خطط الجمهوريون والديمقراطيون ليكون يوم الثلاثاء الكبير هو يوم الحسم. وأعد الحزبان العدة ورتبوا الأمور لتكون هذه المناسبة تتويجاً لمرشح الجمهوريين والديمقراطيين، إذ سيعقب هذا الحدث ستة أشهر مشحونة بالتوتر والقلق لجمع التمويل اللازم لتغطية سباق الخريف علي الرئاسة إلا أن الآمال التي عقدت ليكون الثلاثاء هو يوم الفصل المشهود سرعان ما تبددت فيما أتاحت الفوضي مطاياها في الحزبين كليهما. وفاز جون ماكين بجولات الجمهوريين الانتخابية التمهيدية في معظم الأحوال في ولايات يحتمل أن تصوت للديمقراطيين في الخريف وهي نيويورك وديلوار وكونيكتيكت ونيوجيرسي وكاليفورنيا. وأما في _الولايات الحمراء_ التي يحتمل أن تصوت للجمهوريين في الخريف كان علي ماكين أن يتقاسم الأصوات مع كل من ميت رومني ومايك هاكابي كليهما، وحتي عندما نادراً ما ارتفعت نسبة الفوز فوق 40%. وعلي امتداد الأسبوعين الماضيين أظهر المحافظون ميلاً إلي التشكك وبدت عليهم خيبة الأمل لأن حزبهم اختار خائناً يخذله مثل ماكين، وفي الحقيقة، يتكشف رويداً رويداً أنه في حين يجنح الاقتصاد نحو الركود والانكماش أخذ بعض من كبار المحافظين واهم شخصياتهم يخلصون الي الاستنتاج بأنه ربما كان ترك مرشح ديمقراطي يفوز بالانتخابات ويصل إلي البيت الأبيض ليس بالأمر السيئ هذا العام، فليقعوا في الفخ ويعاركوا غصص الركود الاقتصادي وليكابدوا لسنوات أربع مقبلة ويلات فوضي الحرب في العراق. وفي نهاية الأسبوع الماضي أعلنت الساكسونية عالية الصوت آن كولتر أنه إذا فاز ماكين بالترشيح فإنها لن تصوت لهيلاري فحسب، بل ستشن حملة مناصرة لهيلاري إذا كان ماكين هو المرشح، وذلك لأن هيلاري كلينتون _أكثر محافظة منه_. ويوم الاثنين، قال ريتشارد فيجويري، وهو أحد الذين ابتدعوا واخترعوا حركة المحافظين المعاصرة، إن ماكين ليس لديه سوي النزر اليسير من الوقت للوصول إلي المحافظين وتوطيد أواصر التواصل معهم وذلك _لوقف النزيف قبل فوات الأوان_. وشهد اليوم ذاته أشأم رسالة تأتي من أي جهة علي الاطلاق، وجاءت من فم جيمس دويسون، الذي يعتبر اليوم الصوت المغرد الأعظم نفوذاً وتأثيراً في أوساط النصاري البروتستانت، وانهال دوبسون علي ماكين بلعنات مفحمة لا تبقي ولا تذر، وقال: _تجتاحني خيبة أمل كبري لأن الحزب الجمهوري معبأ ومهيأ علي ما يبدو لاختيار مرشح لم يدعم التعديل الدستوري لحماية مؤسسة الزواج، بل وصوت لمصلحة أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية ليقتل بذلك الكائنات البشرية الناشئة، كما عارض خفض الضرائب الذي أنهي عقوبة الزواج، وهو إلي ذلك كله، يزدري حرية التعبير ولا يقيم للرأي الحر وزناً، وكون عصابة من _14_ للحفاظ علي ما يعوق ويعطل جلسات الاستماع القضائية، كما أن له مزاجاً اسطورياً وغالباً ما يتفوه ببذيء الكلام وفاحشه ويستخدم أقذر العبارات. وكان راش ليمباو، الرجل المطواع قد تحدث يوم الثلاثاء الكبير إلي جمهوره الضخم عبر موجات الاذاعة فقال: _لو كنت أعتقد أن البلاد سوف تعاني سواء مع هيلاري أو أوباما أو ماكين لكنت تمنيت من كل قلبي فوز الديمقراطيين علي الجمهوريين الذين يتسببون بالهزيمة والكارثة، وكنت سأحبذ ألا يكون هناك محافظون جمهوريون في الكونجرس تشل حركتهم ضرورة أن يصوتوا، بحكم الولاء للحزب لرئيس جمهوري غير محافظ. ويعاني الحزب الديمقراطي من تصدع هو الآخر فالانقسام في أصوات مندوبي الثلاثاء الكبير ما بين هيلاري وأوباما ترك الترشيح معلقاً الي حين المؤتمر الحزبي، عندما يرجح _المندوبون الكبار_ كفة الميزان خلال عاصفة عنيفة من صفقات ما تحت الطاولة والتعهدات والرشي في غرف الاقتراع التي يباح فيها التدخين.. وكانت التصدعات قد افتضحت بصورة صارخة في انتخابات الأمس: فهيلاري كسبت 8 ولايات هي: اركنساس وأريزونا وكاليفورنيا وماساشوستس ونيويورك ونيوجيرسي وأوكلاهوما وتنيسي وفاز أوباما في 13 ولاية هي: الاسكا والاباما وكونيكتيكت وكولورادو ودلوار وجورجيا وايداهو وإيلينوي وكانساس ومينيسوتا وميسوري ونورث داكوتا وأوتاه حيث احتشدت جماهير مؤيدي تعدد الزوجات مناصرة لأوباما وإحياء لذكري أبيه. وكسبت هيلاري الجنوب الأبيض في اركنساس وتنيسي وأوكلاهوما، ولربما في ميسوري، وفازت بدعم النساء وهن فئة لها ثقلها الوازن وصوتها الآمر في أوساط الناخبين ذوي الأصول اللاتينية، وفازت في كاليفورنيا بأصوات الآسيويين، والأهم من هذا كله أنها أظهرت هيمنة كاسحة في فئة البيض ممن هم فوق الستين من عمرهم، وأما أصوات الشباب التي لطالما تكهنت بها الاستطلاعات إلا أنها لم تتبلور إلا هذا العام في الانتخابات، فيفترض أن تذهب إلي أوباما، رغم أن هيلاري فازت بنصيب أوفر منها وأكثر من المتوقع يوم الثلاثاء الكبير، وبفضل جيشانات بيل كلينتون المباغتة في نيوهامبشاير وساوث كارولينا ذهبت أصوات الناخبين السود إلي أوباما بصورة مذهلة قزمت انتصارات جيسي جاكسون التاريخية في عامي 84 و88 . لذا فإنه حين يتعلق الأمر بترشيح المندوبين الكبار لهيلاري كلينتون سيكون هناك الكثير من السود الغاضبين وأولئك الذين أحسوا بالاقصاء والجفاء ومن الناخبين الشباب من الطبقة المتوسطة. والانتخابات الرئاسية الأمريكية هذه الأيام، إنما يبت بأمرها المتأرجحون ويحسم مصيرها من تتذبذب مواقفهم بين الفينة والفينة فلا يستقرون علي حال، وهم الفئة التي يطلق عليها خبراء استطلاعات الرأي اسم _المستقلون_، وأظهر الثلاثاء الكبير أوباما علي أنه هو المرشح الديمقراطي الأقدر علي كسب هذه الجولة الانتخابية لقد كان المستقلون والذين يصوتون للمرة الأولي هم من منح سيناتور إيلينوي الانتصارات التي احرزها في ولايات مثل ايداهو.. ومن ناحية أخري هبت النساء لنصرة هيلاري وأهدينها النصر الذي حققته في ولايات مثل ماساشوسيتس، فالنساء هن الكتلة المصوتة في الحزب الديمقراطي التي تقرر وبيدها الحسم. هيئ نفسك لاحتمال تفجر فضيحة تمويل.. إذ يتعين علي آل كلينتون العثور علي مال بأقصي سرعة، فأوباما يتفوق علي هيلاري في تمويل حملته بنسبة دولار الي ثلاثة، وبوسعه الحفاظ علي هذا التفوق والابقاء علي هذه الفجوة، إذ بلغ كبار المتبرعين لهيلاري حدودهم القانونية القصوي، في حين أن فيالق مؤيدي أوباما وجموع مناصريه من صغار المساهمين بوسعهم مواصلة عطائهم ومنحهم المال له.