدياً حول سبل الخلاص من مقبرة الثانوية العامة وتعقد لذلك المؤتمرات والحوارات من اجل ان نصل مستقبلا الي بر الأمان. وحتي لا يكون شعارنا التعليم الأجنبي هو الحل.