أحمد الفيشاوي تلميذ الداعية عمرو خالد، الذي كاد يتحول إلي داعية بين جيل الشباب وزملائه في الحفل الفني، يرتكب فعلا يثير ضجة مازال صداها يتردد حتي اليوم.. حمادة هلال تظهر عليه أعراض "الدروشة" ويفكر في إيقاف الغناء في حفلاته لحظة رفع الأذان، ويقرر الفصل بين الأولاد والبنات في حفلاته.. وفجأة يتحول إلي بطل لفضيحة يتهمه فيها أعضاء فرقته بالاستيلاء علي عرقهم وجهدهم عندما حصل علي مبلغ ضخم من أحد شيوخ الخليج نظير حفل أحياه، وفرقته، في "دبي" ولم يمنح أعضاء الفرقة سوي الفتات، الأمر الذي دعاهم إلي تقديم شكوي ضده في نقابة الموسيقيين، وهددوا بالانسحاب من الحفلات التي اتفق علي إحيائها في مصر. فما كان منه سوي أن اضطر لدفع بقية أتعابهم!.. وقائع كثيرة تكاد تشير إلي ظاهرة مرضية تجتاح الساحة الفنية هذه الأيام تتمثل في "الشيزوفرينيا" التي أصابت الفنانين في صورة ازدواجية يتظاهرون خلالها بالتمسك بالقيم والأخلاق وأنهم "دعاة" علي وشك اعتزال الفن أو البقاء فيه بشرط تحويله إلي "منبر" لهم، وفي المقابل تكشف أفعالهم وسلوكياتهم المتناقضة عن ردة فكرية وأخلاقية بمعني الكلمة. الموسيقار حلمي بكر يقر بهذه الازدواجية بقوله: هذه الازدواجية ناتجة عن العشوائية التي يعيشها المطربون والممثلون والبحث الدائم عن العائد المادي فقط وليس المعنوي لأن بعض الشركات الغنائية توقع عقد احتكار لمدة خمس سنوات وخلال هذه الفترة يصبح هم الفنان جمع الأموال قبل فوات الأوان، ولا يجب أن نتجاهل وجود بعض القنوات الغنائية التي تبث بعض الأغاني والكليبات العارية ثم تنتقل إلي الأغاني الدينية قبل أذان الفجر، وبعده وهي أيضا قمة الازدواجية، ونوع من التحايل علي المتفرج وتأكيد لشعار هذه القنوات الذي ترفعه ويقول: "اللي تغلب به العب به".. ويبدو أن زمن الكرامة والقيم والمحترفين انتهي مع انتهاء ظاهرة عمالقة الفن الذين يحترمون المجتمع بدون أهداف شخصية. ويقول الموسيقار الكبير عمر خيرت: هذه الازدواجية ناتجة عن تربية الفنان ونشأته والبيئة التي عاش فيها وليس العيب في الزمن بل في غياب الأخلاق، ولأن الفن أصبح تجارة فقط ولا يهم تقديم الفن الجيد والبعض يبحث دائما عن المال والشهرة وحياة الرفاهية، حيث السيارات الأحدث موديل والفيللا والموبايل لكن الفن يأتي في ذيل اهتماماتهم، بل هو ستار للتملق والانتهازية، وبعضهم يجهلون الغناء الصحيح ولا يتمتعون بأية موهبة، وللأسف تمنحهم وسائل الإعلام أكثر من حقهم الفني ونتيجة غياب الأخلاق أو احترام الذات! من جانبه يعلق منير الوسيمي نقيب الموسيقيين علي الظاهرة بقوله: الازدواجية ليست مقصورة علي المطربين فقط، بل تتسع لتصيب طوائف أخري كثيرة في الجتمع المصري تتحدث عن الحلال والحرام، علي الرغم من أن علاقة العبد بربه هي علاقة خاصة جدا، وعليهم أن يتفرغوا لتقديم الفن النبيل الذي يحمل رسالة أخلاقية. صلاح عرام الموسيقار الكبير وقائد الفرقة الذهبية يقول: هذه الازدواجية قائمة طوال حياتنا الفنية، ولم يخل منها عصر أم كلثوم وعبدالوهاب، وفي الكثير من الأحيان تفرض الظروف علي الفنان أن يقدم الرومانسي والعاطفي وأيضا الديني ودون أن يتهم بأنه خلط الدين بالعاطفة، بل يرجع الأمر إلي ضرورة فنية يستهدف من خلالها إرضاء جمهوره بكل شرائحه، وهذا طبيعي إذا كان يقدم في شكله الصحيح، فالفنان بشر، لكن الغريب أن تصل هذه الازدواجية إلي القنوات الفضائية، التي تقدم العري في كليبات فاضحة ثم لا تتورع عن القطع عليها لتذيع أذان الفجر، وربما ابتهالات دينية (!) وهذه في نظري هي الخديعة الأخلاقية الكبري... أخيرا يتطرق المايسترو حسن فكري لنقطة مهمة بقوله: أحيانا يحلو للفنان أن يواكب مناسبات دينية بعينها تفرض نفسها عليه وعلي الجميع، مثل شهر رمضان؛ فيلجأ إلي تقديم الأدعية الدينية أو الابتهالات، كما حدث مع عمرو دياب وهشام عباس وغيرهما، ولا اعتراض علي هذا؛ بدليل أن "العندليب" نفسه فعل هذا من قبل عندما قدم مجموعة غير قليلة من الأدعية الدينية التي صارت "كلاسيكيات" وتراثا نادرا بمعني الكلمة، ولم ينبر أحد لاتهام "حليم" بأنه تجرأ عندما غني الديني، وهو المعروف بلونه العاطفي الساخن؛ فالروحانيات ليست غائبة عن مجتمعنا، بل تمثل جزءا أصيلا في جذوره، بشرط ألا يصل هذا إلي حد التطرف الغليظ أو المتاجرة المرفوضة.