نشر معهد كارنيجى للسلام الدولى حوارا لميشيل دن خبيرة الشرق الأوسط بالمعهد تناولت فيه العلاقات المصرية الأمريكية عشية الانتخابات التى تشهدها مصر، ومدى تأثير تلك الانتخابات على العلاقات الثنائية بين البلدين. وقالت ميشيل إن مصر تعتبر واحدة من أهم حلفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية فى الشرق الأوسط، كما أنها دولة رائدة فى العالم العربى. مؤكدة أن مصر تواجه دورة انتخابية حرجة تبدأ بالانتخابات البرلمانية فى نوفمبر المقبل، وتتبعها الانتخابات الرئاسية فى خريف 2011، وتوقعت أن يكون لهذه الدورة الانتخابية تأثير عميق على المصالح الأمريكية فى المنطقة. وأوضحت أن الولاياتالمتحدةالأمريكية من مصلحتها دعم الإصلاح السياسى فى مصر قائلة: «الولاياتالمتحدةالأمريكية تتعاون مع الحكومة المصرية فى المجالات العسكرية والسلام الإقليمى والاستقرار ولكن واشنطن تحتاج أيضا أن تدعم بوضوح مطالب المصريين فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحرية السياسية فى مصر». وقالت ميشيل إن الولاياتالمتحدة عرفت أهمية مصر الاستراتيجية منذ بداية انطلاق الاستثمار الأمريكى فى الشرق الأوسط، والذى بدا تحديدا بعد الحرب العالمية الثانية. لم يكن سهلا على الحكومة الأمريكية أن تصنع علاقات جيدة مع مصر فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى حينما كان جمال عبدالناصر رئيسا لمصر، فقد كانت هناك اختلافات كثيرة بين البلدين، كما كانت هناك تباينات فى نظرتهما للمنطقة. ولكن فى منتصف السبعينيات عندما بادر الرئيس السادات بتغيير التوجه الاستراتيجى لمصر وقرر صنع السلام مع إسرائيل، بدأ التقارب بين العلاقات المصرية الأمريكية. ومنذ نهاية السبعينيات يتعاون البلدان فى الشئون الإقليمية، فهناك تعاون دبلوماسى وعسكرى واستراتيجى يربط بين البلدين لتعزيز السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، كما أن هناك تعاونا اقتصاديا بين البلدين حرصت عليه مصر. وخصصت الولاياتالمتحدة عشرات المليارات خلال الثلاثين عاما الماضية لتعزيز التنمية الاقتصادية فى مصر، بالإضافة إلى تحديث القوات المسلحة المصرية. وأضافت ميشيل أنه «فى السنوات العشر الأخيرة طغا عنصر جديد على العلاقات المصرية الأمريكية اهتمت به واشنطن ألا وهو النظام السياسى المصرى وحقوق الإنسان فى مصر». حيث تصاعدت الأصوات من المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة مطالبة بإصلاح سياسى ودعم حقوق الإنسان فى مصر، وترى أمريكا أن تقدم مصر فى هذا المجال يرتبط ارتباطا حتميا بالازدهار الاقتصادى التى تطمح مصر فى الوصول إليه. وقالت ميشيل إن أوباما عندما تولى رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية فى يناير 2009، كان يرغب فى تقوية العلاقات الثنائية بين عدد من البلاد العربية والإسلامية بينها مصر. وكان هناك توتر بين الرئيس مبارك والرئيس السابق جورج بوش، بسبب السياسات الأمريكية فى المنطقة خاصة الاحتلال الأمريكى للعراق، وأيضا التدخل الأمريكى فى الشئون المحلية المصرية، إلا أن أوباما تراجع عن تلك السياسات وعاد ينظر لمصر باعتبارها شريكا فى عملية السلام، وبدأ فعلا فى تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين. ولكن فى السنة الثانية لأوباما فى البيت الأبيض بدأت إدارته إبداء اهتمام بالشأن المحلى فى مصر، خاصة مع وجود أزمة خلافة وشيكة فى مصر، واقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وأشارت ميشيل إلى أن الإدارة الأمريكية احتجت بشدة فى مايو 2010 عندما جددت الحكومة المصرية العمل بقانون الطوارئ، كما ناقش أوباما مع مبارك خلال زيارته المهمة لواشنطن فى سبتمبر 2010 قضايا تتعلق بحقوق الإنسان وإجراء انتخابات نزيهة فى مصر. وترى ميشيل أن مصر لها أهمية استراتيجية بالنسبة لأمريكا بسبب موقعها الجغرافى، فهى تصل بين قارتى آسيا وأفريقيا كما أنها تطل على كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتضم قناة السويس التى تربط بين البحرين. لذا فإن أى قوة خارجية لها مصالح كبيرة فى الشرق الأوسط يجب أن تحرص على صنع علاقات عميقة مع مصر، وتقوية التعاون العسكرى معها أيضا. كما توضح ميشيل أن لمصر دورا تاريخيا مهما فى السياسة والثقافة فى منطقة الشرق الأوسط بأكملها، مضيفة «صحيح أن الكثيرين يتحدثون عن تراجع دور مصر فى المنطقة وانها لم تعد مؤثرة فى السياسة العربية كما كان من قبل، ولكن الحقيقة هى أنه إذا كان دور الحكومة المصرية أصبح أقل تأثيرا إلا أن المجتمع المصرى ما زال مؤثرا». فالاتجاهات التى يسير فيها المجتمع المدنى وحركات المعارضة فى مصر يقتدى بها المواطنون فى أماكن أخرى العالم العربى والإسلامى، وتضرب ميشيل مثالا على ذلك باستخدام المعارضة السياسية للإعلام الاجتماعى، مؤكدة أن الشعب المصرى مازال مؤثرا بالفعل فى المنطقة. وتتحدث ميشيل عن أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتمد على مصر فى عدة مجالات مختلفة، فعلى الصعيد الدبلوماسى تعد مصر لاعبا أساسيا فى عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فمصر هى القناة التى تتواصل أمريكا من خلالها مع الفلسطينيين، خاصة أن واشنطن لا تتحدث مع حماس كما أنها كانت لا تتحدث مع السلطة الفلسطينية عندما كانت برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات. فقد استطاعت مصر من خلال هيمنتها على الجامعة العربية دعم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ودوره فى عملية السلام واستعداده للتفاوض مباشرة مع الإسرائيليين. وعن كيفية قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بدعم الإصلاح السياسى فى مصر أوضحت ميشيل أن الإصلاح السياسى والتحول الديمقراطى فى مصر «سيحدث أو لن يحدث.. ذلك فى المقام الأول يرجع للمصريين أنفسهم»، مؤكدة ان أمريكا مجرد «فاعل خارجى». وأضافت: «مع ذلك لا يمكن إنكار أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لها تأثير كبير فى هذا الشأن ولا يمكن لها أن تتظاهر بأنها محايدة تماما حيال هذه المسائل، لأنها لو لم تظهر دعمها للتحول الديمقراطى وحقوق الإنسان فى مصر فستصل رسالة إلى المصريين مفادها أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعارض الإصلاح السياسى فى مصر وتدعم الحكومة الحالية». وعن تأثير الانتخابات البرلمانية والرئاسية على العلاقات المصرية الأمريكية قالت ميشيل إن «هناك سؤالين فى غاية الأهمية الأول يتعلق بالانتخابات البرلمانية.. هل تتحرك مصر نحو انتخابات نزيهة عادلة؟ خاصة أن مبارك ورجال حكومته قالوا إن مصر فى طريقها إلى الديمقراطية خلال السنوات القادمة، حتى لو كانت خطواتها نحو الديمقراطية بطيئة». وأكدت ميشيل أن «أهمية الانتخابات البرلمانية فى 2010 تكمن فى مقارنتها بالانتخابات البرلمانية الأخيرة التى أجريت عام 2005 لمعرفة ما إذا كانت مصر حققت تقدما أم لا؟». وأوضحت ميشيل ان هناك مطالبات من المجتمع المدنى المصرى والمعارضة بالتغيير من الممكن أن تجعل الانتخابات البرلمانية أكثر نزاهة وعدالة، كما أن الحكومة المصرية يمكنها اتخاذ عدد من الخطوات لضمان نزاهة الانتخابات حتى فى ظل عدم تغيير القوانين الحالية المنظمة للانتخابات. ومن ضمن هذه الخطوات وقف العمل بقانون الطوارئ الذى يحظر التجمع وتنظيم الحملات، وأيضا إبعاد قوات الأمن عن مراكز الاقتراع لمنع ترهيب الناخبين وإكراههم على التصويت لصالح مرشحين بأعينهم كما حدث فى الانتخابات السابقة، والسماح للمجتمع المدنى بمراقبة العملية الانتخابية بالإضافة إلى مراقبين دوليين، وشددت ميشيل على أن «السماح للمراقبين الدوليين بمراقبة الانتخابات البرلمانية سيكون خطوة مهمة للأمام فى مجال الإصلاح السياسى فى مصر». وأكملت ميشيل قائلة: «أما السؤال الثانى فيتعلق بالانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى 2011.. هل ستمضى مصر بعيدا عن نموذج «الرئاسة الفرعونية» الذى سيطر على مصر خلال الخمسين عاما الماضية أم لا؟ نموذج القائد العسكرى الذى يظل فى منصبه مدى الحياة». وترجع اهمية الانتخابات الرئاسية من وجهة نظر ميشيل إلى انها ستبين ما إذا كانت مصر ستتخذ خطوات حقيقية لمراقبة الانتخابات الرئاسية أم لا، وما إذا كانت ستحدد مدة ولاية الرئاسة أم لا. وهل سيتم تخفيف الشروط اللازمة للترشح لمنصب الرئيس أم لا، فالشروط الحالية صممت لمنع أى منافسة للحزب الحكم. وعن كيفية تعامل صانعى السياسة الأمريكية مع الدورة الانتخابية فى مصر قالت ميشيل «إنها أوقات حرجة فى تاريخ السياسة المصرية والعلاقات المصرية الأمريكية، فعهد الرئيس مبارك الذى استمر 30 عاما اقترب من النهاية، وفى نفس الوقت يتزايد سخط المجتمع المصرى على الحكومة، كما أن حركات المعارضة تتصاعد فى مصر هى الأخرى، صحيح أنها ما زالت ضعيفة إلا أنها طبعا أقوى مما كانت عليه من قبل». وأضافت ميشيل: «يجب أن تختار الولاياتالمتحدةالأمريكية الآن موقعها فى المشهد المصرى بحذر. فهى يجب أن تظهر أنها ما زالت حريصة على التعاون مع الحكومة المصرية فى المجالات الدبلوماسية والعسكرية والاستراتيجية والاقتصادية وفى نفس الوقت أن تدعم بوضوح مطالب الشعب المصرى فيما يتعلق بحقوق الإنسان والإصلاح السياسى». وأكدت ميشيل أن أهم ما يجب على الولاياتالمتحدةالأمريكية فعله الآن هو تشجيع مصر على السماح للمراقبين الدوليين بمتابعة سير العملية الانتخابية، صحيح أن مصر غير موافقة حتى الآن على هذه الخطوة ولكن يجب على واشنطن أن تحث الحكومة المصرية على الموافقة، وأيضا أن تحث المنظمات الأمريكية على مراقبة الانتخابات فى مصر.