طويل، ملتح، هادئ، واثق، له عينان سوداوان، وصوت خفيض.. ذلكم هو أسامة بن لادن، الخجول كما يصفه أخواله الشوام الذي قسم العالم إلي فسطاطين، ووضع نفسه بطبيعة الحال علي رأس فسطاط الإيمان الذي يحارب الكفر!! إنه بن لادن مجددا يطل علي العالم ليس من خلال عملية تفجيرية ولا شريط صوتي، وإنما من خلال كتاب الصحفي الأمريكي "ستيف كول" الذي يكشف فيه أسرارا جديدة عن النشأة الاجتماعية لبن لادن. كول حصل مرتين علي جائزة بليتزر كما أنه من كبار كتاب الواشنطن بوست ونيويورك. يحدد كول في كتابه أربعة أعوام كانت بمثابة حجر الزاوية في حياة بن لادن. العام الأول كان هو العام الذي نزح فيه العامل الأمي الفقير محمد بن لادن من اليمن إلي المملكة السعودية وكان ذلك في عام 1935، محمد بن لادن مؤسس عائلة بن لادن كان موهوبا موهبة فطرية في مجالات البناء والهندسة، ولذا سرعان ما ذاع صيته بين أمراء العائلة المالكة في السعودية، بني بن لادن الأب الطرق والقصور للأمراء وقام بتجديد الحرمين الشريفين ومسجد عمر في القدس، المفارقة أن الأب كان قد وجد فرصته الكبري في شركة أرامكو البترولية الأمريكية، ومن خلالها تمكن من بناء المنشآت العسكرية لحماية الدولة التي أصبح عدواً لها فيما بعد. العام الثاني الذي توقف عنده كول كان عام 1958 الذي ولد فيه بن لادن الابن إضافة لسبعة من اخوته سريعا طلق بن لادن الأب الذي كان مزواجا أم أسامة السورية، ليعيش أسامة مع أمه وزوجها ولكن ليس بعيدا عن أموال أبيه ورعايته. مثل معظم أبناء جيله من الوسط المحافظ ظهرت ميول أسامة "الإخوانية"، وعندما وصل لسن الرشد 21 عاما جاء العام الأكثر خطورة في حياته. ففي عام 1979 أشعلت ثورة الخميني ما سمي ب "الكفاح الديني المسلح"، وكان الحرم المكي ذاته قد تعرض لعدوان قاده جيهان العتيبي وتصدت له الحكومة السعودية بمنتهي الحزم وكان هذا العام هو أول الشقاق بين أسامة وبين اخوته، علي إثر ذلك الشقاق ترك أسامة المملكة ليدخل معمعة حروب أفغانستان ضد السوفيت، وهي الحروب التي استمرت عشر سنوات بدعم أمريكي وعربي كامل، وبانتصار الأفغان وخروج السوفيت بدأ الفصل الحاسم في علاقة بن لادن والمملكة. جاء العام 1988 ليشهد تأسيس أسامة لتنظيم القاعدة الذي سيتولي حرب كل من يخالفه في الرأي أو الرؤية من الأمريكان وحتي من المسلمين. ما ورثه أسامة عن أبيه أنفقه علي حرب أفغانستان وتأسيس القاعدة ثم جلب المزيد من الأموال من المؤمنين بفكره، عداء بن لادن للأمريكان جعل أخوته أصحاب الشركات العالمية ذات العلاقات المتميزة بواشنطن يقاطعون شقيقهم ويبعدون أنفسهم عن أفعاله التي تهدد مصالحهم، ولم يبق لأسامة كما يقول كول ألا تعاطف اخواته البنات معه.