في واحدة من أطول الحملات الانتخابية الرئاسية في تاريخ الولاياتالمتحدة، لم يهتم أي من الحزبين بالتعامل مع واحدة من أشد قضايا اليوم حرجاً وخطراً: كيف تستطيع الولاياتالمتحدة أن تراعي اهتماماتها ومصالحها الداخلية في سوق عالمية تشتد فيها المنافسة يوماً بعد يوم؟ كيف تري 1 - الاستثمارات الآسيوية في أمريكا 2- اتفاقيات التجارة الحرة مع آسيا 3- إقامة علاقات طيبة مع مسلمي آسيا بعد تدمير العراق وأفغانستان 4- تراجع مستوي الطلاب الأمريكيين أمام نظرائهم الآسيويين 5- علاقة أمريكا بالهند والصين في إطار حماية البيئة؟ لقد بات من المستحيل، سواء في الداخل أو الخارج، أن يفوتنا عُرض وعمق التغير الذي يكتسح العالم الآن، وخاصة في آسيا. فبينما بلغ اقتصاد الولاياتالمتحدة المراحل الأخيرة من التحول الجذري من التصنيع الثقيل إلي الصناعات القائمة علي الخدمات، أصبح نجم الصين والهند في صعود سريع، وبات المسلمون في مختلف أنحاء آسيا يطالبون بالاضطلاع بدور أعظم في الشئون العالمية. ومع ذلك ما زال مرشحو الرئاسة، هيلاري كلينتون وباراك أوباما من الحزب الديمقراطي وجون ماكين من الحزب الجمهوري، مستمرين في التعامل بحذر مع مثل هذه القضايا. بل لقد تحولت معالجة حملاتهم الانتخابية للسياسة الخارجية التي تنتهجها الولاياتالمتحدة إلي مناقشات لا تنتهي بشأن الحرب في العراق وأفغانستان، والحكمة من اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا ((NAFTA. مما لا شك فيه أن هذا أمر غير مقبول في نظر كل أمريكي معني بسلامة ورخاء أبنائه وأحفاده في المستقبل. ويتعين علي رئيس الولاياتالمتحدة القادم أن يطرح فهماً أكثر وضوحاً للكيفية التي يعتزم بها أن يعدّ الولاياتالمتحدة لعالم القرن الواحد والعشرين، حيث ترتبط القضايا المحلية بالتطورات العالمية، وحيث قد تؤدي التوجهات والميول العالمية إلي عواقب محلية، وحيث ستضطر السلطة الدولية التي تتمتع بها أمريكا إلي مواجهة النفوذ الآسيوي الجديد. بعد وضع كل ما سبق في الحسبان، ثمة أسئلة خمسة لابد أن تطرح علي المرشحين الرئاسيين الأمريكيين: 1) أصبح لشركات الإنشاء والتكنولوجيا الضخمة مثل ميكروسوفت، وآي بي إم، وسيسكو سيستمز مقار ضخمة في الهند بالفعل. إلا أننا الآن نري الشركات الآسيوية وقد بدأت بالاستحواذ علي أصول اقتصادية قيمة كانت ذات يوم مملوكة للولايات المتحدة، من بين الأمثلة علي ذلك الاقتراح المقدم من مجموعة تاتا الهندية بالاستحواذ علي جاجوار ولاندروفر من شركة فورد. فهل تنظر إلي الاستثمارات والحيازات الأجنبية في أمريكا باعتبارها تطوراً إيجابياً أم خطراً محتملاً؟ 2) كانت أمريكا ذات يوم تعين حدود التجارة الحرة بالنسبة للاقتصاد العالمي الجديد، إلا أن العديد من الأمريكيين اليوم يستغلون ذريعة المطالبة بالتجارة النزيهة في فرض سياسات رجعية وميالة إلي الحماية. وبينما يقترح الديمقراطيون إعادة التفاوض علي شروط اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا، تراقب الدول الآسيوية بمزيد من التخوف والترقب، وخاصة كوريا الجنوبية التي تتساءل في حيرة ما إذا كانت الولاياتالمتحدة جادة بشأن الاستمرار في عقد اتفاقيات تجارية مماثلة مع واحدة من أقوي بلدان آسيا اقتصادياً وأقدم حلفاء أمريكا في المنطقة. فهل أنت مع، أم ضد، عقد اتفاقيات تجارة حرة مع آسيا؟ 3) تسببت الحرب في العراق والحرب في أفغانستان، بصرف النظر عن المسوغات النسبية التي دعت إلي هاتين الحربين، في الإضرار بموقف الولاياتالمتحدة في نظر تسعمائة مليون مسلم في آسيا، من باكستان إلي الفلبين. ولقد كشف استطلاع للآراء أجرته _مؤسسة بيو الدولية_ في العام 2006 أن نسبة المؤيدين للولايات المتحدة في إندونيسيا، الدولة الإسلامية التي تضم أضخم تعداد للمسلمين في العالم، هبطت إلي ما دون الثلاثين في المائة. فكيف تعتزم في ضوء ما سبق أن تخطب ود المسلمين في آسيا، وكيف تحشد التأييد في الداخل لإقامة روابط أشد قوة مع المسلمين في مختلف أنحاء العالم؟ ) شاركت جمعية آسيا مؤخراً في تقديم دراسة تعليمية جديدة أظهرت أن براعة الطلاب الأمريكيين في عمر الخامسة عشرة علي مستوي العلوم تأتي في المرتبة الخامسة والعشرين من بين ثلاثين دولة خضعت للدراسة، كما جاء ترتيب الطلاب الأمريكيين متأخراً بصورة واضحة عن زملائهم في اليابان، وكوريا الجنوبية، وهونج كونج. في نفس الوقت تناضل كليات وجامعات الولاياتالمتحدة من أجل اجتذاب أفضل وألمع العقول من الخارج، بعد أن أصبح هؤلاء الطلاب، وأساتذتهم، عاجزين عن الحصول علي تأشيرات الدخول إلي الولاياتالمتحدة بسبب القيود المفروضة، وبعد أن أصبح حتي من يحصلون منهم علي التأشيرات اللازمة يتعرضون لمنغصات هائلة ويتعطلون كثيراً قبل السماح لهم بالدخول. كما يشتكي كبار رجال الأعمال، مثل بِل جيتس صاحب شركة ميكروسوفت، من نقص العمالة الماهرة، ويدعون إلي التوسع في منح التأشيرات من ذلك النوع الذي يسمح للمحترفين بالعمل في الولاياتالمتحدة لفترات قصيرة. فكيف تخطط لمساعدة الطلاب الأمريكيين في المنافسة علي الصعيد العالمي، بينما تضمن توفير ظروف عادلة في الداخل للطلاب والعاملين الموهوبين من الأجانب؟ 5) تطالب الصين والهند بتنازلات من جانب الولاياتالمتحدة قبل حتي أن تفكرا في تقليص الانبعاثات الغازية الضارة الناجمة عن أنشطتهما الصناعية. فهل أنت علي استعداد للتضحية ببعض النمو الاقتصادي في الداخل، أو هل أنت مستعد لتعريض علاقة الولاياتالمتحدة بالصين والهند للخطر، في سبيل حماية البيئة؟ يتعين علي رئيس الولاياتالمتحدة القادم أن يعمل علي إعادة إشراك آسيا، ليس باعتبارها عاملاً مهماً في _الحرب ضد الإرهاب_، بل باعتبارها عنصراً محورياً في خريطة الطريق نحو مستقبل آمن ومضمون ومزدهر. لابد أن يبدأ رئيس الولاياتالمتحدة الآن في الإجابة عن هذه التساؤلات التي تطرحها آسيا.