صارت الترجمة في عصرنا الحديث ضرورة حتمية بين الأمم، لمعرفة الآخر وثقافته وحضارته، خصوصاً مع تطورات الثورة التكنولوجية في تقنية المعلومات التي ربطت بين الشعوب وعمقت الانفتاح الثقافي وقد أثارت ترجمة القرآن للعبرية العديد من التساؤلات والقضايا بين المثقفين ورجال الدين الإسلامي بصفة خاصة، رغم أن هناك قرابة لغوية بين اللغة العربية لغة القرآن الكريم وبين اللغة العبرية المترجم إليها القرآن فهما تنتميان إلي أسرة اللغات السامية غير أن هذه القرابة اللغوية في رأي بعض الباحثين قد ضعفت كثيراً بعد أن استعادت العبرية الحديثة العديد من الكلمات والمصطلحات والتراكيب الأجنبية وحتي مع وجود قدر من القرابة اللغوية بين اللغتين، فإن لكل واحدة منهما خصائصها اللغوية التي ينبغي مراعاتها بدقة عند الترجمة من إحداهما إلي الأخري. وكلنا يعلم أن النص القرآني له خصوصية لغوية فريدة من نوعها تجعل ترجمته إلي أية لغة أخري أمراً مستحيلاً لا تمنع من ترجمة المعاني القرآنية إلي كل اللغات بأي حال من الأحوال. الدكتور محمد عبدالصمد زعيمة أستاذ الدراسات السامية المقارنة بكلية الآداب جامعة القاهرة يقول في دراسة عن الفروق اللغوية بين الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم: إن أقدم محاولة لترجمة معاني القرآن الكريم إلي العبرية قام بها الحبر اليهودي يعقوب بن إسرائيل اللاوي في منتصف القرن السادس عشر للميلاد ففي سنة 1547 وبالتحديد كتبت هذه الترجمة العبرية من ترجمة لاتينية كانت مطبوعة في البندقية ولاشك في أن أخذ ترجمة عن ترجمة أخري لا يكسب الأولي صفة المصداقية نظراً لعدم إطلاع صاحبها علي الأصل العربي للقرآن الكريم.. هذه الترجمة العبرية القديمة لم تطبع بل ظلت محفوظة حتي الآن ضمن محفوظات "ميجل" وبعد ذلك بحوالي ثلاثة قرون قام المستشرق الألماني تسقي حاويم ربكندورف بعمل ترجمة لمعاني القرآن الكريم وطبعت في مدينة ليبزج سنة 1857 وقد اتهمه البعض بعدم الدقة اللغوية مع أن ريكند ورف اتبع في كتابه عبرية العهد القديم واعتبرت في عصره عملاً إبداعياً. وفي الفترة من 1933 حتي 1936 قام الباحث الإسرائيلي يوسف ريفلين بترجمة معاني القرآن الكريم إلي العبرية، ثم صدرت الطبعة الثانية لهذه الترجمة عام 1963 حيث نشرتها مؤسسة "دفير" للطباعة والنشر في تل أبيب وتوصف هذه الترجمة بأنها ترجمة حرفية بسبب محاولة صاحبها مقابلة التركيب القرآني العربي بنظيره العبري قدر الإمكان. وفي سنة 1971 قام باحث إسرائيلي آخر هو أهارون بن شيمش بترجمة معاني القرآن الكريم ونشرتها مؤسسة "مساد 1" ثم نشرت مؤسة "كوني" في تل أبيب الطبعة الثانية منها سنة 1978 وتوصف هذه الترجمة بأنها ترجمة حرة لأنها لا تهتم بالألفاظ قدر اهتمامها بالمعاني. ويلاحظ علي هاتين الترجمتين كما يقول د. زعيمه أن هناك فروقاً لغوية تجعل كل واحدة منهما مختلفة عن الأخري اختلافاً جذريا. فكل من يقرأ الترجمة الأولي منهما ثم يشرع في قراءة الترجمة الثانية يدرك علي الفور أنه يقرأ ترجمة لنص آخر غير نص الترجمة السابقة مع أن معاني القرآن الكريم ثابتة لا تتغير. ويورد د. زعيمه مثالاً يوضح ذلك.. ففي قوله تعالي: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون) "سورة البقرة الآية: 2 5". يقول يوسف ريفلين: يوجد صورة نص عبري في الأصل وترجمة النص بالعبرية: هذا الكتاب ليس فيه شك وهو طريق الاستقامة لخائفي الرب، الذين يؤمنون بالمستورات ويعلمون الصلاة ومما قسمنا لهم يفرقون والذين يؤمنون بالذي أنزل إليك وبالذي أنزل من قبلك ويثقون في الآخرة وثوقاً هؤلاء هم الذين يسعدون في طريق ربهم وهؤلاء هم الناجحون. أما أهارون بن شيش فترجم معاني الآيات السابقة بقوله: يوجد صورة نص عبري في الأصل وترجمته هي: "هذا الكتاب الذي يعلو مصدره فوق أي شك هو مرشد للخائفين المؤمنين بما يفوق إدراكهم مما أوحي إليك أيها الرسول وبما أوحي قبلك والمقيمين الصلوات والمساهمين مما وهبنا لهم ويعتمدون علي العالم الآخر هؤلاء هم المرشدون بواسطة ربهم وهم أنفسهم السعداء". ويلاحظ أن الفروق اللغوية بين الترجمتين العبريتين واضحة تماماً ومع أن صاحبيهما حاولا ترجمة معاني نص قرآني واحد، وفي فترة تاريخية متقاربة إلا أن الألفاظ المشتركة بينهما قليلة مما يدل علي اختلاف إدراك كل منهما للمعني المضمن في الآيات الكريمة السابقة كما يدل علي وجود فروق لغوية مهمة بين النص العربي والنصين العبريين. ويؤكد د. زعيمه أن هناك خلافات وتحريفات متعمدة أحياناً لبعض آيات القرآن الكريم وإهمال ترجمة بعضها خاصة ما اختلف فيه بنو إسرائيل وخاصة في سورة "البقرة" وفي غيرها من السور.. وأشار إلي أن هذه التحريفات تستلزم مؤلفاً شاملاً يقوم بإعداده مجموعة من المتخصصين في الدراسات العبرية لتقويم الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم.