مازال الفنان القدير صلاح السعدني علي قناعاته الفكرية والفنية، ولم ينجح أحد، ولا الزمن نفسه، في تغيير هذه القناعات، وبقي صامدا وصريحا ورافضا للمناورات، وفي كل الأحوال كان متسقا مع نفسه، وهو يتحدث عن غيابه عن السينما وإعجابه بالجيل الجديد وعادل إمام الذي وصفه بأنه ظاهرة استثنائية. اختيارك العودة لجمهور التليفزيون بمسلسل "عدي النهار" هل وراءه مبرر مقنع؟ المبرر الأكبر اقتناعي بالدور، الذي أجسد فيه شخصية رجل عسكري شديد الجدية، تحاول أميرة سابقة تدعي "نيرمين" الإيقاع به في حبها، والسبب الثاني أن أحداث المسلسل ترصد فترة شائكة من تاريخنا هي التي تمثل إرهاصة لهزيمة يونيو 1967، وهناك مبرر شخصي يتمثل في صداقتي والمؤلف محمد صفاء عامر والمخرج إسماعيل عبدالحافظ. لكن هناك من استشعر أنك تكرر نفسك بعد دورك في مسلسل "نقطة نظام"؟ علي الإطلاق؛ فالاختلاف كبير بين الدورين وأيضا العملين. هل صحيح أنك غضبت من الرقابة بسبب ارتكابها مذبحة ضد "نقطة نظام"؟ هذا الموضوع يتكلم فيه مؤلف العمل محمد صفاء عامر بشكل أفضل من ي. هل حددت موقفك بالنسبة للمشاركة في الجزء الثاني الذي أعلن المؤلف أن تصويره سيبدأ بعد الجزء الأول؟ أنا مع العمل الجيد، وألبي كل ما يطلب مني بصدده؛ خصوصا أن هناك معايير كثيرة هي التي تحدد إمكانية استمرار العمل في أجزاء أم يتوقف بعد جزء واحد فقط، وفي رأيي أن طبيعة "عدي النهار" تقتضي استكماله بجزء ثان؛ فالجزء الأول يرصد الهزيمة والثاني يتحدث عن النصر. هل أنت مع الرأي الذي يهاجم تواجد الفنانين العرب في الدراما المصرية؟ أبدا مثلما لا أري مطلقا أن الفنانين العرب يستولون علي فرص النجوم والفنانين المصريين؛ فمصر منذ القدم تتسع لكل المبدعين، والأمثلة كثيرة، وفي كل الأحوال "مفيش حاجة" اسمها فنان مصري وآخر تونسي وثالث سوري، بل هناك مبدعون عرب، وإذا كنا فشلنا في تحقيق وحدة عربية في أي مجال، فالفن هو العنصر الوحيد الذي جمع بيننا كعرب، والساحة في حاجة إلي المزيد من المبدعين العرب القادرين علي إثراء هذه الساحة. تقول هذا بمناسبة مشاركة الفنانين اللبنانيين رزان مغربي ونيكول سابا في العمل الذي تقوم ببطولته الآن؟ ليس لهذا علاقة بوجهة نظري الثابتة في هذه القضية، وفي المقابل أري أن "نيكول" و"رزان" متميزتان، ونجحتا في إثبات تواجدهما بشكل جيد، وأتصور أنهما ستقدمان الدورين بطريقة مختلفة. وما رأيك في ظاهرة تسويق الأعمال الدرامية التليفزيونية بأسماء النجوم أسوة بما يحدث في السينما؟ هذا الأمر يزعجني، فالمنطق الصحيح أن يتم تسويق العمل بموضوعه وليس باسم بطله، لكن الأوضاع باتت مقلوبة في السوق مثل أي شيء آخر في حياتنا، ولا أعفي هنا الجهات الإنتاجية التي تتهافت علي النجوم وتكون النتيجة ظهور موضوعات وأعمال دون المستوي. هل تبنيت موقفا رافضا للسينما؟ علي الإطلاق. لكنك تبدو غاضبا منها بدليل غيابك عنها؟ أبدا لست غاضبا، لكن السينما طوال عمرها "شبابية" في كل عهودها ومراحلها. لكن هذه السينما نفت وجودكم في أكثر الأوقات؟ لم يكن هناك "نفي ولا حاجة" بدليل التجارب الأخيرة التي تواجد فيها نجوم كبار، وإن كانت لا تتكرر كثيرا، لكن لدينا عادل إمام الذي أنظر إليه بوصفه ظاهرة استثنائية. لماذا لم تجعل من نفسك أيضا حالة استثنائية؟ لم يعرض علي الدور الذي يناسبني، وإن تلقيت أكثر من فيلم لكنني رفضته. لأنك وجدت أنك ستتحول إلي "سنيد"؟ لا مانع عندي من الظهور بجانب الشباب، إذا كان الدور جيدا، لكنني رفضت الأفلام التي عرضت علي لأنها ببساطة "ماعجبتنيش". هل تري أن فيلم "الجزيرة" بمثابة بصيص أمل لعودة الكبار بعد تجربة القدير محمود ياسين؟ لا أظن أن تجربة "الجزيرة" تمثل عودة للفنانين الكبار، بل هي تجربة واحتمال تكرارها يتوقف علي عوامل كثيرة. هل تذكرت أحمد زكي بمناسبة ذكري رحيله؟ ياااه.. رجعتوني لذكريات جميلة وأيام أجمل.. رحمك الله يا أحمد زكي، وأدخلك فسيح جناته؛ فقد كان فنانا رائعا وموهوبا بمعني الكلمة، ومنذ أول لحظة شاهدناه فيها عرفنا أن مستقبلا كبيرا في انتظاره؛ فقد كان من المعتاد أن أفوت علي عادل إمام ثم نذهب إلي سعيد صالح في المسرح، وذات ليلة كانت تعرض مسرحية بعنوان "القاهرة في ألف عام"، وفي مشهد عابر فيه مظاهرة علي باب القاهرة تابعنا شابا يكرر كلمة واحدة مرتين، وانجذبنا إليه بقوة لدرجة أننا سألنا عنه فقالوا لنا: أحمد عبدالرحمن زكي، ولحظتها اقنعناه بأن ينضم إلي فرقة الفنانين المتحدين ووقع عقدا قدم بعده "هالو شلبي" ثم "مدرسة المشاغبين" و"العيال كبرت"، وفي مسلسل "الشاطئ المهجور" تألق بشدة وقدمناه للمخرج يحيي العلمي فاختاره للمشاركة في مسلسل بعنوان "الأب المصري"، وطوال عمره لم يتغير وعاش بحياته الفلاح وابن البلد ولم يتخل عن عفويته أبدا. لكن المفارقة أنكما لم تعملا معا؟ كنت أتمني أن أشاركه في عمل ما، وكادت الأمنية تتحقق في فيلمين لكن الظروف الإنتاجية حالت دون ذلك.. لكنك في كل الأحوال لابد أن تقف عاجزا وحائرا أمام تفسير هذه الظاهرة الفنية النادرة والموهبة الخارقة لأحمد زكي؛ وتحديدا في دوريه بفيلمي "البريء" و"زوجة رجل مهم" وابحث عنه في شخصيتي جندي الأمن المركزي الجاهل وضابط أمن الدولة في الفيلمين لتكتشف أنك أمام معجزة. وما رأيك في ابنه "هيثم"؟ جميل لأنه نتاج علاقة فنية وإنسانية شديدة الرقي بين أحمد زكي والرقيقة هالة فؤاد ابنة المخرج أحمد فؤاد؛ فهي عائلة موهوبة بكل المقاييس. بمناسبة الحديث عن الأبناء، ما رأيك في أحمد صلاح السعدني؟ (ضاحكا) أنا الوحيد اللي ما ينفعش أرد علي هذا السؤال، والجمهور وحده هو الذي يملك الإجابة، ومن قبلهم النقاد. ورأيك في جيل الشباب الذي يسيطر علي الساحة حاليا؟ هايلين بجد.